في
هذه
اللحظة
تمامًا
كنت فقط،
أرغب بسماع كلمة تافهة تُثنيني عن إطلاق الرصاصة على جانب رأسي.
*
هل أملكُ جرأة اطلاقها؟ هل أريد أن أعيش بعد هذه الرصاصة؟
لطالما قُلت أن أجمل موتٍ هو الذي يأتينا خلال نومنا.
ذلك الذي نتمناه ولا نحصل عليه، الذي نسمع تفاصيله أثناء مجالسِ العزاء من خلال تمتماتٍ مزعجة تكشف حسد المعزين بنا على هذه الميتة.
إن كانت الحياة بطولة عالمية، فمن الأفضل أن نغادرها في منتصفها.
وإن كان هذا السباق الذي نعيشه هو مباراة في الصبر، فإن المهزوم ليسَ بخاسر، فتعريف الصابر يشتملُ كلَّ درجات الاحتمال، وما علينا سوى الوصول لآخرنا، وأن نؤمن أن وصولنا إلى هذا الحد من الحياة كان حقًّا طبيعيًا لنا لما احتملناه من قبل.
هل أغلقنا الباب بإحكامٍ على آمالٍ لطالما سعينا لنيلها؟ أم أنها تسربّت من شقٍ تافهٍ لم يلتفت له عامل البناء لأنَّ مزاجه كانَ حادًا يومها، فأنهى هو مهمته التي مللها، وقضى على حُلمنا الذي نسيناه فور صحونا؟
أنعيش لتكون أحلامنا ملجأنا أم أن أحلامنا هي التي تُبقي شرارةَ السعي فينا متقدّة؟
*
حين ينظرُ القاضي لوجه المتهم، يحاولُ قدر ما أمكن أن يكونَ محايدًا في مشاعره، يهملُ اندفاع المحامين الساعين لاثبات الجُرم والبراءة، تُترك أمامه كل الخيوط التي من الممكن أن تكون وسيلةً لحبكِ أسوار السجن أو فك قيد الهواء عن المتهم.
حين ينظرُ القاضي لوجه المتهم في الجلسةِ الأخيرة تتنازعه الرغبة في نُطقِ عكس ما يقول، وهو، حين ينُهي آخرَ كلمة من حُكمه تحتلهُ برودة مكعبات الثلج المنزلقة من بين كتفيه، ترفضُ أذناه سماعَ صخب القاعة، ومطرقته التي يعتدُّ بها لن تُفيد.
القاضي كأنه تلك الرصاصة التي ستغتال غيمتنا التي حَوّشنا فيها كل ما نُريد، وغادرنا دونَ أن نشعرَ برطوبة مطرها.
*
سيصفقُ الجميع للذي وصل لنصف النهائي وغادر، بينما لن يتوانى أحد على لوم الذي احتل المركز الثاني.
*
نعيشُ بين الرصاص؛
مزاجُ رئيسنا في العمل، حُكم القاضي، صافرةُ الحكم، قرارُ الشُرطي، قوانينُ الحكومة، سُلطةُ الأب، رغبة المُعلم، طموح المُعيد، استغلال البروفيسور، ملل موظف الاستقبال.. إلخ.. إلخ..
نتفادى كل هذه الطلقات بسبب إيمانٍ بسيطٍ أن لا أحد هناك يفهمنا، نخدعُ أنفسنا بمقولة تافهة أن "غدًا أجمل"، وأن اليوم برغم بشاعته سينتهي، لكننا ننسى دائمًا أن هذا الغد الذي ننتظره واليوم الذي انتهى قبل قليل، سيأكل من عمرنا 24 ساعة جديدة، استسلمنا لها.
تُخطئنا الرؤوس المدببة لطلقات الحياة، لكننا سنحمل رائحة البارود فينا إلى خط النهاية، وذاكرة الرائحة المفاجئة تقدرُ على ما لا تقدرُ عليه كل ذاكرة أخرى.
نعزّي أنفسنا بأننا – على الأقل – وصلنا إلى هُنا، لكن الواقع يقول أن هذا الهُنا ليس إلاّ مصادفات تقاطعت فأخطأتنا.
*
كمسمار في زواية البيت تقررت حياتنا، يُدقُ على رأسنا لمصلحة الطارق لا المطروق، وحين احتجنا يدًا لتزيل الصدأ عن أقدامنا ثَبتت هذه الحيطان، استبدلونا بقطعة حديثة لا تصدأ، ولا تستطيعُ حمل الذكريات.
يذبل التاريخ حين تتساقط الذكريات، فكُتبت المناهج الحديثة بأيادٍ لم تعرف شكل الحياة قبل دخول الألوان على الشاشات، ولم تَعِش رعب انفراط الشريط في الفيديو.
*
صرنا في زمنٍ قد يتخذ أيَّ شيء شكل كلِّ شيء، والرصاصة اليوم قد تتنكر على شكل إشارة أو كلمة، وهذا الأمر تحديدَا سيقودنا لطريق جديدة لنستوعب الغاية من كل هذا.
لا غاية من كل هذه المسامير، والجدران، والبارود، والرصاص، والثواني القليلة التي ستفصلنا عن اختيارٍ وآخر إلا لتقول لنا أننا قضينا نصفَ حياتنا لغيرنا،
وأن ما تبقى لنا قد أكله الصدأ.
اقرأ/ي أيضًا: