تنهب مدينة البصرة، الواقعة جنوب العراق، من قبل ميليشيات مسلحة متداخلة من حيث النفوذ مع المفاصل الرسمية للمحافظة على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
تشهد مدينة البصرة تصعيدًا خطيرًا في المواجهات بين العصابات المسلحة نتيجة خلافات على تجارة المخدرات التي أصبحت مركزًا لها
وإذ ترتبط تلك الميليشيات مع أحزاب السلطة العراقية الشيعية بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنها تتماهى مع مسؤولي المحافظة الذين يمثلون تلك الأحزاب وفق نظام المحاصصة الذي يتحكم بالمشهد السياسي العراقي. فشكل الإدارة في البصرة، أقصى جنوب العراق، متشعب، إذ ينتمي محافظ البصرة ماجد النصراوي إلى المجلس الأعلى بزعامة رجل الدين الشاب عمار الحكيم، فيما ينتمي رئيس مجلسها صباح البزوني إلى حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، أما قائد شرطة البصرة فهو من الموالين للتيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، وتمتلك هذه الأحزاب الشيعية الرئيسية أكبر الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي، وهو ما يوسّع نزاعًا خفيًا للسيطرة والنفوذ على العاصمة بغداد ومحافظات الفرات الأوسط والجنوب العراقي.
اقرأ/ي أيضًا: الشرطة العراقية تقمع آلاف المتظاهرين في بغداد
وتشهد مدينة البصرة، التي تعد الشريان الاقتصادي للعراق، حيث تقع على الخليج العربي وتضم الموانئ البحرية الوحيدة للبلاد، تصعيدًا خطيرًا في المواجهات بين العصابات المسلحة نتيجة خلافات على تجارة المخدرات التي أصبحت البصرة ليست منطقة نهمة لاستهلاكها وحسب، بل ومركزًا لتصديرها إلى مختلف دول المنطقة، حيث تعد إيران مصدر تصديرها إلى المدينة، بالإضافة إلى صراع تلك العصابات على تهريب النفط المستخرج من آبار البصرة إلى الموانئ الإيرانية، كما تفرض إتاوات على مقاه ومسارح ومنافذ تبيع مشروبات كحولية، سبق للحكومة المحلية أن منعت الاتجار بها أو تعاطيها، لتسهيل ترويج المخدرات بين شبابها.
وشكل اغتيال الأمين العام لحزب الله العراقي باسم الموسوي تطورًا خطيرًا في صراع عصابات تهريب النفط والمخدرات الذي شهد اغتيال سبعة من قيادات الخط الثاني في تلك العصابات خلال الشهرين الماضيين. فقد استعرت حدة الصراعات في ظل وقوف الأجهزة الأمنية في المحافظة موقف المتفرج دون اتخاذ أي إجراء يحد من تطورها الذي وصل حافة الانفلات الأمني، وجاء ذلك على الرغم مما قاله رئيس لجنة الأمن والدفاع في المحافظة جبار الساعدي، في مؤتمر صحافي، إن "اجتماعًا ضم الحكومة المحلية والمحافظ وقادة الأمن لتشخيص أسباب التردي الأمني"، مشددًا على "ضرورة الإسراع بوضع الخطط اللازمة للخروج من هذا المأزق الأمني".
وتتحدّث مصادر أمنية من البصرة لـ"ألترا صوت" عن استعار الحرب بين الميليشيات الأمر الذي حوّل المدينة إلى الوقوع بين حرب العصابات، وهو ما يؤكده رئيس مجلس المحافظة صباح البزوني بالقول إن "نحو 40 عبوة ناسفة استهدفت البصرة خلال شهر واحد، من دون أن تقدم الشرطة أو الجيش تقريرًا واحدًا عن تلك التفجيرات ومن يقف خلفها".
ويخشى سكّان البصرة من إعادة سيناريو حرب صولة الفرسان عام 2008، التي اندلعت خلالها معارك عنيفة شنتها قوات تابعة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي بمساعدة قوات الاحتلال الأمريكي على التيار الصدري واستمرت عدة أسابيع مخلفة مئات القتلى والجرحى.
وبالرغم من اتهام السكّان لها، سعت الفصائل المسلحة إلى النأي بنفسها عن حرب العصابات التي تستعر في البصرة، وطالبت في مؤتمر صحفي أقيم في مجلس عزاء الموسوي بالكشف بسرعة عن ملابسات الاغتيال ومحاسبة منفذي العملية، وأبدت في بيان تلته خلال المؤتمر الصحفي، استعدادها لفرض الأمن وحماية المواطنين بالمحافظة في حال عجزت الحكومة المحلية والأجهزة الأمنية عن السيطرة على العصابات التي تمارس عمليات الاغتيال وغيرها من الأعمال الإجرامية فيها، والتي كان آخرها حادث اغتيال الموسوي.
وحضر المؤتمر عدد من الفصائل المسلحة التي تمتلك علاقات واسعة بإيران والحرس الثوري منها منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وأنصار الله، والنجباء.
وقد لمّح رئيس مجلس محافظة البصرة صباح البزوني إلى وقوف هذه الفصائل وراء الأحداث الأمنية المتفاقمة في المحافظة، وطالب الأحزاب والكتل السياسية في المحافظة وهيئة الحشد الشعبي بضبط كل من ينتحل صفاتها ويستخدمها لتنفيذ "أغراض خاصة"، فيما لفت إلى أن الأيام القادمة ستشهد اجتماعات أمنية مكثفة لإعداد تقارير مفصلة لواقع الأمن في البصرة تُقدم لرئاسة الوزراء بغية وضع الخطط والحلول المناسبة والمدروسة لهذه القضية.
كشف أعضاء من البرلمان العراقيّ عن امتلاك البرلمان لوثائق تثبت سرقة يوميّة لـ(300) ألف برميل من نفط البصرة
وعانت البصرة، التي تكنّى بـ"ثغر العراق الباسم"، إبان حكم النظام السابق، من ويلات الحروب والإقصاء والتهميش على الرغم من كونها مصدر قرابة 70% من نفط العراق المصدّر إلى الخارج، غير أنّها ومنذ الإطاحة بالنظام السابق من قبل القوات الأمريكية في نيسان/أبريل عام 2003، أصبحت تحت هيمنة مطلقة لإيران وأذرعها من الأحزاب والميليشيات التي عاثت فيها فسادًا وجعلتها مرتعًا للحرب على تجارة النفط والمخدرات.
اقرأ/ي أيضًا: الحكم للمسئوولين وأقاربهم في العراق
ويزداد استهلاك المخدرات عامًا بعد آخر في البصرة، ويتم تسويق المخدرات إلى المناطق الفقيرة وكذلك تنتشر بين طلبة الجامعات، وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، والتي تقول إن تُجّار المخدرات في البصرة معظمهم أصحاب سوابق عملوا مهربين للنفط العراقي إلى إيران، بينما يعمل آخرون حاليًا قادة في المليشيات التي تتنافس على السلطة في المدينة.
وبالتوازي مع تجارة المخدرات، فإن البصرة تشهد تهريب النفط بشكل يومي متواصل، إذ كشف أعضاء من البرلمان العراقيّ، منهم النائب عن التحالف الوطنيّ الحاكم صادق المحنّا، في 15 كانون الثاني/يناير، عن امتلاك البرلمان لوثائق تثبت سرقة يوميّة لـ(300) ألف برميل من نفط البصرة تتمّ عبر عدّادات النفط الملعوب بها من قبل بعض المسؤولين.
وعلى الرغم من جميع البيانات والإحصاءات التي تتحدّث عنها الصحافة عن استنزاف البصرة، إلا أن الحكومة الاتحادية في العراق تظلّ متفرّجة على ما يحصل، وهو ما يجعل الخوف لدى السكّان مضاعفًا من احتمالية نشوب اقتتال شيعي-شيعي على منافذ تهريب المخدرات والنفط، علاوة على المناصب الحكومية التي تتنافس عليها الأحزاب الشيعية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في العراق.
اقرأ/ي أيضًا: