يعود ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق إلى الضوء، في مهمة يبدو أنه على وشك إتمامها، وهي الحيلولة دون تشكل حكومة إيطالية من خلال التحالف بين حزبه وبين حركة النجوم الخمسة الشعبوية. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "آيرش تايم" الإيرلندية، إطلالة على احتمالات ومستقبل هذه الأزمة.
حافظ ماتيو رينزي على صمته بشكل واضح في أعقاب الهزيمة الموجعة التي مُنيَ بها حزبه في الانتخابات البرلمانيّة، إذ تغلّب منافسوه من الشعبويّين في آذار/مارس الماضي على الحزب الديمقراطي، يسار الوسط، الذي ينتمي إليه. لكنّ رئيس الوزراء الإيطاليّ السابق عاد إلى دائرة الضوء مجدّدًا هذا الأسبوع، وذلك على الرغم من تنحيه عن رئاسة الحزب الديمقراطيّ بشكل مؤقّت. وتهدف مهمّته، التي يقول المطلّعون على شؤون الحزب إنَّه على وشك إتمامها، إلى الحيلولة دون الوصول إلى الشكل السياسيّ الوحيد المتبقّي الذي يمكنه أن يشكّل الحكومة في إيطاليا عقب ما جري في انتخابات آذار/مارس، التي شهدت نتائج مفاجئة لكل من الحزب الديمقراطي الإيطالي وحركة النجوم الخمسة المناهضة للمؤسّسات.
تتزايد بقوّة فرص إجراء انتخابات إيطالية جديدة لإنهاء المأزق الحاليّ، وهي النتيجة التي يمكن أن تزيد من حالة الغموض والتوتّر
سخر رينزي من الوضع الإيطاليّ في مقابلة تلفزيونيّة قائلًا: "بما أنَّ الكوريّين يتحدّثون.. فأظنّ أنَّ النجوم الخمسة والحزب الديمقراطيّ بإمكانهم التحدّث أيضًا". لكنّه أضاف: "لا يمكن أن أمنح صوتي في تصويت منح الثقة لحكومة دي مايو" مشيرًا إلى لويجي دي مايو زعيمة حركة النجوم الخمسة التي تصدّرت انتخابات آذار/مارس بنسبة 32%.
وفي حين يعقد الحزب الديمقراطيّ اجتماعًا مغلقًا للتصويت رسميًا على إجراء مفاوضات مع النجوم الخمسة، تتزايد بقوّة فرص إجراء انتخابات جديدة لإنهاء المأزق الحاليّ، وهي النتيجة التي يمكن أن تزيد من حالة الغموض والتوتّر في ثالث أكبر اقتصادات منطقة اليورو. وقالت صوفيا فينتورا، أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة بولونيا: "لم تتبقَ سوى بعض الفرص المحدودة للوصول إلى اتفاق". وتابعت أنه "يمكننا الآن أن نقول إنَّ احتمالات إجراء الانتخابات المبكّرة تزداد أكثر فأكثر". ويُذكر أنَّ النجوم الخمسة كانت العدوّ اللّدود للحزب الديمقراطيّ، ولرينزي شخصيًا طوال السنوات الخمس الماضية، واتهمت الحركة الفلورنسيّ الذي يبلغ من العمر 43 عامًا، برئاسة حكومة عاجزة تخدم مصالح الشركات الكبرى والبيروقراطيين الأوروبيين.
اقرأ/ي أيضًا: كل ما تحتاج معرفته عن انتخابات إيطاليا 2018 وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي
ولكن، منذ أن بدأت المشاورات الرسمية بشأن تشكيل حكومة جديدة قبل شهر، فشل دي مايو البالغ من العمر 31 عامًا في التوصل إلى اتفاق مع رابطة اليمين المتطرف، رابطة الشمال سابقًا، وهو الحزب الشعبوي الآخر الذي حقق تقدمًا كبيرًا في الانتخابات. وقد تسبب ذلك في تحويل الانتباه فورًا، إلى إمكانية تشكيل ائتلاف بين حركة النجوم الخمسة والحزب الديمقراطي.
فرصة لتجنب النسيان
يعتقد بعض أعضاء الحزب الديمقراطي أن الموافقة على مثل هذا الاتفاق والبقاء في الحكومة هو طريقهم الوحيد لتفادي السقوط في غياهب التعثر والنسيان مثلما جرى للاشتراكيين الفرنسيين، الذين حصل مرشحهم، بنوا هامون، على 6 % فقط في الانتخابات الرئاسية التي عقدت العام الماضي.
وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي لا يزال ثاني أكبر قوة انتخابية في إيطاليا، إذ حصل على 18.7 % من الأصوات في الانتخابات التي عقدت في شهر آذار/ مارس، فقد تراجعت شعبيته منذ الانتخابات الأوروبية في عام 2014 التي فاز فيها بنسبة 41 في المائة.
تراجعت شعبية الحزب الديمقراطي الإيطالي منذ الانتخابات في عام 2014 بنسبة 41 %
مع بداية هذا الأسبوع، كان احتمال إجراء مفاوضات بين حركة النجوم الخمسة والحزب الديمقراطي حقيقيًا بما يكفي لدفع رينزي للتدخل، وهو ما يُمكن أن يعرقل هذه المفاوضات المحتملة. ويحظى رئيس الوزراء السابق بالكثير من الأتباع بين صفوف أعضاء الحزب الديمقراطي ومجلس النواب ويبدو أن رفضه إجراء أي مساومات مع دي مايو أضفي إلى تذبذب الرأي السائد.
يقول فلافيو أرزاريلو، كبير محللي السياسات في شركة Reti، وهي شركة استشارية متخصصة في الشؤون العامة في روما، "يبدو أن النتيجة قد حُسمت - فقد انتهى الحوار بين حركة النجوم الخمسة والحزب الديمقراطي بالفعل قبل أن يبدأ".
اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟
بينما انتاب الغضب داريو فرانشيسكيني، وزير التراث الثقافي والأنشطة والسياحة، الذي يناصر التفاوض مع حزب حركة النجوم الخمسة. وكتب على تويتر قائلًا: "لقد تحول رينزي إلى مستر نو، شخصية من كتاب هزلي إيطالي، مبتعدًا عن أي نقاش جماعي وناقضًا كل ما حاول حزبه بناءه". كما رد دي مايو بغضب في رسالة فيديو، وقال: "بدلًا من الاعتذار للإيطاليين عن جميع الأضرار التي ألحقتها بهم حكومته، فقد هاجمني رينزي وهاجم حركة النجوم الخمسة، وأغلق الباب أمام أي نوع من التوافق". وبينما اجتمعت قيادة الحزب الديمقراطي يوم الخميس لمناقشة الوضع، كان من المتوقع أن يقوم الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، بخطوته التالية لرعاية تشكيل الحكومة في وقت مُبكر أقصاه يوم الجمعة.
حكومة الوحدة
تتمثل أحد الاحتمالات في منح ماتيو سالفيني، رئيس حزب رابطة الشمال، فرصة لمحاولة تشكيل حكومة بدلًا من ذلك. وهناك احتمال آخر وهو اقتراح تشكيل حكومة وحدة وطنية يقودها تكنوقراط، وهي نتيجة يُمكن للأحزاب الثائرة أن تجد صعوبة في القبول بها. بعد ذلك، سيكون البديل الوحيد المتبقي هو إجراء انتخابات جديدة، ربما في الخريف أو أوائل عام 2019. سيُترك المستثمرون وصناع السياسات للتفكير فيما إذا كان من الأفضل عدم وجود حكومة في إيطاليا أم حكومة بقيادة شعبوية. ولكن بالنسبة لرينزي وحلفائه، لم يكن الاتفاق مع حركة النجوم الخمسة خيارًا مستساغًا، بغض النظر عن البديل.
يحظى ماتيو رينزي بالكثير من الأتباع بين صفوف أعضاء الحزب الديمقراطي ومجلس النواب
وقالت أليسيا موراني، سياسية وعضوة في البرلمان عن الحزب الديمقراطي، ومعارضة لعقد اتفاق مع دي مايو، "نحن حزب يتنمي ليسار الوسط؛ بينما ينتمون لتيار ما بعد الإيديولوجيات وهم لا يتمتعون بالتزام قوي تجاه الإيديولوجيات السياسية أو الاجتماعية. ويريدون إلغاء اليسار. لقد قاموا بتشويه سمعة سياستنا وقادتنا، وهاجمونا بقسوة في وسائل الإعلام". وأضافت: "الفرق بيننا يعتبر تقريبًا فرقًا أنثروبولوجيًا، في طبيعة الإنسان".
اقرأ/ي أيضًا: