ننقل لكم في السطور التالية، ترجمة بتصرف لتغطية صحيفة الغارديان البريطانية، لهجمات قوات النظام السوري والروسي على مدينة الغوطة الشرقية المحاصرة منذ سنوات، وهي الهجمات التي شبهتها الصحيفة بمجازر شنيعة مثل سربرنيتسا وصبرا وشاتيلا.
قُتل ما لا يقل عن 300 مدني في مئات الغارات الجوية وقصف القوات الموالية لبشار الأسد في الغوطة الشرقية، على مدار أيام من العنف الهستيري، تحديدًا منذ الأحد الماضي، ما أدى لإطلاق تحذيرات من وقوع كارثة إنسانية قد تفوق فظائع المجازر التي عرفتها البشرية خلال عقود ماضية.
قتل ما لا يقل عن 300 سوري منذ بدء هجمات قوات النظام السوري على الغوطة الشرقية، بينهم 71 طفلًا على الأقل
وجاءت موجة القتل في المنطقة المحاصرة وسط أنباء عن توغل قوات النظام الوشيك في المنطقة الواقعة خارج دمشق، والتي تضم 400 ألف مدني. ويُذكر أن أكثر من 700 شخص لقوا مصرعهم خلال ثلاثة أشهر، وفقًا لتقارير محلية، لا تشمل وفيات الهجمات الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. حكايات أمل من الغوطة الشرقية
وقالت منظمة العفو الدولية إن "جرائم حرب صارخة" تُرتكب في الغوطة الشرقية على "نطاق واسع". وقالت ديانا سمعان، وهي باحثة سورية تعمل في منظمة هيومن رايتس ووتش: "لم يعان السوريون حصارًا قاسيًا على مدى السنوات الست الماضية وحسب، بل إنهم مُحاصرون الآن في وابل يومي من الهجمات التي تتعمد قتلهم وتشويههم، والتي تشكل جرائم حرب صارخة".
كما قُصفت سبعة مستشفيات منذ صباح أول أمس الإثنين في الغوطة الشرقية، المنطقة التي كانت في السابق بمثابة سلة الطعام للعاصمة دمشق ولكنها ظلت محاصرة منذ سنوات من قبل حكومة الأسد وتعرضت لهجمات باستخدام الأسلحة الكيميائية المُدمرة. وقد توقف مستشفيان عن إجراء العمليات وتوقف واحد عن العمل نهائيًا.
وقال طبيب في الغوطة الشرقية: "نحن نقف أمام مذبحة القرن الحادي والعشرين. فإذا كانت مجزرة التسعينات هي مذبحة سربرنيتسا والمذابح التي وقعت في الثمانينيات هي الهجوم الكيميائي على حلبجة وصبرا وشاتيلا، فلقد أصبحت الغوطة الشرقية هي مذبحة هذا القرن الآن".
وأضاف الطبيب: "قبل وقت قصير جاء إلي طفل وجهه أزرق، وبالكاد يتنفس، وفمه مليء بالرمال. فقمت بتنظيفه بيدي. أنا لا أعتقد أن ما نقوم به يوجد في أي من الكتب الدراسية الطبية. طفل مصاب يتنفس برئتين ممتلئتين بالرمل. وقد يأتي إليك طفل يبلغ من العمر عامٍ واحد، أنقذوه من تحت الأنقاض، ويتنفس الرمال، ولا تعرف من هو. كل هذه المنظمات الإنسانية والحقوقية، كل هذا هراء. وكذلك الإرهاب. ما يعتبر إرهاب أكبر هو ما ينطوي على قتل المدنيين بجميع أنواع الأسلحة؟". وقال: "هل هذه حرب؟ إنها ليست حربًا. إنها تسمى مجزرة".
وقالت منظمة الدفاع المدني السورية، المعروفة بـ"الخوذ البيضاء"، إنه خلال يوم واحد هو أمس الثلاثاء، قتل 61 شخصًا، في حين أن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مقرًا له، قال إن 194 شخصًا لقوا مصرعهم خلال اليومين الماضيين، الأمر الذي يُعد ثمنًا فادحًا يُجسد العنف المفرط للحرب القائمة في سوريا.
بينما قالت وكالة فرانس برس للأنباء، إن ما لا يقل عن 300 مدني لقوا مصرعهم منذ بدء الهجوم على الغوطة الشرقية الأحد الماضي، بينهم 71 طفلًا على الأقل، وأعداد الضحايا في ازدياد مستمر.
وأدت تدخلات القوى الإقليمية والعالمية بعد سبع سنوات من الحرب إلى زيادة حدة الأزمة الإنسانية، بدلًا من أن تتراجع، في الوقت التي تسعى فيه القوات الموالية لنظام الأسد والداعمين الروس والإيرانيين إلى تحقيق انتصار عسكري صريح بدلًا من التوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية.
شبّه أطباء وحقوقيون الهجمات على الغوطة الشرقية بمجزرتي سربرنيتسا وصبرا وشاتيلا، واصفين ما يحدث هناك بـ"مجزرة القرن 21"
وفي 2013، قتل ما لا يقل عن 1300 سوري في الغوطة الشرقية، جراء هجمات كيميائية نفذتها قوات الأسد، باستخدام غاز السارين المجرم دوليًا. ويعد هذا النوع من الهجمات جريمة حرب، إلا أن عدم اتخاذ المجتمع الدولي لموقف جاد ضد الأسد بعد هذه الهجمات، جعله يتمادى في استخدام السلاح الكيميائي، وارتكاب المجازر بحق الشعب السوري.
اقرأ/ي أيضًا: تحقيق دولي يدين إجرام الأسد.. 33 هجومًا كيميائيًا ضد المدنيين منذ 2011
وقال منير مصطفى، نائب رئيس الخوذ البيضاء، إن "الوضع في الغوطة الشرقية يشبه يوم القيامة". وصرحت المنظمة أن أحد المتطوعين يدعى فراس جمعة، لقى حتفه يوم الإثنين بينما كان يساعد في عمليات الإنقاذ.
وفي جنيف، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بيانًا فارغًا للإعراب عن سخطها إزاء الخسائر التي أصابت الأطفال السوريين، جاء فيه: "لا توجد كلمات يُمكنها أن تنصف الأطفال"، ثم سطور خاوية من الكلمات.
وأعلنت منظمات طبية أن خمس عيادات ومستشفيات على الأقل، بما فيها مركز للولادة، تعرضت للقصف يوم الإثنين، وبعضها تعرض للقصف عدة مرات. وقد قتل طبيب تخدير جراء تلك الهجمات. كما قصف مرفقان آخران أمس الثلاثاء.
وقال الطبيب أحمد الدبيس، مدير برنامج التروما لإقليم الشمال في اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الطبية، الذي يدير عشرات المستشفيات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا: "مَثل ذلك القصف كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة. إذ أدى إلى قتل جماعي لأشخاص لا يملكون أبسط مقومات الحياة".
وقال مارك شنلبايشر المدير الإقليمي لمنظمة "لجنة الإنقاذ الدولية" في الشرق الأوسط: "نشهد مرة أخرى مقتل المدنيين في سوريا بشكلٍ عشوائي. ومرة أخرى نشهد استهداف المرافق الطبية. لقد خشينا لفترة طويلة أن تشهد الغوطة الشرقية تكرارًا للمشاهد الرهيبة التي لاحظها العالم خلال سقوط شرق حلب، ويبدو أن هذه المخاوف لها ما يبررها".
ووصفت سونيا خوش، مديرة منظمة "أنقذوا الأطفال"، في سوريا، الوضع بأنه "عمل وحشي تمامًا"، قائلةً: "كان القصف بلا هوادة، وما زال قتل الأطفال مستمرًا ساعة بعد ساعة. لم يبق لهذه الأسر مكانًا للهروب إليه، فهم محاصرون ويقصفون ليلاً ونهارًا".
وفى مناطق أخرى من سوريا، بدأ أمس الثلاثاء، مقاتلون مؤيدون للحكومة في الدخول الى مدينة عفرين التي تقع ضمن منطقة جبلية شمال غرب سوريا تحت سيطرة الأكراد، والتي تشهد عملية عسكرية لقوات تركية، تعرف بعملية "غصن الزيتون".
دخلت مليشيات النظام السوري مدينة عفرين، ما ينذر بوقوع اشتباكات بينها وبين القوات التركية، تهدد بمزيد من التعقيد للحرب السورية
وقد جاء هذا التصعيد بعد يوم واحد من إعلان تركيا أنها سترد على القوات إذا كان هدفها حماية المقاتلين الأكراد. كما أعلنت وسائل إعلام النظام السوري، أن القوات التركية أطلقت النار على المليشيات الموالية للحكومة، ومن شأن هذا التصعيد أن يهدد بتوسيع نطاق تلك الحرب المعقدة بالفعل.
اقرأ/ي أيضًا:
عملية "غصن الزيتون".. أنقرة تبحث تأمين حدوها بعد إحباطها من واشنطن
"مرحبًا في النسخة الجديدة من سوريا".. تواصل الحرب بصيغة مختلفة