نشر البروفيسور الفلسطيني كامل حواش، مقالًا على موقع "ميدل إيست مونيتور"، يُوضح فيه بالتحليل تنبؤه بقرب رفع العلم الإسرائيلي في الرياض، كناية عن تطبيع كامل ورسمي بين السعودية وإسرائيل. يُورد حواش أدلة وبراهين تُعزز من صحة هذا الافتراض الذي يُصبح أقرب للواقع بمرور الوقت، وإن كان حدوثه لا يعني استفادة السعودية بأي شكل كما تتخيل. السطور التالية ترجمة بتصرف للمقال.
في المؤتمر الأخير لمنظمة ميدل إيست مونيتور (ميمو - MEMO)، والذي كان بعنوان "الأزمة في المملكة العربية السعودية: الحرب والخلافة والمستقبل"، سألت أستاذة علم الأنثروبولوجيا الديني مضاوي الرشيد، إذا ما كانت تعتقد أن العلم الإسرائيلي سيُرفرف فوق الرياض خلال العامين المقبلين.
بعض قادة الخليج الذين يسعون لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لا يمثلون كافة شعوبهم، فهناك من لا يزال مهتمًا بحقوق الفلسطينيين
أجابت: "تقصد رفع العلم الإسرائيلي في مكة أم في الرياض؟"، مُضيفةً: "على كل ليسوا بحاجة لرفع العلم لتكون هناك اتصالات ومحادثات". لقد فرقت بين الاندفاع إلى التطبيع مع إسرائيل من قبل قادة بعض دول الخليج وبين مواطني هذه الدول، في إشارة إلى مؤتمر مكافحة التطبيع الذي عُقد مؤخرًا في الكويت، والذي كان يأمل منظموهُ أن يساهم في تحريك عملية المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الدولة الصهيونية. وتابعت: "على الأقل فهذا يعني أن هؤلاء الحكام الذين يقومون بذلك (تطبيع العلاقات مع إسرائيل) لا يمثلون جميع من في الخليج. هناك أشخاص قلِقون ولا يزالون يهتمون بحقوق الفلسطينيين".
اقرأ/ي أيضًا: تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!
كان سؤالي بالطبع عن رمزية أن يرفرف العلم الإسرائيلي في الرياض. وهل يُعلِن الوريث الشاب للعرش السعودي، ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، صراحةً، عن إقامة علاقات رسمية مع الدولة الصهيونية؟ فبالنسبة لرجُلٍ قام بحملة اعتقالات تحت مزاعم "مكافحة الفساد"، والتي اعتقل خلالها مجموعة من أبرز منافسيه بل والأغنى والأكثر شهرةً في السعودية، ووضع البعض الآخر تحت الإقامة الجبرية؛ فإن رفع العلم الإسرائيلي لن يكون بالمهمة الصعبة في غياب وجود أي معارضة حقيقية وفعّالة.
يوجد هناك بالفعل تقارير قوية تشير إلى تزايد عملية التطبيع بين إسرائيل من جهة والسعودية والإمارات من أخرى. وقد شملت تلك الخطوات، الزيارة "غير الرسمية" لإسرائيل من قِبل الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، في عام 2016؛ حيث اجتمع خلالها مع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية ومجموعة من أعضاء الكنيست لتشجيع الحوار في إسرائيل على مبادرة السلام العربية.
وتقدم المبادرة تطبيعًا كاملًا بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي، مقابل إنهاء احتلال الأراضي العربية. وقد تم إطلاق المبادرة في بيروت عام 2002، من قبل ولي العهد السعودي آنذاك، الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.
لم توافق إسرائيل على هذا الاقتراح، في حين فشل المجتمع الدولي في ممارسة ضغوط كافية عليها لقبول أيّ مما طُلب منها، وذلك منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1948. واعترف وزير الخارجية البريطاني السابق، جاك سترو، بذلك، من خلال الرد على سؤالي في المؤتمر المذكور نفسه: "هل فعلت ما يكفي في الوقت الذي كنت لاتزال في منصبك، للضغط على الإسرائيليين لقبول المبادرة العربية؟"، فأجاب: "لا، كان ينبغي علينا أن نمارس المزيد من الضغوط".
فيما تصر السعودية على نفي أي اتصالات بينها وبين إسرائيل، تزداد الأدلة يومًا بعد يوم على أن هناك أكثر من مجرد اتصالات بينهما
ومن أبرز السعوديين الراغبين في التطبيع مع إسرائيل، الأمير تركي بن فيصل آل سعود، الرئيس السابق للمخابرات السعودية والسفير لدى الولايات المتحدة وبريطانيا، والذي لديه بالفعل الآن تاريخ من التعامل مع المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين. وقد بدأ ذلك بمصافحة مع نائب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، داني أيالون، في ميونيخ عام 2010.
وكان آخر لقاء له عندما كان عضوًا في لجنةٍ نظمها منتدى السياسة الإسرائيلية جنبًا إلى جنب مع إفرايم هاليفي، المدير السابق لوكالة التجسس في الموساد. وقد عُقِد هذا الحدث في كنيس يهودي بنيويورك. لم يكن الحوار يتعلق بمبادرة السلام العربية أو كيف يمكن إحلال السلام في الأرض المقدسة، ولكن حول نهج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجاه إيران. وبينما كان الفيصل يشارك في منصات مع مسؤولين إسرائيليين من قبل، كانت هذه أول زيارة له في كنيس يهودي. وقد أعرب عن أمله في "ألا تكون الأخيرة".
اقرأ/ي أيضًا: السعودية وإسرائيل.. تعاون استخباراتي وثيق وقرع لطبول حرب في المنطقة!
ويبدو أن الاجتماعات بين الإسرائيليين والسعوديين تجري على أعلى مستوى. وأفادت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن محمد بن سلمان نفسه قام بزيارة إلى إسرائيل في أيلول/سبتمبر الماضي، شملت لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو. وقد تم نفي ذلك عبر الجنرال عشقي، الذي صرح قائلًا: "لم يزُر ولي العهد إسرائيل، ولم أذهب أنا إلى إسرائيل كذلك. يجب على الجميع أن يعرفوا أنه وفقًا للقانون السعودي، فإنه غير مسموح لأي مسؤول سعودي أن يصافح إسرائيليًا "، رغم أنه سبق وفعل ذلك مسؤول سعودي هو سعود بن فيصل.
وبينما تواصل المملكة العربية السعودية نفيها إجراء أي اتصال مع إسرائيل، فإن الأدلة تتزايد على عكس ذلك، إذ أكد وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتز، الذي كان عضوًا في مجلس الوزراء الأمني لنتنياهو، في مقابلةٍ مع راديو الجيش الإسرائيلي، أن هناك اتصالات مع السعودية، لكنه لم يوضح نوعيتها ولم يصف تفاصيلها.
وعندما سُئل عن سبب إخفاء العلاقات مع السعودية، قال: "في الواقع لدينا علاقات غير معلنة مع العديد من الدول الإسلامية والعربية". مُضيفًا: "وعادةً ما نكون نحن الطرف الذي لا يخجل من إعلانها، ولكن الجانب الآخر الذي يهتم بإبقاء العلاقات هادئة وغير مُعلنة. وبالتأكيد بالنسبة لنا، لا توجد أي مشكلة في ذلك، ولكننا نحترم رغبة الجانب الآخر، وعندما تتطور العلاقات، سواء كانت مع السعودية أو مع الدول العربية الأخرى أو غيرها من البلدان الإسلامية، بل وهناك أكثر من ذلك بكثير. نُحافِظ على بقائها سرية".
وفي مقابل التعاون مع إدارة ترامب وإسرائيل ضد التهديد الإيراني المتصور، يبدو أن السعودية مستعدة للتضحية بحقوق الفلسطينيين ببساطة. في الواقع، يبدو أنها مستعدة لرمي الفلسطينيين للكلاب، إن جاز التعبير. وتُفيِد التقارير بأنه عندما قام ابن سلمان مؤخرًا باستدعاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس إلى الرياض، أخبره أنه عليه قُبول اتفاق السلام النهائي، الذي سيتم في إسرائيل، وستُسوِّق له إدارة ترامب، أو أن يستقيل.
ما يبدو أن ابن سلمان ومسؤولين آخرين، يجهلونه، هو أن إسرائيل تأخذ ولا تعطي أبدًا، ولسوف تأخذ التطبيع، لكنها في المقابل لن تعطي شيئًا. وإذا كانوا يعتقدون أن الطائرات الإسرائيلية ستطير فوق الرياض أو أبوظبي لحماية حلفائها الجُدد من الغارات الجوية الإيرانية المتوهمة، فإنهم بالتأكيد مخدوعون، وكل ما يحتاجون إليه فقط النظر مرةً أخرى لمصر والأردن، وهما الدولتان العربيتان اللتان طورتا علاقاتهما مع إسرائيل منذ فترةٍ طويلة. نظرة فاحصة عليهما تكشف من المستفيد من اتفاقيات السلام تلك.
في مقابل التعاون مع إسرائيل ضد التهديد الإيراني المتوهم، يبدو أن السعودية مستعدة للتضحية بحقوق الفلسطينيين
لعله من باب المكاسب السياسية على عدة مستويات، سيكون الأفضل لابن سلمان أن يُوجه نحو دعم حركة مقاطعة إسرائيل، بدلًا من أن يسعى لتطبيع العلاقات معها. سيكسبه ذلك شعبية تواجه نفوذ إيران التي تتغذى وحلفائها على قضية "الممانعة". وفضلًا عن ذلك، إذا كان على محمود عباس أن يختار بين القبول بصفقة خاسرة أو أن يستقيل، فالاستقالة ستكون أشرف له، قبل أن يرفرف العلم الإسرائيلي بالفعل في سماء الرياض.
اقرأ/ي أيضًا:
مشروع "نيوم".. ذريعة ابن سلمان لإعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل
أبرز 5 شخصيات في مسلسل التّطبيع السّعودي والإماراتي مع إسرائيل