في مثل هذه الأيام من العام الماضي، توجه والد الطفلتين "هند وسمر" إلى أحد العطارين بجوار منزله في مركز أطفيح بمحافظة الجيزة في مصر، ليسأله عن وصفة لعلاج مشاكل في فروة رأس كل من طفلتيه. لم يكن الأب يتخيل أن هذه الوصفة لن تقضي فقط على مشاكل فروة الرأس، ولكنها ستكون نهاية حياة الطفلتين، إذ لم تمر سوى 30 دقيقة من استخدام الفتاتين للوصفة حتى أصيبتا بإعياء وتغير في لون البشرة، وما لبثا أن فارقتا الحياة نتيجة تسمم بهذه الأعشاب.
كثيرة هي الأسباب التي تدفع للجوء إلى المعالج بالأعشاب، وقد يكون أبرزها الضعف الشامل في القطاع الصحي والأزمة الاقتصادية
وليست هذه الحالة الأولى، ولا يرجح أن تكون الأخيرة، التي تكون فيها وصفات الأعشاب أداة القتل بيد معالج أو عطار تحت مظلة ما يعرف بـ"الطب الشعبي".
اقرأ/ي أيضًا: الرقاة والعشّابون في الجزائر.. سلطة الخرافة؟
مع الزيادات المستمرة في أسعار الدواء بمصر، خاصة بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري، باتت العطارات هي صيدليات الفقراء، والمعالجون بالأعشاب أطباؤهم. ولا يخلوا الأمر من استنادٍ إلى موروث، لكن حديثه منقطع السند عن قديمه!
وتعدد التعريفات التي تعاطفت مع مفهوم الطب الشعبي أو التقليدي، ومنها تعريف منظمة الصحة العالمية بأنه "مجموعة المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات الأصيلة التي تمتلكها مختلف الثقافات والتي تُستخدم، سواء أمكن تفسيرها أو لا، للحفاظ على الصحة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية، أو تشخيصها، أو علاجها، أو تحسين أحوال المصابين بها".
لم يثني التطور الهائل في مجالات الطب والصحة، شعوب المنطقة العربية، وغيره من شعوب جنوب الكوكب خاصة، عن الالتجاء لطرق التداوي التقليدية، لأسباب متعددة. غير أنه في حالات كثيرة، تتداخل المهارة والمعرفة الموروثة بالجشع والغش.
لماذا زاد الاهتمام بالطب الشعبي؟
كثيرة هي الأسباب التي تدفع بالكثيرين للجوء إلى المعالج بالأعشاب، وقد يكون أبرز سبب هو الضعف الشامل في القطاع الصحي بالبلاد، وارتفاع تكلفة اللجوء إلى المشافي أو العيادات الخاصة، فضلًا عن كلفة الأدوية والعلاجات المصنعة.
يلعب الموروث الثقافي والاجتماعي دوره أيضًا، ويتقاطع مع تفسيرات دينية لبعض النصوص حول الصحة والعلاج. وفي مصر، فإن قطاعًا واسعًا، خاصة من سكان الريف، يعترضون من حيث المبدأ مع الطب الحديث، أو لا يفضلونه على الأقل. وعادة ما ينتشر الاعتماد على الطب الشعبي في المناطق الريفية، أو المناطق الأكثر فقرًا وأقل حظًا من التعليم.
على الجانب الآخر، فإن سوء استخدام الطب الحديث، أو بالأحرى إدارته، إضافة لتفشي الوهم بالمرض بين الناس، بسبب سيل المعلومات، المغلوطة عادة، حول الآثار الجانبية للكيماويات، يدفع بقطاع من الناس إلى تفضيل الحلول الاستشفائية البعيدة عن أي أدوية مصنعة.
ضار أم نافع؟
قد يبدو اتخاذ الطب الشعبي كسبيل للعلاج أكثر إغراءً لكثير من الناس من الطب الدوائي، خاصة مع الترويج له على أنه "إن لم يكن نافعًا فلن يكون ضارًا"، وتحول الأمر في الكثير من الأحيان إلى تجارة مربحة، لعبت وسائل الإعلام دورًا في انتشار "روادها".
غير أن حادثة كسابقة الذكر، تكشف عن أن العلاج بالأعشاب إن لم يكن نافعًا فقد يكون ضارًا حتى الموت. وإن لم تكن الأعشاب ضارة في ذاتها، فيمكن أن تشكل ظروف حفظها وتخزينها سببًا كافيًا لتوثها وتحولها لمواد شديدة الخطورة.
وفي عام 2014، نشرت مجلة علم الأحياء الفطرية، دراسة لباحثين بجامعة "بيشاور" الباكستانية، أجروا خلالها تحليلًا لأكثر من 30 عينة من النباتات الشهيرة المستخدمة في الوصفات الشعبية، وكانت النتائج صادمة لكثير من رواد الطب الشعبي، حيث عثر الباحثون على مركبات سامة وفطريات العفن في 90% من العينات، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على البشر، مثل الإصابة بسرطان الكبد والفشل الكلوي والاضطرابات الإنجابية وضعف جهاز المناعة.
احذر من الاجتهاد!
على الرغم من التقدم الطبي الواضح في مجال تشخيص الأمراض وصناعة الأدوية، إلا أن هناك أمراضًا ما زال الطب الحديث عاجزًا عن علاجها بشكل كامل، أبرزها قد يكون السرطان والأمراض المزمنة مثل السكر وضغط الدم وأمراض القلب، وهذا يستلزم المداومة على استخدام أدوية حديثة باستمرار في كثير من الأوقات، لمجرد السيطرة الحالة في درجة الاستقرار، ومن ثم متابعة التحسن.
وفي ظل انتشار استخدام العلاجات بالأعشاب، وارتفاع الأصوات التي تشجع على هذه الوصفات، وحديث مروجيها من غير المتخصصين عادة، المنتشرين على الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي، حول كفاءتها في علاج الكثير من الأمراض المزمنة، ما يدفع البعض ممن يعانون هذه الأمراض، خصوصًا المتقدمين في العمر ممن استبطأوا التأثير الإيجابي للأدوية الحديثة؛ إلى الاجتهاد واستخدام بعض الوصفات بالتوازي مع الأدوية، دون الرجوع إلى طبيب للتأكد مما إذا كان تداخل هذه الأعشاب مع العلاجات الدوائية قد يضر أم لا.
وجدت دراسة أجريت في 2018 أن تداخل الوصفات الشعبية مع العلاج الدوائي كان سببًا في 60% من الحالات السلبية للمرضى
وفي هذا السياق، حذر مجموعة باحثين من جامعة ستيلينبوش بجنوب أفريقيا، من استخدام الوصفات العشبية والأدوية الكيماوية معًا، وذلك في بحث أجري عام 2018، أثبت أن الكثير من هذه الوصفات تؤثر بالسلب على مفعول الأدوية الكيميائية، وقد يصل الأمر لإحداث تسمم. ومن خلال متابعة تقارير 49 حالة، خلصوا إلى أن الوصفات الشعبية كانت السبب في حوالي 60% من الحالات السلبية.
اقرأ/ي أيضًا: