كشف بحث، نشر اليوم الخميس، أن درجات حرارة المياه ارتفعت في "الحاجز المرجاني العظيم" ومحيطه في أستراليا إلى أعلى مستوياتها منذ 400 عام، ما يعرض أكبر شعاب مرجانية في العالم للخطر.
ويمتد الحاجز المرجاني، أكبر نظام بيئي حي في العالم، لمسافة 2400 كلم قبالة ساحل ولاية كوينزلاند في شمال أستراليا. وتُعتبر الدراسة التي أوردتها وكالة "رويترز" للأنباء نادرة في نوعها لأنها تضع تأثيرات التغير المناخي الذي يتسبب فيه الإنسان ضمن سياق تاريخي، على عكس الدراسات الأخرى التي تركز عادةً على الأضرار التي لحقت بالشعاب المرجانية خلال إطار زمني أقصر.
وأخذ علماء من مختلف الجامعات الأسترالية يحفرون في عينات من الشعاب المرجانية، ومثل عد الحلقات الموجودة في نسيج خشب الأشجار، حللوا تلك العينات لقياس درجات حرارة المحيط في الصيف بالوصول إلى طبقات تعود إلى عام 1618.
وبالاستعانة كذلك ببيانات سفن وأقمار اصطناعية تعود إلى حوالي 100 عام، خلص البحث إلى أن درجات حرارة المحيط التي كانت مستقرة لمئات السنين بدأت في الارتفاع من عام 1900 نتيجة للتأثير البشري.
ومن عام 1960 إلى عام 2024، لاحظ الباحثون ارتفاعًا سنويًا متوسطًا في درجات الحرارة من كانون الثاني/يناير إلى أذار/مارس، بمقدار 0.12 درجة مئوية لكل عقد.
ويشير البحث إلى أنه "منذ عام 2016، شهد "الحاجز المرجاني العظيم" تبييضًا هائلًا للشعب المرجانية خلال خمسة فصول صيف، وهو عملية تحول أجزاء كبيرة من الشعاب المرجانية إلى اللون الأبيض بسبب الإجهاد الحراري مما يعرضها لخطر أكبر للموت".
يمتد الحاجز المرجاني، أكبر نظام بيئي حي في العالم، لمسافة 2400 كلم قبالة ساحل ولاية كوينزلاند في شمال أستراليا
وأظهر البحث أن هذه الصيف كان خلال خمسة فصول من ستة أعوام الماضية الأكثر دفئًا في القرون الأربعة الماضية.
وقال الأكاديمي بجامعة ملبورن في أستراليا، بنيامين هينلي، وهو أحد المشاركين في الدراسة: "يفقد العالم أحد أيقوناته".
ويُعدّ الحاجز المرجاني العظيم أكبر بنية حية في العالم الذي يضم تنوّعًا بيولوجيًا غنيًا جدًا مع أكثر من 600 نوع من المرجان و1625 نوعًا من الأسماك.
أما ظاهرة نفوق المرجان والتي تنعكس من خلال تغيّر لونه، فناتجة عن ارتفاع درجة حرارة الماء، مما يؤدي إلى هجرة الطحالب التكافلية التي تعطي المرجان لونه الزاهي. وفي حال استمرّ الارتفاع في درجات الحرارة، يتحوّل المرجان إلى اللون الأبيض وينفق.
وتحمي الشعاب المرجانية الشواطئ من التآكل، وهي موطن لآلاف أنواع الأسماك، وهي مصدر مهم لإيرادات السياحة في العديد من البلدان.
وشهد ما لا يقل عن 54 دولة ومنطقة تبييضًا جماعيًا لشعابها المرجانية منذ شباط/فبراير 2023، حيث يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للمحيطات.
وقالت الباحثة المختصة في المناخ لدى جامعة ولونغونغ الأسترالية: "يبدو أنّ هذه التغييرات، وفق ما نشهده حتى اليوم، تحدث بسرعة كبيرة جدًا لدرجة عدم قدرة الشعاب المرجانية على التكيّف معها، وهو ما يهدد بالفعل هذه البنية الحية".
وتسبَّبت موجة الابيضاض المسجلة هذا العام، وهي إحدى أخطر وأوسع الموجات التي ترصد على الإطلاق، في أضرار بالغة وصلت إلى 81 % من الشعاب المرجانية، وفق أحدث بيانات الحكومية، علمًا بأنّ العلماء لن يتمكّنوا من تحديد نسبة الشعاب المرجانية التي لا يمكن إنقاذها إلا بعد أشهر.
وقال رئيس قسم المحيطات لدى "الصندوق العالمي للطبيعة" في أستراليا، ريتشارد ليك: "في الوقت الحالي، نلاحظ أن الشعاب المرجانية تقاوم. لقد تعافت من حلقات الابيضاض السابقة، ولكن في مرحلة ما ستتبدد المرونة".
محذرًا من أن "الشعاب المرجانية هي أول نظام بيئي في العالم يواجه تهديدًا بسبب التغيّر المناخي".
وتابع: "نأمل ألا يقف العالم مكتوف الأيدي ويسمح بحدوث ذلك، ولكنّ الوقت يدهمنا".
وفي حزيران/يونيو الماضي، طلبت "اليونيسكو" من أستراليا اتخاذ تدابير عاجلة لحماية "الحاجز المرجاني العظيم"، لا سيما من خلال اعتماد أهداف مناخية "أكثر طموحًا". وذلك عبر تقديمها في أوائل عام 2025، عرضًا محدّثُا لجهودها من أجل حماية المرجان والحفاظ عليه، لكن "اليونيسكو" لم توصِ بوضع الموقع على قائمتها للتراث العالمي المعرض للخطر.
واستثمرت أستراليا، التي تعد من أكبر مصدري الغاز والفحم في العالم، نحو 3.2 مليار دولار لتحسين نوعية المياه، والحدّ من آثار التغير المناخي، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض. لكنها لم تحدد إلا في المرحلة الأخيرة أهدافًا للوصول إلى "الحياد الكربوني".