في أحد مشاهد مسلسل "الزند: ذئب العاصي"، وتحديدًا في الحلقة 19، هناك مشهد يتم خلاله اعتقال بطل العمل الملقب بالزند، والذي يؤدي دوره الممثل السوري تيم حسن. يتم الاعتقال من قبل ثلاثة عساكر وجره مكبلًا إلى مبنى الحكمدارية. وكذلك يتبعه صديقه صالح للتأكد من عدم تعرضه لأي كمين. وإبان الدخول في إحدى الأسواق الشعبية في مدينة حمص، يرجو الزند من العسكريين أن يمنحوه دقيقة لشرب الماء، ومن ثم يرجوهم إشعال سيجارة في إحدى الأزقة الخلفية كي لا يراهم أحد. يوافق العسكريون على طلبه فيدخلون إحدى الأزقة المغلقة. يشعل الزند سيكارته التي لفها له زميله صالح.
هنا يبدأ الزند رحلة استجواب لطيفة للعسكريين، فيسأل كل عسكري عن حياته الخاصة وأحلامه وطموحاته. يسأل ويجيب بنفسه كأنه بصارة تتنبأ بالمستقبل أو لكأنه عالم نفس قادر على الغوص إلى داخل النفوس ومعرفة ما فيها من رغبات. يكتفي زميله صالح بالابتسام والتعجب. والكاميرا تدور بين العسكريين وزميله بسرعة فيما تعود لتستقر على وجه الزند الذي يمسك بالحوار دون أن يفلته أو يعطي فرصة لغيره من الممثلين بالرد على مقولاته.
ليس صحيحًا من الناحية الإخراجية أن تظل الكاميرا مثبتة على البطل، لأن هذه المبالغة في التركيز على البطل تهمل الجوانب الأخرى والشخصيات الأخرى في المشهد
ومع العلم أن موازين القوة هنا هي لصالح العسكريين الثلاثة وليس لصالح الزند المكبل، لصالح رموز القانون وليس لصالح الخارجين عن القانون! وبذلك آلية التعامل العلائقي بين الزند وزميله من جهة، وبين العسكريين الثلاثة، كان لا بد لها من أن تختلف تبعًا لاختلاف موازين القوة، فالعلاقات بين الشخصيات تبنى بحسب الموقف وطبيعته وتبعًا لنوع الرابطة التي تربط الشخصيات ببعضها، وتبعًا لاختلاف الأطراف الأخرى ضمن علاقة محددة داخل إطار مشهد ما.
تنقل الزند تاليًا إلى محاولة رشوة العسكريين عارضًا عليهم مد أيديهم إلى جيبته للحصول على أكياس من الذهب لقاء إطلاق سراحه، لكن العسكري المسؤول يرفض الرشوة، فينتقل الزند بعد ذلك إلى تهديد العساكر واعدًا بالتنكيل بهم وبعائلاتهم في حال لم يطلقوا سراحه. وهذا ما يناله الزند في نهاية المطاف. المشهد الممتد قرابة 6 دقائق طغى عليه مونولوغ طويل للزند، فيما زميله صالح والعسكريين الثلاثة اقتصر حضورهم على أقل من جملتين وكلمات متفرقة لا غير، وبعض حركات اليدين والشفتين.
لم يكن هذا المشهد مقنعًا، وليس بسبب أداء تيم حسن، على العكس أداؤه أكثر من جيد (والمسلسل ممتع وجميل ومشغول جيدًا)، لكن هذا المشهد برمته "زحط" إخراجيًا وفشل في الإقناع منذ اللحظة التي قرر فيها مخرج العمل سامر البرقاوي استسهال المسألة عبر الإتيان بثلاثة أصنام وإعطائهم أدوار ثلاثة عسكريين، دون أن يتضمن حضورهم أي مشاركة أو تفاعل أو حوار. يعني لو قام المخرج باستبدال العسكريين بثلاثة دمى من البلاستيك لحصلنا على مشهد كوميدي لذيذ أو مشهد ساخر.
لكن المخرج ارتأى الإتيان بثلاثة عسكريين، وأتى بالبطل، وقام بوضعهم في مشهد واحد مقابل بعضهم البعض، ثم صوب الكاميرا والحوار للبطل وأهمل العسكريين الثلاثة الذين اقتصر دورهم على هز رؤوسهم وتحريك شفافهم، وحصر وجود صالح زميل الزند بالابتسام فقط مع كل جملة يلقيها البطل على مسمع العسكريين. ولكن ما النتيجة؟ مشهد معدوم الأنسنة، بمعنى افتقار الحياة والروح من شخصيات العسكريين الثلاثة الذين يؤدي أدوارهم كومبارس، مما أفقد المشهد جماليته وقدرته على الإقناع، وبدت المسألة أشبه ما تكون بصناعة مخصصة للبطل السوبرمان.
فليس صحيحًا من الناحية الإخراجية أن تظل الكاميرا مثبتة على البطل، لأن هذه المبالغة في التركيز على البطل أهملت الجوانب الأخرى والشخصيات الأخرى في المشهد، وأثرت على صدقية هذا المشهد وأفسدت أداء تيم حسن بدل أن تخدمه وتدعمه. وليس صحيحًا من الناحية الإخراجية الإفراط في هذا الكم من التركيز على البطل وإعطاءه مساحة على حساب باقي الشخصيات وعلى حساب المشهد ككل والعمل الفني بأكمله! سينما البطل الوحيد تبدو مقززة ومنفرة لأنها تقوم على علاقات غير متوازنة سواء داخل التصوير أم خارجه، وهي في صلبها علاقات تزلف ومحاباة للأبطال المشهورين في مقابل علاقات نأي ودونية واستبعاد للكومبارس أو الممثلين الثانويين، الأقل شهرة والأقل حظًا والأقل دورًا.
الهدف الأساسي للكومبارس هو أن يجعل مناخ القصة طبيعيًا، كباقي العناصر الأخرى في العمل السينمائي أو العمل التلفزيوني. فإن لم يتم تحقيق هذه النتيجة نكون أمام قصور في المشهد
إخراج المشهد النهائي بهذا الشكل مؤذي للمشهد نفسه وللمتلقي وللعين ويفتقر إلى الواقعية. العسكريين الثلاثة، والكومبارس بشكل عام، يجب أن يكونوا مقنعين. إنهم جزء لا يتجزأ من العمل. إنهم في صلب العمل. فصناعة السينما إن لم تكن تبحث في التفاصيل، فعن ماذا تبحث! تفاصيل التفاصيل هي ما يصنع السينما الجميلة.
والمخرج يجب أن يولي اهتمامًا خاصًا للكومبارس في عمله الفني، ونحن هنا في حالة المشهد أعلاه إنما نتحدث عن ثلاثة من الكومبارس الذين شاركوا في مشهد لمدة ست دقائق، وليس فقط عن كومبارس مروا مرور الكرام في لقطة لثانية واحدة. هؤلاء العسكريون كان من الأجدى أن يكونوا بشريين، طبيعيين، من لحم ودم، أن نشعر بما يشعرون به، أن يردوا على البطل الزند بكلام وبحوار ولو كان حوارًا ضئيلًا ومحدودًا، مما يعني أنه يجب أن يكونوا حاضرين كممثلين وليس كأصنام. حضورهم يجب أن يكون من ضمن التوليفة الكلية للعمل والتركيب الكلي للمشهد، وهذا الحضور يجبر أن يخبر شيئًا.
ما دام الديكور والأزياء والإضاءة وغيرها من العناصر لديها شيء ما لتقوله للمتلقي، فلماذا يتم استسهال ما يجب أن يخبره الكومبارس في العمل، علمًا أن أهمية الكومبارس ربما تكون أكبر من باقي العناصر، وذلك لأن تركيبات العناصر الأخرى كالإضاءة والأزياءة قد تكون غير مدركة للعين بنسبة عالية وأقل حضورًا وملاحظة من قبل المتلقي، بينما حضور الكومبارس يحمل علاقات إنسانية ما مع باقي الممثلين وأبطال العمل.
بالمجمل، الهدف الأساسي للكومبارس، أن يجعل مناخ القصة طبيعيًا، كباقي العناصر الأخرى في العمل السينمائي أو العمل التلفزيوني. فإن لم يتم تحقيق هذه النتيجة، أي المناخ الطبيعي والجو العام المناسب، نكون أمام قصور في المشهد ناتج عن سوء توظيف وإدارة من قبل المخرج أو بفعل استسهال أو إهمال لهذا العنصر أو غيره من العناصر.