لا يمكن فصل العمل السياسي عن تصوير فيلم والتقاط صورة في عالم آي واي واي (Ai Weiwei)، الفنان والناشط السياسي المعماري والمخرج السينمائي الصيني، وأحد أهم منتقديّ الحكومة الصينية.
يعرف آي واي واي تمامًا ماذا يعني أن تعيش في هذا العالم من غير صوت، من غير مكان إقامة!
آي واي واي عرّاب الفن الطليعي الصيني، وأحد أشهر الفنانين المعاصرين متعدديّ الاتجاهات الفنية. قائمة التعريف بنشاطات الفنان السياسية والفنية تطول ولا تتوقف عند حدود الفن، بل تتعدى ذلك إلى تشريح الحياة اليومية وربطها بالمواقف السياسية، في ظل ما نشهده من أعمال عنف تطغى على مناطق واسعة من العالم.
اقرأ/ي أيضًا: رحيل الفنان كمال بُلاطة.. ذاكرة القدس الملوّنة
يعمل صاحب فيلم Human Flow على الفن من خلال المفهوم، يصور الفكرة الإنسانية المحملة بالكثير من المواقف المتمردة، يضع نفسه على الدوام في مواجهة السلطة بكل أشكالها، سواء كانت تلك السلطة صينية أم أوروبية.
يعرف تمامًا ماذا يعني أن تعيش في هذا العالم من غير صوت، من غير مكان إقامة، أن تكون غريب في أيّ مكان تحلّ به، لذلك يصنع من غربته الدائمة بعد خروجه من الصين موادًا فنية محملة بالمواقف الإنسانية.
المقاومة من خلال الرفض الدائم
يجمع آي واي واي أغراض معارضه متعددة الشكل من أماكن غير مألوفة للمنطق السائد، كان أحد معارض التجهيز الفني التي أقامها في ألمانيا مؤلفًا من مجموعة من الألبسة التابعة لمهاجرين وصلوا إلى اليونان، وقرّروا متابعة رحلتهم إلى شمال أوروبا من دون الأغراض الشخصية. الصورة الفوتوغرافية تحضر على الدوام في إنتاج الفنان، سواء كان عمله على الصورة أم على تكوين المشهد بشكل عام. هو المولع بالتصوير صار اليوم في تمرده صورةً عن إنسان القرن الواحد والعشرين المطرود من مكانه، ومن كل مكان لا يشبهه ولا يمكنه أن يؤثر فيه.
هذا أخر ما قرّره واي واي بالعلاقة مع منفاه الذي حسب بأنه سيكون دائمًا في العاصمة الألمانية برلين. صرّح منذ أيام بأنه سيترك برلين وألمانيا لأنها ليست مجتمعًا مفتوحًا، بل هي مجتمع يريد أن يكون منفتحًا، لكنه قبل كل شيء يحمي نفسه. مضيفًا: إنّ الثقافة الألمانية قوية لدرجة أنها ترفض الاختلاف والتنوع، ولا تقبل الأفكار المختلفة والتحاور مع الآخر.
يعيش واي واي في برلين منذ عام 2015 بعد أن غادر الصين، ويخطّط اليوم لمغادرة ألمانيا لأنها بحسب قوله غير متسامحة مع الآخر وغير منفتحة. قال ذلك التصريح في مقابلة له مع صحيفة فيلت الألمانية اليومية، معتبرًا أن ألمانيا ليست مكانًا مثاليًا لعيش الغريب والمختلف، ويخبر الفنان الصحيفة بأنه تعرض للكثير من المواقف العنصرية، مثل حادثة طرده من سيارة أجرة، وعندما قام بإخبار الشرطة جاءه الرد بأنها اختلافات ثقافية وليست جرائم عنصرية. وأضاف: "بذلك يبدو لي أن كل ما تقوم به الحكومة الصينية من انتهاكات لحقوق الإنسان ما هي إلاّ مواقف ثقافية ولا تمت للجرائم بصلة". مستغلًا تلك المناسبة، أدان واي واي سكوت المؤسسات الألمانية عن انتهاكات الصين المستمرة لحقوق الإنسان.
يعبّر واي واي عن رفضه للسلطة من خلال أنواع فنية كثيرة، فعلاقته مع الفنون أكثر حرية من أن يحددها النوع
عبّر المخرج الصيني في وقتٍ سابق عن تخوفه من المزاج اليمني المتطرف في أوروبا، الذي يعكس صورة المناخ السياسي والاجتماعي في ثلاثينيات القرن الفائت في معظم أوروبا. "إنّ الملصقات الإعلانية المنتشرة في الشوارع والتي تحرض على إلغاء الآخر ورفض الغريب من شأنها أن تعيدنا إلى تلك الأجواء".
اقرأ/ي أيضًا: 5 من روّاد التشكيل في مصر
ترك آي واي واي الصين في وقتٍ سابق متجهًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة التصميم في نيويورك، وبعد عودته نشر كتاب تحت عنوان The Black Cover Book (1994). كان عمله هذا شبيهًا بتجميع أعمال فنية وتصاميم للكثير من المصممين والفنانين العالميين من أمثال مارسيل دو شامب وجيف كونز، وترجمة لمقالات ومنشورات فنية عالمية إلى اللغة الصينية، كذلك يحوي الكتاب الكثير من الكتابات الفنية الحديثة والمعاصرة ذات التوجه السياسي. تأتي فائدة الكتاب نظرًا للوضع الأمني في الصين والافتقار لمثل تلك المراجع وسط منع وصول الكتب الأجنبية إلى هناك أواخر التسعينيات.
مواقفه السياسية بين السخرية وقلة الثقة
يعبّر واي واي عن رفضه للسلطة من خلال أنواع فنية كثيرة، فعلاقته مع الفنون أكثر حرية من أن يحددها النوع، عندما يرى بأن فكرته تحتاج للحنٍ موسيقي لكي تصل يقرر أن يغني، وعندما يرى بأن فكرته أكبر من كلمات وتحتاج لصورة متحركة يقوم بتصوير فيلم، وعن أفكار أخرى يلتقط صور فوتوغرافية ويؤسس لمعارض تجهيز ونحت.
ألبومه الموسيقي الأول كان في الذكرى السنوية الثانية لخروجه من السجن في الصين، ولكن السجن لم يخرج منه، لذلك صور وقائع كوميدية أظهر من خلالها عنف السلطة ومدى تسلطها وجبروتها، حتى جعل من الحراس والعسكر وفضاء السجن مكانًا لكوميديا المواقف، وأظهر الشخصيات العسكرية بقوالبٍ نمطية مضحكة في فيديو كليت ساخر من ألبومه التي يحمل عنوان الكوميديا الإلهية.
أثار آي واي واي ضجة إعلامية بسبب إعلانه عن مقاطعة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في الصين، في عام 2008، بسبب مواقف الحكومة وتعتيمها الإعلامي على الكثير من الأمور المخزية، كما أسماها، بالإضافة لعرض موقفه في جريدة الجارديان البريطانية من الدعاية السياسية التي تحملها إقامة الأولمبياد وفائدتها على الحكومة الصينية ذات الحزب الواحد على حد تعبيره وقتها. على الرغم من كونه ساهم كمستشار فني إلى جانب المصممين السويسريين هيرزوغ ودي ميرون في بناء ملعب بكين الوطني من أجل تلك المناسبة. وصرح في ذلك الوقت بوقوفه ضد كل فنان أقواله لا تتناسب مع أفعاله، وكل فنان لا يدين ممارسات السلطة في أي مكان من العالم. ليعود منذ أيام إلى المنبر ذاته، جريدة الجارديانليعبّر عن قلة ثقته باستجابة بريطانيا إلى مطالب الحملة الصينية التي دعتها للتدخل من أجل حماية الحقوق والحريات، وأبدى قلقه من موقف بريطانيا غير المكترث مما يجري في هونغ كونغ، كما إنّه صرح بأقوال تعبّر عن يأسه من المواقف الدولية التي لا تهتم بأعمال قمع وتعنيف للمحتجين في أي بقعة من العالم.
يدين واي واي بريطانيا والعالم على سكوتهم عن العنف في هونغ كونغ بعد أن قام النشطاء المؤيدون للديمقراطية في جزيرة هونغ كونغ بإطلاق حملة إعلانية رقمية تهدف إلى حثّ المملكة المتحدة على اتخاذ إجراءات لحماية الحقوق والحريات في هونغ كونغ، المستعمرة البريطانية قديمًا، وهذا بعد أن بدأت الحكومة الصينية بحملة عنيفة ضد الاحتجاجات التي كانت في البداية مقترحات لتسليم المجرمين إلى الصين واتسعت للمطالبة على نطاق أوسع بالإصلاحات الديمقراطية.
يعمل آي واي واي من خلال الفن على إزعاج كل أشكال الهيمنة، من أجل تدميرها والحفر عميقًا في الذهنية البشرية
اقرأ/ي أيضًا: معرض تمارا السامرائي.. الأشياء الغائبة في لحظات عبورها
يعمل آي واي واي من خلال الفن على إزعاج كل شكل من أشكال الهيمنة، من أجل تدميرها والحفر عميقًا في الذهنية البشرية من أجل التفكير بمساحات الحرية التي يوفرها التمرد. من خلال سعة اطلاعه وتنقله وتجربة السجن إلى جانب تجارب أخرى فنية وحياتية، يعتبر موقفه المتبني لحكاية المهمش والمضطهد مفهومه الأساسي للعمل الفني، فلا يخلو معرض تجهيز أو معرض صور فوتوغرافية من تفاصيل الحياة اليومية والمدمجة مع تفاصيل أخرى أصيلة من أمكنة مختلفة، لمحاولة التأكيد على أهمية الإرث التاريخي للشعوب الذي تحاول السلطات المهيمنة سحقه على الدوام، واللعب من خلال ذلك الإرث على خلق أشكال فنية متمردة تدفع باتجاه التفكير.
اقرأ/ي أيضًا: