ينخرط المشهد الجزائري بكل تجلياته في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، بكثافة تشي بأنه يريد أن يعوض إهماله لها ولحقوقها ومشاعرها خلال الأيام الأخرى، علمًا أن النشاطات والمبادرات المقامة خلال هذا اليوم، سواء من طرف الحكومة أو هيئات المجتمع المدني، لا تعدو أن تكون مجرد استقبالات وتكريمات بسيطة وإعفاء للعاملات من العمل مساء الثامن آذار/مارس، مع منح مادية لا تتجاوز خمسين دولارًا أمريكيًا.
تحولت أغنيته "اعطاتني وردة حمرا" للشاب يزيد إلى ما يشبه النشيد الرسمي للمرأة الجزائرية
وإذا استثنينا بعض المبادرات التي باتت راسخة في هذا الباب، فإن التقليد الذي رسخه مغني الراي الشاب يزيد، منذ ما يقرب من ربع قرن، يأتي في صدارة هذه المبادرات المتميزة، وهو تنظيم حفل مجاني للنساء وتقديم أغان تتناول هواجس المرأة واهتماماتها.
اقرأ/ي أيضًا: أمستردام.. جلجامش باثنتي عشرة لغة
لقد بات معروفًا لدى الكبير والصغير والمرأة والرجل في الجزائر، أن الشاب يزيد سيغني في اليوم العالمي للمرأة، في أكبر قاعة متاحة في الجزائر العاصمة، وأن الحفل يكتظ بكبيرات السن ومتوسطاته وصغيراته، بالمتحجبات والسافرات، المتعلمات والأميات، العاملات والماكثات في البيوت، المنتميات إلى الطبقة المخملية والمنتميات إلى الطبقات العادية، حيث تنتفي الفوارق، ويصبح الرقص على الأحلام والأوجاع الأنثوية الجذع المشترك الوحيد.
وقد تحولت أغنيته "اعطاتني وردة حمرا" التي دأب على أن يفتتح بها حفله السنوي، إلى ما يشبه النشيد الرسمي للمرأة الجزائرية في هذا اليوم، قد تنسى خلال الأيام الأخرى من العام، لكنها تنتعش بغزارة في الثامن من الشهر الثالث، في فم من يحب صاحبها ومن لا يحبه.
لم يكن الفتى يعلم أنه سيذهب ضحية هذا التقليد الذي أطلقه في عز معاناة الجزائريات من العنف والإرهاب، في تسعينيات القرن العشرين، من ناحية أنه غطى على ما ينتجه من ألبومات في الشهور الأخرى، فقد بات مختصرًا في الغناء للمرأة في عيدها، ومن ناحية الكم الهائل من السخرية الذي أمطره به الشباب الجزائريون، خاصة بعد ظهور موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
اعتزل الشاب يزيد الغناء للمرأة وأعان أنه سيتفرغ للغناء للأطفال
اقرأ/ي أيضًا: كتب تنتظرها مجلة "تايم" هذه السنة
وما يؤسف له أن قطاعًا واسعًا من الفنانين والمثقفين انخرطوا في مسعى السخرية هذا، وكأن الأمر يتعلق باغتصاب أو تحرش أو إهدار لكرامة المرأة، لا بالغناء لها في عيدها. وهو ما يدل في الحقيقة على احتقار للمرأة نفسها لا احتقار للشاب يزيد.
في العام الماضي، قال المغني الجزائري إنه سينقطع عن الغناء، لا لأنه تأثر بما قيل عنه، بل لأنه سيتفرغ للغناء للأطفال وتنشيط حصة تلفزية خاصة بهم، وهو ما أقدم عليه فعلًا، فانتقل اسمه الفني من الشاب يزيد إلى عمو يزيد، ليختفي تقليد فني وحضاري، ما كان له أن يختفي لو لم يكن المجتمع منخورًا بالتناقض، بحيث يحتفي بعيد المرأة ويزدري من يغني لها فيه.
اقرأ/ي أيضًا: