"هو جرى إيه للدنيا! الناس كلها بقت فتوات، أومال مين اللي هينضرب؟" على ما يبدو أن تلك الكلمات التي قالها الفنان توفيق الدقن في أحد أفلام الفتوات المصرية "الشيطان يعظ" ما زالت أشهر الجمل السينمائية التي يتناقلها البعض.
لكنّنا نحاول في هذا التقرير أن نفتح ملف أفلام الفتوات في السينما المصرية الذي يمكننا أن نعتبره جزءًا أساسيًا من التاريخ السينمائي المصري، بل سمة واضحة صنعتها السينما المصرية تحديدًا دون غيرها. نظرًا لاختلافها الكلي عن نظيرها الأساسي شخصية "الكاوبوي" الأمريكي الذي يعتمد على عضلاته أيضًا كما يرى السينمائيون العرب.
بدأ تشكل شخصية الفتوة بالسينما المصرية في خمسينيات القرن الماضي مع فيلم "فتوات الحسينية" للمخرج نيازي مصطفى والكاتب نجيب محفوظ
بدأ تشكيل شخصية الفتوة المصري في السينما المصرية في خمسينات القرن الماضي مع فيلم "فتوات الحسينية" للمخرج نيازي مصطفى والكاتب نجيب محفوظ؛ الذي سيؤدي نجاح هذا الفيلم إلى دفعه للكتابة وفرد مساحات أخرى لتشريح تلك الشخصية مرات أخرى لاحقة، حيث يمكن للفتى القادم من حي الجمالية البسيط إلى السينما أن يحمل معه حكايات مختلفة وأكثر واقعية عن غيره نتيجة معايشته الشخصية لها؛ لينقلها للسينما دون أي اختلاق.
يعتبر البعض أن أبرز نماذج الفتوات في السينما كانت في فترة الثمانينات من القرن الماضي، بالرغم من بداية الحديث عنها في الخمسينات، حيث كانت فترة الثمانينات هي الأكثر تركيزًا ومعالجة لتلك الظاهرة، مع ظهور أفلام "الحرافيش"، و"الشيطان يعظ" و"فتوات بولاق" وغيرهم، بينما ترى مؤلفة كتاب الفتوات في السينما المصرية الناقدة السينمائية ناهد صلاح أن فيلم الجوع يمكن أن نعتبره أهم الأفلام التي استطاعت أن تضع تصور ومعالجة شديدة التعقيد لظاهرة الفتوة.
كما يتفق البعض على اعتبار أفلام مثل "فتوات الجبل" أو "فتوة الناس الغلابة" أو "فتوات درب العسّال" كلها أفلام تناولت الفكرة بشكل سطحي جدًا، أو ربما مأخوذ من تصورات قديمة لأفلام نجيب محفوظ، حيث لم تستطع أن تعالج أو تقدّم جديدًا لتلك الشخصية، بالإضافة إلى فيلم "الفتوة" نفسه لصلاح أبو سيف، كان ضمن موجة الأفلام التي تُباع على اسم الفتوات، والتي لا يمكن أن نعتبرها ضمن أفلام الفتوات من الأساس على حد قول العديد من النقاد.
اقرأ/ي أيضًا: مهرجان سينما فلسطين في باريس.. وجهات نظر حول أفلام 1967
في حوارها مع ألترا صوت قالت الناقدة ناهد صلاح أن تلك الأفلام كانت مجرد استثمار لموجة رابحة أو كاسحة، أو كما وصفها الناقد السينمائي سامي السلاموني أن السينما المصرية تورطت في الاشتباك مع أفلام الفتوات والبلطجية والحرافيش من خلال منتجين اشتروا أعمال نجيب محفوظ دون أن يدركوا مغزاها الحقيقي.
كما أوضحت ناهد أيضًا إنه في مقابل تلك الأفلام التجارية، كان يوجد صانعو أفلام؛ مثل مخرج مدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية آنذاك كمال سليم الذي تضمنت قائمة أفلام الفتوات التي عمل بها على فتوات حقيقيين، بل إنه استطاع أن يستغلهم بحرفية شديدة، أثناء تصوير بعض مشاهد المعارك داخل الفيلم، وهو ما يجب أن نسلّط عليه الضوء جيدًا.
يتفق البعض على اعتبار أفلام مثل فتوات الجبل أو "فتوة الناس الغلابة" أو فتوات درب العسال، كلها أفلام تناولت الفكرة بشكل سطحي جدًا
وعندما سألنا الناقدة الفنية ناهد صلاح عن دور المرأة في أفلام الفتوات قالت:
إن المرأة مثّلت روح الفتوة بصفاته الحقيقية بجانب الفتوات الرجال، أو صورة المرأة في تلك الأفلام التي تدور حول عالم الفتوات. بل إن شخصية المرأة داخل هذه الأفلام لم تسطع أن تخرج عن الصورة التقليدية الواضحة "المهينة" إن جاز لنا التعبير، وذلك بالرغم من أن بعض النماذج التجسيدية في السينما سمحت للمرأة أن تظهر كأنها محركة رئيسية للأحداث، وليست عاملًا مساعدًا في تصاعد وتيرة الأحداث داخل الفيلم.
وتحلل الكاتبة ناهد صلاح شخصية المرأة في أفلام الفتوات على حدة باختلاف أشكالها، حيث قالت إنه على سبيل المثال في فيلم "فتوات بولاق" كانت هى الدافع الأكبر للبطل نور الشريف مبيض النحاس لكي يتحمس ويغامر للفتونة والبطولة، بل كانت أيضًا سبب نهايته المأساوية. وهناك مثال آخر لتجسيد المرأة في فيلم "المطارد" للمخرج سمير سيف كانت هي السبب الأساسي في شقاء زوجها طوال الفيلم.
الجزء الأول من حوارنا مع الناقدة الفنية ناهد صلاح
بينما تفرّق الكاتبة بوضوح بين ظاهرة الفتوة في السينما المصرية وبين ظاهرة "البلطجي"، فالفتوة كما تروي رجل يشتهر بالشجاعة "والجدعنة" يدافع عن الضعفاء ويحميهم، بينما البلطجي يختلف عن الفتوة، في أنه لا يمتلك صفات النبل والخير، فهو يقتل ويصارع من أجل مصالح شخصية. بالتالي فهم على طرفي نقيض بالرغم من أن وجودهم يرجع إلى نفس الأسباب التي ذكرناها من غياب السلطة الحاكمة وغيرها.
أيضًا ذكرت صحيفة الأهرام للكاتب جمال الغيطاني في أحد تصريحاته ما يدلل على ذلك حيث قال "إن القاسم المشترك بين فتوات نجيب محفوظ والبلطجة حاليًا هو ضعف الدولة وغياب الشرطة، كان سلاح الفتوة هو العصا والنّبوت والقوة الجسدية الهائلة، ولكنه لم يسرق ولم يخطف أبدًا، أما البلطجية حاليًا فهم خليط من المسجلين خطر والهاربين من السجون".
كان سلاح الفتوة هو العصا والنّبوت والقوة الجسدية الهائلة، ولكنه لم يسرق ولم يخطف أبدًا
هناك كلمات قيلت على لسان محمود ياسين في فيلم الحرافيش تلخص حال قصص أفلام "الفتوات" بشكل شبه كامل، حيث يقول: "الحق مات والعدل مات لما مات عاشور الناجي (الفتوة)، ياما خد بالعدل من الأغنياء وادّى للفقراء" وينتهي بأن "يا ويلكوا من اللي هتعيشوا فيه يا حرافيش حارتنا" بحيث تجد تحذيرًا أو خطرًا واضحًا مع غياب الفتوة الذي يمثّل الحل أو العدل بشكل أو بآخر.
الجزء الثاني من حوارنا مع الناقدة الفنية ناهد صلاح
وإجمالًا تعتقد الناقدة الفنية ناهد صلاح أن الظرف التاريخي كان يوفر كل العناصر في هذه المرحلة لظهور شخصية الفتوة التي تعوّض غياب السلطة من قبل الدولة، لذلك بدأت هذه الظاهرة تختفي ببطء مع ظهور أقسام البوليس والشرطة التي استطاعت أن تخلق جانب موازٍ لتحقيق العدالة، التي أدّى غيابها إلى ظهور عالم الفتوات في غالبية الوطن العربي ليس مصر فقط، حيث كان بالتوازي مع الفتوة في مصر تظهر تلك الظاهرة في الشام تحت مسمى "أباضاي" وتقوم مهمته نفس مهمة الفتوة في مصر مع اختلاف المسمى فقط.
اقرأ/ي أيضًا: