يحمل تكليف يوسف الشاهد وزير الشؤون المحلية في حكومة تصريف الأعمال لرئاسة الحكومة التونسية الجديدة سابقات عدة تؤشر لدلالات عميقة، سواء بخصوص التوازنات الحالية في الوقت الراهن، وقبلها ما يتعلق بالتاريخ السياسي المعاصر في البلاد.
الشاهد (41 سنة) هو أصغر رئيس حكومة يكلفه السبسي (90 سنة)، وهذه هي السابقة الأولى حيث إنه لأول مرة منذ الاستقلال يتولى أربعيني رئاسة الحكومة.
الشّاهد (41 سنة) هو أصغر رئيس حكومة يكلّفه السبسي (90 سنة) وهو أكبر رئيس جمهورية في تاريخ البلاد، وفي ذلك يجيء الحديث عن تصعيد الشباب للصفوف الأولى في إطار تشبيب الطبقة السياسية بعد ثورة يفضل البعض تسميتها بـ"ثورة الشباب". وهذه هي السابقة الأولى حيث إنه لأول مرة منذ الاستقلال يتولى أربعيني رئاسة الحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: تونس بعد الثورة..7 حكومات واستحقاقات متشابهة
وقبل أسبوع من تكليف الشاهد، عيّنت كذلك حركة النهضة زياد العذاري (41 سنة) وهو وزير التشغيل والتكوين المهني في حكومة تصريف الأعمال أمينًا عامًا لها.
ولم يفوّت الشاهد الفرصة للحديث عن أهمية فئة الشباب في كلمة مقتضبة بعد تكليفه، وقال إنه سيحرص على تمثيلية مناسبة لهم. ربّما يبدو تعيين شاب لرئاسة الحكومة محاولة لبعث رسالة إيجابية لشباب البلاد الذي يعاني جزء هامّ منه البطالة والفقر، غير إنه جاء بتعيين شاب لم يكتشفه التونسيون إلا مؤخرًا، وفي ذلك السابقة الثانية.
قال الشّاهد أنه سيشكّل حكومة سياسية، والحال أنّه ربّما أقلّ رؤساء الحكومات في تاريخ البلاد خبرة وثقافة سياسية، وذلك ليس بعلاقة بصغر سنّه، بل بعلاقة بأنه هو نفسه وافد جديد على الساحة السياسية حيث لم ينشط على الساحة السياسية إلا بعد الثورة، فلم يكن له قبلها نشاطًا سياسيًا أو حزبيًا أو نقابيًا.
ورغم قصر نشاطه السياسي خلال السنوات الأخيرة، فقد تنقّل في ظرف ثلاث سنوات بين ثلاثة أحزاب، أولها القطب الديمقراطي الحداثي سنة 2011 ثم الحزب الجمهوري سنة 2012 وأخيرًا حزب نداء تونس سنة 2013، ولعلّ هذه السياحة السنوية الحزبية تؤشر على ضعف نضجه السياسي.
وعلى مستوى المناصب الحكومية، فقد تولى الشاهد خطة كاتب دولة في حكومة الصيد الأولى سنة 2015 ثم وزيرًا للشؤون المحلية في حكومة الصيد الثانية سنة 2016 وحاليًا هو المكلف برئاسة الحكومة، وهذا الصعود التراتبي في المناصب كان بدفع أساسي من قريبه رئيس الجمهورية السبسي. حيث يمثل، من جانب آخر، وجود علاقة من جهة المصاهرة بين السبسي والشاهد، هاجسًا تواجهه الطبقة الحاكمة في ظلّ تزايد مخاوف المعارضة من "حكم العائلة" خاصة وأن الرجل الأول في حزب نداء تونس الحاكم هو كذلك نجل رئيس الجمهورية.
هي سابقة أولى في تونس، وربما في الوطن العربي، أن يتولى رئاسة الحكومة موظف سابق لسفارة أجنبية
لعلّ أكثر سابقة مريبة هي التي تتعلق بالمسيرة المهنية للشاهد حيث كشفت وثيقة من ويكيليكس أنه عمل قبل الثورة في قسم الخدمات الزراعية الخارجية في السفارة الأمريكية بتونس. وهي سابقة أولى في تونس، وربما في الوطن العربي، أن يتولى رئاسة الحكومة موظف سابق لسفارة أجنبية.
اقرأ/ي أيضًا: رسميًا الشاهد رئيسًا للحكومة في تونس ومواقف مختلفة
وفي أطروحته للدكتوراه حول الاقتصاد الفلاحي وفق ما أورد موقع نواة الاستقصائي، دافع الشاهد على تحرير الاستثمار في القطاع الفلاحي واعتبر أن الحديث عن "حماية حقوق المزارعين" و"السيادة الغذائية" شعارات بالية تجاوزها الزمن. وهذا ما قد يؤشر على السياسات التي ستتخذها تونس التي تعيش أزمة اقتصادية حادة في المرحلة القادمة، ليكون السؤال دائمًا حول كلفتها الاجتماعية. وفي هذا السياق، نقلت مصادر صحفية تسريبات حول وجود اتجاه لتعيين ممثل البنك الدولي في ليبيا مروان العباسي لتولّي الملفّ الاقتصادي في الحكومة.
لم يكن خيار تكليف الشاهد بعد يومين فقط من سحب الثقة من حكومة الصيد بغير المفاجئ، حيث تناقلت تسريبات صحفية منذ أسابيع أن السبسي قد اختاره لرئاسة الحكومة قبل حتى طرح مبادرته للعموم. وتُطرح في هذا السياق نقطة أخلاقية حول تكليف وزير من حكومة تم سحب الثقة منها قبل أيام.
عمومًا ربّما لم يكن تعيينه كوزير للشؤون المحلية في حكومة الصيد الثانية إلا مرحلة إعدادية للمهمة الأكبر وهي رئاسة الحكومة. حيث تكتسي الحقيبة الوزارية التي تولاها الشاهد في الفترة الماضية أهمية بالغة، إذ أشرف على إعداد برنامج التقسيم البلدي للبلاد استعدادًا للانتخابات البلدية، وهي انتخابات كان من المحدد تنظيمها في مارس القادم غير أنه يستحيل ذلك حاليًا بعد تأخر البرلمان في إصدار القانون الانتخابي. وهو تأجيل يعود لعدم تحمّس حزب نداء تونس الذي لا يزال يعاني من خلافات داخله، لإجرائها قريبًا حيث قد تكون هذه الانتخابات البلدية موعدًا لمعاقبته بعد ضعف أداء مؤسسات الدولة التي يقودها الحزب منذ قرابة سنتين.
تحدث الشاهد بعد تكليفه على التزامه بالمعركة ضد الفساد والمفسدين، وهي معركة قال عنها الصيد يوم سحب الثقة منه بأنها أصعب من معركة الإرهاب، في إشارة لاستفحال الفساد في البلاد وتأثيره على القطاعات الاقتصادية خاصة في ظلّ الأزمة التي تعيشها البلاد، وهي في أشدّ الحاجة لتعبئة مواردها المالية. ربّما تمثّل المعركة المُعلنة عنوانًا جذابًا يتناوله الجميع غير أن الشكوك تحوم حول جدية الطبقة السياسية الحاكمة في ذلك. آخر هذه الشكوك وردت في تقرير استقصائي نشرته منظمة "أنا يقظ" قبل ساعات حول وجود شبهات فساد للوزير المكلّف بمكافحة الفساد في حكومة الصيد.
كما تتزايد الشكوك في جدية مكافحة الفساد خاصة في ظل وجود مبادرة تشريعية من رئيس الجمهورية للمصالحة الاقتصادية في ملفات الفساد والاعتداء على المال العام، تلقى رفضًا واسعًا من المعارضة والمجتمع المدني، بل ومؤخرًا من المقرّر العام للأمم المتحدة المتخصص في ملف العدالة الانتقالية.
لم يكن خيار تكليف الشاهد بتشكيل الحكومة بالمفاجئ، حيث تسربت أخبار بأن السبسي قد اختاره لرئاسة الحكومة قبل حتى طرح مبادرته للعموم بمدة
ينظر العديد لتكليف الشاهد بتوجّس كبير، فالسبسي لم يقم بالمشاورات اللازمة مع أحزاب البرلمان وفق ما يفترضه الدستور، وسارع لتعيين الشاهد، وهو على قرابة عائلية بالرئيس، ومبتدئ سياسيًا، وله مشوار مهني مثير للجدل، وهو ما قد يكشف مقاصد تكليفه. ولعلّ أهمّها رغبة السبسي في ضمان نفوذه على الحكومة في تعارض ضمني مع النظام شبه البرلماني للبلاد، الذي يفترض رئيس حكومة صاحب صلاحيات واسعة ويمارس نفوذه من البرلمان، وليس من رئيس الجمهورية فيما يكتفي البرلمان بدور ثانوي.
بعد انسحاب ثلاثة أحزاب معارضة من المشاورات ورفض حزب آخر المشاركة في الحكومة، من المنتظر أن تتكون الحكومة الجديدة، التي يصرّ داعموها على تسميتها بحكومة وحدة وطنية، من الائتلاف الرباعي الحاكم مع إضافة حزب المبادرة الدستورية الذي يقوده كمال مرجان آخر وزير خارجية زمن بن علي، لتكون بذلك حكومة خماسية الأضلع. ليبقى سؤال من جملة أسئلة عديدة تُطرح في تونس، كيف سيقدر الشاهد صاحب الخبرة السياسية والإدارية المحدودة في قيادة حكومة تواجه واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والأمنية للبلاد.
اقرأ/ي أيضًا: