تُرجّح الدوائر الدبلوماسية والإعلامية في واشنطن أن تكون سياسة ترامب الخارجية تجاه الشرق الأوسط مختلفةً عما كانت عليه في ولايته الأولى، وذلك لسبب بسيط حسب هؤلاء، وهو التغير الكبير الذي شهدته المنطقة طيلة الفترة الماضية، وبشكل خاص منذ أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، الأمر الذي أدى حسب تحليلات الخبراء إلى تعطيل توازن القوى في المنطقة من جهة، وتغيير أولويات الفاعلين الرئيسيين فيها من جهة أخرى.
أمام هذه الوضعية، ترى "نيويورك تايمز"، مثلًا، أنه من الصعب التنبؤ بما هو آتٍ حتى في ظل ادعاء ترامب بأنه سيُنهي جميع الحروب.
ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله
ترى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن حدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 من نوع الأحداث التي تقسم التاريخ إلى "ما قبل وما بعد". فهذا الحدث، وفقًا للكاتب ستيفن إيرلانغر، حطم "العديد من الفرضيات القديمة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مدخلًا بذلك الأمور في حالة من اللايقين العنيف المؤهلة لأن تستمر لفترة طويلة"، في ظل محاولات حكومة الاحتلال الإسرائيلي إعادة الأمور إلى نصابها المفترض، ولو بارتكاب إبادة جماعية وجر المنطقة إلى حرب إقليمية مجنونة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات كبيرة من شأنها أن تفرض سياسة خارجية أميركية مختلفة
وتتحمل الإدارات الأميركية المتعاقبة، حسب الصحيفة الأميركية، جزءًا كبيرًا من المسؤولية، حيث أغفلت النظر عن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم. بل إن الإدارتين الأخيرتين (إدارة ترامب وبايدن) تساهلتا مع التهام الاحتلال للضفة الغربية بالاستيطان ومساعيها لضمها، كما صمتتا عن "احتواء قطاع غزة وإحكام الخناق على الأهالي هناك ضمن وضع بائس كانت جميع المعطيات تشير إلى أنه سيستمر إلى أجل غير محدد"، بسبب التواطؤ الدولي مع الحصار.
غير أن السابع من أكتوبر وما تبعه من حروب غيّر الترتيبات بشكلٍ كبير. ومع ذلك، يُلاحظ أن واشنطن ظلت على موقفها الداعم لإسرائيل دون اكتراث بالتداعيات والتغيرات، حيث قدمت مساعدات بمليارات الدولارات لإسرائيل على شكل معدات عسكرية وأسلحة متطورة.
رغم ذلك، دفع العنف الإسرائيلي الأهوج الذي حصد آلاف الضحايا الفلسطينيين، جلّهم من النساء والأطفال، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني؛ إلى غضب واسع النطاق من سلوك دولة الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الشعبي، الأمر الذي أعاد الزخم والاهتمام إلى القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة.
انهيار معادلات التوازن في المنطقة
حافظت إسرائيل وإيران على توازن شابه العنف أحيانًا، وظل التصعيد بينهما محصورًا ضمن سقف محدد، مع تفضيلهما الحرب بالوكالة في ظل درجات الاضطراب الكبيرة. لكن ذلك التوازن اضطرب بعد السابع من أكتوبر، ولاحقًا تقوض بالكامل بسبب الهجمات المباشرة التي تبادلتها القوتان الإقليميتان، الأمر الذي يجعل اندلاع الحرب الإقليمية مسألة وقتٍ حسب بعض المحللين والمهتمين.
العلاقات الخليجية الإيرانية
ثمة معطى ثالث تبرز فيه مستوى التغيرات التي شهدتها المنطقة، وتمثّل في علاقة إيران مع بعض الدول الخليجية والعربية، لا سيما السعودية والمصرية. فقد عرفت هذه العلاقات تحسنًا واضحًا بعد فترة من الجفاء والاضطراب. وهذا الوضع الجديد مختلف عما كان عليه خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى. وبالتالي، يعود ترامب إلى المنطقة وهي مختلفة عما تركها عليه من توتر في العلاقات العربية الإيرانية.
هذه المعطيات قد تدفع ترامب إلى تغيير سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وربما من المؤشرات الدالة على ذلك لقاء رجل الأعمال والعضو في فريق ترامب الحكومي، إيلون ماسك، هذا الأسبوع مع مسؤولين إيرانيين، ناقش معهم، حسب "نيويورك تايمز": "سبل تخفيف التوترات بين إيران والولايات المتحدة".
ومع ذلك، فإن الأسماء التي طرحها ترامب في إدارة الخارجية الأميركية هم من محدودي التجربة والمعرفة بقضايا الشرق الأوسط، وعبّروا عن دعمٍ مطلق لإسرائيل، وهذا من شأنه أن يدفع بالمزيد من التخبطات التي قد تنتج عنها قرارات جنونية.