الترا صوت – فريق التحرير
الخلاف بين أذربيجان وإيران ليس وليد اللحظة بل له جذوره التاريخية العميقة بالرغم من القواسم الدينية والثقافية والاجتماعية التي تجمعهما. فمنذ إعلان جمهورية أذربيجان دولة مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، خلق الأمر لطهران أزمة ثقة بسبب التموضع الجيو استراتيجي لباكو، فعادت الحساسيات التاريخية بين البلدين التي تراكمت منذ اتفاقية كلستان عام 1813 ومن ثم معاهدة تركمان شاي عام 1828 ما بين روسيا القيصرية وإيران القاجارية بعد حربين هزمت فيهما إيران على يد روسيا في النصف الأول من القرن التاسع عشر وأدتا إلى خروج إيران من جنوب القوقاز وشماله. وبموجب المعاهدتين تنازلت إيران القاجارية عن أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وداغستان لصالح روسيا القيصرية.
الخلاف بين أذربيجان وإيران ليس وليد اللحظة بل له جذوره التاريخية العميقة بالرغم من القواسم الدينية والثقافية والاجتماعية التي تجمعهما
هذا التوتر التاريخي عاد للظهور بعد الانتصار الذي حققته أذربيجان في الحرب الأخيرة في إقليم ناغورني قره باه، والذي مكنها من السيطرة على الطرقات التي تمر من أراضيها إلى إقليم ناغورني قره باغ وإلى إقليم ناختشيفان بمحاذاة الحدود الإيرانية الأرمنية، ما دفع باكو إلى فرض تعريفات على الشاحنات الإيرانية التي تستخدم هذه الممرات البرية للوصول إلى أرمينيا عبر أراضي أذربيجان، ليتصاعد الخلاف بعد منع عبور شاحنات إيرانية واعتقال اثنين من سائقيها في الأيام الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا: ما تريد/ين معرفته عن أسباب الصراع العسكري بين أرمينيا وأذربيجان
زادت حدة التوتر بين البلدين بعد تحريك إيران لقواتها إلى الشمال الغربي للبلاد باتجاه الحدود الأذرية الأسبوع الماضي لإجراء مناورات عسكرية تحت اسم "فاتحو خيبر" هي الأكبر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بمشاركة قوات برية وجوية منها لواء تدخل سريع، ووحدات مدرعة ومدفعية وطائرات مسيرة وأدوات حرب إلكترونية وبدعم ناري من مروحيات. وشملت المناورات تنفيذ عملية إنزال في إحدى المناطق بعد استطلاعها من الجو، وقال قائد القوة البرية في الجيش الإيراني العميد كيومرث حيدري إن "المناورات الحالية تزداد أهمية في ظل الحضور الإسرائيلي العلني والخفي والتواجد الملحوظ لإرهابيي داعش في المنطقة". هذا ما أكده القيادي السابق في الحرس الثوري حسين كنعاني مقدم الذي قال "كنا على علم بوجود قواعد إسرائيلية في أذربيجان منذ سنوات عديدة، وكذلك إرسال قوات تكفيرية من تنظيم الدولة الإسلامية من سوريا إلى أجزاء من أذربيجان في حرب قره باغ، وعندما لم تستجب أذربيجان لتحذيرات إيران شنت إيران مناورة عسكرية قرب حدود أذربيجان".
بدوره وتعليقًا على هذه المناورات قال الرئيس الأذري إلهام علييف: "يمكن لكل دولة إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها، هذا هو حقها السيادي لكن لماذا الآن ولماذا على حدودنا؟ لماذا يتم ذلك بعد أن حررنا هذه الأراضي بعد 30 عامًا من الاحتلال؟".
هذه التصريحات تشير إلى أن حدة الخلاف بين البلدين لا تنحصر بتعريفات جمركية ومنع شاحنات من المرور، بل هو أكبر من ذلك ويتضح من غضب إيران من علاقات أذربيجان الوثيقة مع إسرائيل. وتحدثت طهران عن تواجد للقوات الإسرائيلية على الأراضي الأذربيجانية وبالقرب من حدود إيران، وتزويد تل أبيب لباكو بأسلحة حديثة بما في ذلك الطائرات المسيرة، ومؤخرًا حمل مسؤولون إيرانيون "القوات الإسرائيلية المتمركزة في باكو" المسؤولية عن هجمات استهدفت البرنامج النووي الإيراني واغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده، ويقول هؤلاء المسؤولون إن أذربيجان أصبحت ساحة خلفية لإسرائيل للتآمر على إيران.
وفي برنامج على التلفزيون الإيراني، قال محلل الشؤون الدولية مصطفى خوش جشم إن "إسرائيل ترسل طائراتها المسيرة من جمهورية أذربيجان إلى إيران للقيام بعمليات عسكرية واستطلاعية"، وأضاف "دمرنا في إحدى المرات طائرة مسيرة من نوع "هيرميس" التي كانت تتجه نحو منشأة نطنز النووية، كما تمت عمليات سرقة الوثائق النووية ودخول الإرهابيين عبر أراضي أذربيجان". يأتي ذلك في حين أعلن عن اعتقال جاسوس إسرائيلي دخل إيران قادمًا من أذربيجان، و أدلى بـ"اعترافات خطيرة" إلى أجهزة الأمن الإيرانية.
وردًا على الاتهامات الإيرانية، رفضت الخارجية الأذربيجانية الحديث عن وجود قوات لطرف ثالث قرب حدودهما المشتركة، وقالت المتحدثة باسم الوزارة إن "حرمة الحدود المعترف بها دوليًا هي أحد المبادئ الأساسية التي تسترشد بها أذربيجان"، وأضافت أن "تنمية العلاقات الودّية مع الدول المجاورة هي إحدى الأولويات الرئيسة لسياسة أذربيجان الخارجية"، وشددت المتحدثة على أن "بلادها حساسة جدا لقضية التضامن الإسلامي"، على حد وصفها.
بالاضافة لذلك، تطفو للعلن حساسية إيران من الدور التركي المتعاظم في المنطقة والموقف السلبي الذي تتخذه طهران إزاء علاقات أذربيجان وتركيا الواسعة، حيث قدمت أنقرة مساعدات كبيرة لباكو في الحرب الأخيرة في قره باغ ما أدى إلى السيطرة على الإقليم وقد روجت في تلك الحرب لفكرة "دولتين – أمة واحدة".
تطفو للعلن حساسية إيران من الدور التركي المتعاظم في المنطقة والموقف السلبي الذي تتخذه طهران إزاء علاقات أذربيجان وتركيا الواسعة
ويكمن أحد أسباب التوتر في طريق النقل "زنغه زور"، الذي اتفقت أذربيجان وأرمينيا على إنشائه ويربط بين منطقة "نخجوان" وأذربيجان عبر أراضي أرمينيا على حدود إيران. ومع تنفيذ ممر الاتصال هذا، لم تعد الحاجة قائمة لاستخدام الأراضي الإيرانية لربط منطقة نخجوان بالدولة الرئيسية لأذربيجان، إضافة إلى ذلك سيكون من الممكن قطع الاتصال الحدودي بين إيران وأرمينيا، وبالطبع سيتم قطع إحدى طرق المواصلات بين إيران وأوروبا، كما أن هذا الطريق سيربط تركيا ببحر قزوين عبر أذربيجان. التواجد التركي وإمكانية وصوله إلى بحر قزوين سيقلب المعادلات الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما تخشاه إيران لذا ستحاول منع تركيا من الإقدام على هذه الخطوة وهو ما يعمق ويزيد التوتر. وقد صرحت طهران مرارًا بأنها لن تسمح بتغيير حدودها مع الدول المجاورة.
اقرأ/ي أيضًا: