شهدت المنطقة العربية تقاربًا هو الأكبر مع إسرائيل منذ سنوات، نتج عنه "اتفاقيات أبراهام" للتطبيع بين البحرين والإمارات والمغرب والسودان ودولة الاحتلال، ومع تنصيب حكومة إسرائيلية جديدة قبل أيام تحدثت عن نيتها توسيع دائرة التطبيع، إلّا أنّ أرقام المؤشر العربي 2022 الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم الثلاثاء، تشير إلى أن الواقع العربي بعيد عن التوجه نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، وأن الرأي العام العربي ما يزال يرى في إسرائيل الخطر الأمني الأكبر ويرفض التطبيع معها بصفتها دولة استعمار وتوسع.
أرقام المؤشر العربي 2022 الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة سياسات تشير إلى أن الواقع العربي بعيد عن التوجه نحو التطبيع مع دولة الاحتلال
الاستطلاع الذي عقد في 14 بلدًا عربيًا على امتداد الفترة ما بين حزيران/ يونيو وتشرين ثاني/ نوفمبر، اعتبر 84% من المشاركين فيه أن سياسات إسرائيل تهّدد أمن المنطقة واستقرارها، في نسبة تظهر توافقًا وشبه إجماع عربي على رفض دولة الاحتلال. كما يوافق 59% من الرأي العامّ العربيّ على أنّ إسرائيل والولايات المتّحدة هما الدولتان الأكثر تهديدًا لأمن الوطن العربيّ.
فلسطين قضية العرب
المؤشر الذي جمعت معظم بياناته قبل بطولة كأس العالم قطر 2022 والتي أظهرت إيمانًا واسعًا بالقضية الفلسطينية، ما يخالف معظم الآراء حول فك الارتباط العربي بقضية فلسطين، وأشار المؤشر العربي إلى أن ما نسبته 76% من المشاركات والمشاركين في الاستطلاع عبروا عن أن "القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعًا، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم". مما يظهر أن المجتمعات العربية ما تزال تعتبر فلسطين قضيتها وقضية العرب جميعًا. وكان الرأي العامّ الأردني، والجزائري، والموريتاني هو الأعلى على صعيد اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية جميع العرب.
كما ينعكس هذا التصور، في تقييم سياسات بعض القوى الدولية والإقليمية تجاه فلسطين، إذ إن أكثرية الرأي العام تنظر بسلبية إلى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران وفرنسا تجاه فلسطين. بينما انقسم الرأي العام العربي في تقييم السياسات التركية تجاه فلسطين بين من قيّموها سلبيًّا وبنسبة 41%، ومن قيّموها إيجابيًّا، وبنسبة 43%.
ويكاد الرأي العام الفلسطيني يجمع على سلبية السياسات الأمريكية تجاه فلسطين، بنسبة 92%. وتتقارب النسب في كافة الأقاليم العربية، فيما جاء المشرق العربي ضمن أكثر الأقاليم تقييمًا للسياسة الأمريكية تجاه فلسطين بشكلٍ سلبي.
العرب: لا كبيرة للتطبيع مع إسرائيل
ورغم اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل والاعتراف بها، إلّا أنّ 84% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل، بحسب المؤشر العربي. وحول أسباب رفض الاعتراف بإسرائيل جاءت معظم الإجابات مرتبطةً بطبيعتها الاستعمارية والاستيطانية في فلسطين، والعنصرية مثل الحديث عن أنها كيان يتعامل مع العرب بعنصرية وكراهية، والتوسعية أي أنها تهدد أمن المنطقة أو تسعى للتوسع.
وتُظهر النتائج أنّ آراء المواطنين الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل لا تنطلق من مواقف ثقافية أو دينية حيث اعتبر 5.1% فقط أنهم يعارضون إسرائيل لأسباب دينية. كما أن الرأي العام العربي وبحسب تصنيف الأقاليم المنطقة العربية يجمع وبنسب متقاربة على رفض الاعتراف بإسرائيل.
وبحسب تقسيم البلدان، فإن أعلى نسبة رفض للاعتراف بإسرائيل كانت في الجزائر وموريتانيا بنسبة 99% في كلتيهما، تليهما ليبيا بنسبة 96%، ثم فلسطين بنسبة 95% والأردن 94% والعراق 92% وتونس 90% و87% في قطر.
ورغم وجود 8% من المشاركات والمشاركين الذي يقبلون اعتراف بلدانهم مع إسرائيل، إلّا أن نصفهم يوافق على أن يأتي الاعتراف بإسرائيل مقابل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. أمّا بحسب تصنيف الأقاليم، جاء رفض الاعتراف بإسرائيل الأعلى في منطقة المشرق العربي وبعدها المغرب العربي.
بحسب تقسيم البلدان، فإن أعلى نسبة رفض للاعتراف بإسرائيل كانت في الجزائر وموريتانيا بنسبة 99%
وعلى صعيد المغرب والسودان وهي دول قامت بتوقيع اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال، فقد جاء في المؤشر العربي أن أكثر من ثلثي المستطلعات والمستطلعين في هذه البلدان عبروا عن رفضهم الاعتراف بإسرائيل، بينما كانت نسبة التأييد 20% أو أقل، ويلاحظ ارتفاع نسبة الذين أفادوا أنهم لا يعرفون في هذين البلدين. كما تجدر الإشارة إلى أن 57% من السعوديين لم يبدوا رأيهم في السؤال، ورفض 38% الاعتراف بإسرائيل، مقابل 5% وافقوا على ذلك، كما جاء في المؤشر العربي.
ونُفذ استطلاع الرأي الأكبر في المنطقة العربية في دورته الثامنة، في 14 بلدًا عربيًا، وهي: موريتانيا، والمغرب، وتونس، ومصر، والسودان، والجزائر، وليبيا، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت، وقطر.
وأنجز الاستطلاع بناءً على عينة حجمها أكثر 33300 ألف مستجيب ومستجيبة، تمثل 91% من سكان المنطقة العربية، ويبلغ مستوى الثقة في العينة 98%، في حين كان هامش الخطأ ± 2-3 %. واستغرق العمل عليه 72.362 ساعة، وعمل فيه أكثر من 900 باحثة وباحث، قطعوا 900 ألف كلم من أجل الوصول إلى المستطلعات والمستطلعين. وهو ما يجعله الاستطلاع الأضخم من نوعه الذي ينفّذ في المنطقة العربية، سواء من حيث حجم العيّنة، أو عدد البلدان التي ينفذ فيها، أو حجم المتغيرات التي يقوم بفحصها، أو حجم البيانات المجموعة.
أنجز الاستطلاع بناءً على عينة حجمها أكثر 33300 ألف مستجيب ومستجيبة، تمثل 91% من سكان المنطقة العربية
يشار إلى أن المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسيات، قد حافظ، عبر الدورات الماضية من المؤشر، على استطلاع آراء المواطنات والمواطنين في المنطقة العربية، من أجل توفير بيانات مهمّة عن مواقفهم وآرائهم حول عدد من القضايا الأساسية، بما يساعد في رصد التغيّرات والاتجاهات في الرأي العام العربي منذ العام 2011. كما يحافظ المؤشر العربي في دورته الجديدة للعام 2022 على أهميته بوصفه مصدرَ بيانات مفتوحًا للمهتمات والمهتمين بمتابعة الرأي العامّ العربي وتغيراته، سواء كانوا أكاديميين وباحثين، أو صناع قرار، أو إعلاميين أو خبراء.