01-سبتمبر-2024
محمود عباس

(Getty) وصفت المجلة محمود عباس بالقائد الاستبدادي

سلّط تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الضوء على الفرص التي ضيعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وآخرها اتفاق الفصائل في بكين الذي تعامل معه باستخفافٍ وإهمال، الأمر الذي يجعل الكفة تميل لإسرائيل بشكلٍ دائم. ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك عندما يصف الرئيس الفلسطيني بأنه قائد: "استبدادي ساوم إسرائيل والولايات المتحدة على حساب القضية الفلسطينية، ولم يتحداهما إلا لمصلحته الشخصية، وفشل في توحيد الفصائل الفلسطينية"، وقد أسهم ذلك على نحوٍ سلبي وخطير في الحرب الحالية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة.

وفي محاولةٍ لتحليل سلوك محمود عباس السياسي، يرى مقال "فورين أفيرز" أنّ عبّاس أصبح قائدًا: "متقلبًا واستبداديًا وشكّاكًا، يرى أعداء له حيث لا يوجدون، خصوصًا بعد إخفاقاته السياسية"، وهي إخفاقات يرى تحليل المجلة الأميركية أنّ بعضها يعود إلى عوامل خارج سيطرته مثل التدخلات الإسرائيلية والأميركية والضغوط الدولية، ولكنه يتحمل مسؤولية العديد من الإخفاقات المؤثرة في مصير الفلسطينيين، وخاصّةً: "فشله في توحيد الفصائل الفلسطينية ومشاركتها السلطة، وعدم استغلاله كون فلسطين مراقبًا غير عضو في الأمم المتحدة لتحقيق تغييرات ملموسة في واقع الفلسطينيين وعلى الصعيد الدولي".

ولا أدلّ على ذلك، حسب المجلة، من تجاهله للاجتماع الذي عقدته الفصائل الفلسطينية في أواخر تموز/يوليو 2024 في بكين، الذي نتج عنه إعلان بكين الهادف إلى تشكيل حكومةٍ تدير كلًّا من غزة والضفة الغربية، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيعها، وإجراء انتخابات وطنية.

يعكس تعامل عباس مع إعلان بكين نهجين مستمرين في قيادته التي دامت نحو 20 عامًا، وهما: البعد عن مطالب شعبه، وإصراره على رفض اتباع استراتيجيات تفضي إلى تحرير فلسطين

وبحسب التقرير، فإن عباس: "أعرض عن إعلان بكين بغرور ولم يلتفت إليه، بل أرسل من ينوب عنه رغم حضور قادة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل أخرى"، وهذا تصرفٌ غير مبرر، خصوصًا في ظل الحرب الحالية على غزة والأزمة الإنسانية المتفاقمة حسب القراءة التحليلية.

ويعكس تعامل عباس مع إعلان بكين نهجين مستمرين في قيادته التي دامت نحو 20 عامًا، وهما: البعد عن مطالب شعبه، وإصراره على رفض اتباع استراتيجياتٍ تفضي إلى تحرير فلسطين.

وكان قد تم التوقيع في بكين على اتفاقٍ للوحدة الوطنية من طرف 14 فصيلًا وحركةً فلسطينية هي: فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب مشاركة الجبهة الشعبية - القيادة العامة، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، وطلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة).

وبحسب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فإن الفصائل الفلسطينية الموقعة اتفقت على ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، واعتبر وانغ أنّ: "أهم نقطة هي الاتفاق على تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة حول إدارة غزة بعد الحرب".

وفي تعليقه على المصالحة، قال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، إن الحركة وقّعت مع الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، اتفاقيةً "للوحدة الوطنية" خلال اجتماع في الصين، مضيفًا أنّ: "الطريق من أجل استكمال هذا المشوار هو الوحدة الوطنية. نحن نتمسك بالوحدة الوطنية وندعو لها".

وأوضح أبو مرزوق في تصريح لوكالة "الأناضول" أنّ الجديد الذي خرج به الاجتماع هو: "اتفاق الفصائل على آليةٍ جماعية لتنفيذ بنود إعلان بكين من كافة جوانبه، باعتبار الأمناء العامين نقطة انطلاق الفصائل الفلسطينية، وقد تقرر وضع أجندة زمنية لتطبيق الاتفاق".

بدوره، اعتبر عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، حسام بدران، أن: "أهم نقاط الاتفاق كانت على تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني تدير شؤون شعبنا في غزة والضفة، وتشرف على إعادة الإعمار، وتهيئ الظروف للانتخابات، وهذا كان موقف حماس الذي دعت إليه وعرضته منذ الأسابيع الأولى للمعركة".

أما الأمين العام لحركة "المبادرة الوطنية الفلسطينية" مصطفى البرغوثي، أحد الموقعين على الاتفاق، فقال هو الآخر في تصريحٍ لوكالة "الأناضول، إن: "الفصائل ستبدأ وبشكلٍ فوري تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية بخطوات عملية"، معربًا عن: "التفاؤل بنتائج اتفاق بكين للمصالحة الفلسطينية".

وأضاف: "سيبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبشكل فوري مشاورات مع كافة الفصائل لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة من شأنها معالجة آثار الانقسام والخروج بالقضية الفلسطينية من مأزقها جرّاء استمرار العدوان الإسرائيلي على شعبنا وخصوصًا حرب الإبادة في قطاع غزة".

لكنّ حركة الجهاد الإسلامي قالت، في تصريح على لسان عضو مكتبها السياسي إحسان عطايا، إن ما ورد في البيان الختامي للحوار الفلسطيني في الصين الذي تم تسريبه إلى الإعلام "غير دقيق"، موضحًا أن حركته رفضت أي صيغة تتضمن الاعتراف بإسرائيل صراحةً أو ضمنًا، مضيفًا أن حركة الجهاد الإسلامي: "لم توافق على إدراج صيغةٍ تنصّ على القرارات الدولية التي تؤدي إلى الاعتراف بشرعية كيان الاحتلال الغاصب، وطالبت بسحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل". وطالبت "الجهاد"، وفق تصريح عطايا، بتشكيل لجنة طوارئ أو حكومة طوارئ لإدارة المعركة في مواجهة الإبادة الجماعية ومخططات تصفية القضية الفلسطينية.

أكثر قرارات عباس تأثيرًا كان إلغاء الانتخابات الفلسطينية في 2021 رغم الحماسة الشعبية لإحياء السياسة الفلسطينية

وكانت الفصائل الفلسطينية قد أشارت، في بيان سبق الإعلان الرسمي، إلى أن من مهام حكومة الوفاق البدء بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافةً في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد.

وأكدت الفصائل تفعيل وانتظام "الإطار القيادي المؤقت الموحد"، للشراكة في صنع القرار السياسي، وفقًا لما اتُّفق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في 4 أيار/مايو 2011، حتى يُشكّل المجلس الوطني الجديد وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل: "تعميق الشراكة السياسية في تحمّل المسؤولية الوطنية، ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية".

جملة من الانتكاسات:

واجه محمود عباس، حسب "فورين أفيرز"، جملة انتكاسات خلال ولايته، منها فشله في ردع حروب إسرائيل على غزة، ومنها حرب 2008 وحرب 2014، على الرغم من مساومته المتكررة للقيادات الأميركية والإسرائيلية، و"قمعه" لأي قوى معارضة تحاول تقديم حلول لهذه الأزمات.

ومثلت الانتخابات الوطنية عام 2006، أحد أكبر الإخفاقات، إذ كان فوز "حماس" ضربةً قوية لهيمنة فتح التي استمرت طوال 4 عقود. وكان، عباس يأمل دائمًا، حسب فورين أفيرز، في "ترويض حماس سياسيًا" لجعلها أكثر "اعتدالًا"، ولكن الولايات المتحدة وإسرائيل رفضتا التعامل معها ووصفتاها بالمنظمة الإرهابية.

وبالمحصلة لم ينجح عباس في إدارة الموقف وهَجَر قضية غزة أمام الضغط الإسرائيلي والأميركي، وحجبت إسرائيل العائدات الضريبية عن السلطة الفلسطينية، بينما فرضت الولايات المتحدة حصارًا دوليا على حكومة "حماس"، وأدى ذلك إلى تدهور الاقتصاد الفلسطيني ودفع السلطة الفلسطينية إلى حافة الانهيار.

واعتبر مقال فورين أفيرز أنّ أكثر قرارات عباس تأثيرًا كان إلغاء الانتخابات الفلسطينية في 2021، وهي الأولى منذ 15 عامًا، رغم الحماسة الشعبية لإحياء السياسة الفلسطينية، وكان من الممكن أن تنهي الانتخابات عزلة حماس وتجعلها جزءًا من السياسة الرسمية، وهو أمر كان من شأنه أن يمنع الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر حسب مقال "فورين أفيرز".