لم تكن العلاقات بين المملكتين المغربية والسعودية تتسم بأي فتور يُذكر. فالبلدان حاولا جاهدين الحفاظ على الود بينهما، حتى وإن أتى تكلفًا، لكن في السنة الأخيرة طفا على السطح شرخ أزمة وصلت بسرعة فائقة إلى مفترق طرق. فالرباط لم تعد تروقها سياسة الرياض، وقررت إعادة ترتيب أوراق "أخوة" جمعت آل سعود والعلويين على مر التاريخ.
ازدادت هوة الأزمة بين المغرب والسعودية لتصل تحالف الرياض أبو ظبي في اليمن، وطرحت أسئلة حول جدوى المشاركة في هذا الحلف والانتهاكات الحقوقية التي يقوم بها
حاول البلدان إخفاء وإنكار وجود أزمة بين الرباط والرياض، إلا أن كل المؤشرات تقول إن هناك شيئًا ليس على ما يرام بينهما. السعودية دخلت في "متاهة" تسيير مجموعة من الملفات الاستراتيجية العربية، والمغرب اختار أن يقف في منطقة حياد لم ترق "الأشقاء".
في نفس الوقت، ساهم بروز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإشرافه المباشر على السياسات السعودية داخليًا وخارجيًا، في توثر العلاقات بين البلدين، التي كانت آراؤهما جد متقاربة في مختلف القضايا الدولية والإقليمية.
اقرأ/ي أيضًا: تشويشًا على النقد.. السعودية تستدعي إرهابها وتهدد كندا بشبح "غزوة مانهاتن"
لا الصديق وقت الضيق
وسط العاصمة الروسية موسكو، وفي ليلة 14 حزيران/يونيو الماضي، كان كل شيء هادئًا. العلاقة بين البلدين وردية لا شيء يعكر صفوها، إلى أن قررت السعودية خذلان الملف المغربي الذي وقف منتظرًا تصويت "الأشقاء" ليظفر بشرف تنظيم كأس العالم لسنة 2026.
قالت السعودية كلمتها، وأعطت صوتها، إلى جانب كل من الإمارات والبحرين لصالح الملف الثلاثي المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل حشدت السعودية، في شخص تركي آل الشيخ، وبدفعها أموالًا طائلة، دولًا أخرى للتصويت ضد الملف المغربي.
خرج الوفد المغربي من قاعة التصويت متحسرًا. بعدها بيوم، رد المغرب، ضمنيًا، على الموقف السعودي، وأعلن بشكل مفاجئ، عبر بلاغ رسمي لوزارة الثقافة والاتصال، أن الوزير محمد الأعرج، لن يشارك في اجتماع وزراء إعلام دول التحالف لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي نظم في مدينة جدة.
لم يكن رد المغرب مباشرًا، إلا أنه كان واضحًا وصارمًا، وكانت "مقاطعة" اللقاء كافية للرد على الموقف السعودي، خصوصًا أن المغرب كان حريصًا على حضور جميع اللقاءات منذ تأسيس التحالف العسكري، قبل سنوات ضد الحوثيين في اليمن، ويضم قوات عسكرية مشتركة بين الدول العربية، وكان من ضمنها المغرب.
في هذا السياق، حاولت السعودية إخماد غضب المملكة المغربية وأرسلت، يوم الثلاثاء الماضي، تركي آل الشيخ إلى المغرب، والذي نشر صورة تجمعه بالملك محمد السادس، معلقًا عليها بـ"أتشرف كرئيس الاتحاد العربي لكرة القدم بأن تكون النسخة الثانية من البطولة العربية تحمل مسمى غاليًا على كل العرب. جلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي تكرم علينا بالموافقة ... 2020 النهائي في الرباط الغالية".
المغرب.. كاسر الحصار
في شهر شباط/فبراير الماضي استدعى المغرب السفيرين المغربيين في كل من السعودية والإمارات، احتجاجًا على بث قناة "العربية" الممولة من الرياض، تقريرًا مصورًا يشكك في مغربية الصحراء، وهي التي آلفت بث خطب الملك محمد السادس في مناسبة المسيرة الخضراء، وهي ذكرى "استعادة" المغرب لأقاليمه الجنوبية.
تقرير القناة والتصويت ضد الملف المغربي، لم يكونا سوى النقطة التي أفاضت الكأس، لأن مسار الخلافات بين البلدين، ظهر قبل ذلك بكثير، وبالضبط منذ أن سجّل المغرب خرق السعودية والإمارات للتوافقات الاستراتيجية في قمة مجلس التعاون الخليجي لسنة 2016، ومهاجمة وكالة الأنباء القطرية، تلاها فرض حصار على قطر.
رفض المغرب الحصار الذي ضربه الرباعي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) على دولة قطر، فأصدر بلاغًا رسميًا، التزم فيه الحياد، مؤكدًا أن "المملكة المغربية، التي تربطها علاقات قوية بدول الخليج في كافة المجالات، رغم أنها بعيدة عنها جغرافيًا، تشعر أنها معنية، بشكل وثيق، بهذه الأزمة دون أن تكون لها صلة مباشرة بها. كما أن المملكة المغربية تفضل حيادًا بناء لا يمكن أن يضعها في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة".
عبر المغرب في البيان الرسمي عن نيته "لبذل مساع حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومحاربة التطرف الديني والوضوح في المواقف والوفاء بالالتزامات"، إلا أن يد المغرب ضلت ممدودة باتجاه السعودية من أجل إنهاء الأزمة الخليجية دون أن تجد مبادرة من "آل سعود"، لإنهاء الأزمة ورفع الحصار على قطر.
بعدها سافر الملك محمد السادس إلى قطر عقب مشاركته في افتتاح معهد "لوفر" في الإمارات، هذه الأخيرة التي خصصت للملك استقبالًا فاترًا. اُستقبل ملك المغرب من طرف أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، وأطلق القطريون على الملك محمد السادس لقب "كاسر الحصار"، إذ كان أول رئيس دولة يزور قطر بعد فرض الحصار عليها من قبل جيرانها، إذ قضى بها نحو أسبوعين بين زيارة رسمية وأخرى خاصة.
استثنى ملك المغرب السعودية من الزيارة التي قام بها للخليج، واختار قطر، والتحف بثوب كتب عليه "لكم العالم ولنا تميم"، وهي الصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ليُقال عنها إنها "صورة مفبركة"، بالإضافة إلى ذلك، أرسل المغرب شحنات من المواد الغذائية إلى الدوحة للمساعدة في تجاوز الأزمة الغذائية التي تسبب فيها الحصار.
لم ترق زيارة الملك محمد السادس إلى قطر السعودية، فخرج تركي آل الشيخ، المستشار في الديوان الملكي، والمقرب جدًا من القصر الملكي، بتغريدة مستفزة على صفحته الخاصة في "تويتر" يقول فيها: "هناك من أخطأ البوصلة. إذا أردت الدعم، فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم. ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دع الدويلة تنفعك...! رسالة الخليج للمحيط".
لا حرب على اليمن
ازدادت هوة الأزمة بين المغرب والسعودية لتصل التحالف العربي في اليمن، فبدأ الخلاف عندما أيد المغرب مبادرة للحل السياسي، التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن وقتها، جمال بن عمر، وهي المبادرة التي رفضتها السعودية.
في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، خرج ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، ولأول مرة عبر مشاركته في برنامج "بلا حدود" في قناة الجزيرة، ليعلن أن المغرب أعاد تقييم مشاركته في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا أخرى.
وقال وزير الخارجية إن"المغرب قام بتقييم لمشاركته في التحالف العربي باليمن، وهناك تطوير في شكل ومضمون المشاركة، انطلاقًا من التطورات على أرض الواقع، وانطلاقًا من التطور في الجوانب السياسية والإنسانية للملف اليمني، وانطلاقًا من كيفية التهييء للاجتماعات، وانطلاقًا من قناعاته"، معلنًا أن المغرب لم يشارك "في المناورات العسكرية (للتحالف)، في إشارة إلى مناورات الموج الأحمر، التي دعت إليها السعودية، ولم يشارك في بعض الاجتماعات الوزارية أيضًا، وهذا هو التطور في المشاركة، ولكن ثوابت الموقف المغربي تظل هي دعم الشرعية في اليمن ودعم المبادرة الخليجية" لحل الأزمة اليمنية.
أعلن وزير الخارجية المغربي أن المغرب غيّر من مشاركته في التحالف العربي، ولم يحضر المناورات العسكرية، ولا يشارك في اجتماعات الوزراء كذلك، مؤكدًا أن اليمن تعيش أزمة إنسانية قائلًا: "هناك قلق كبير حول الجوانب الإنسانية في اليمن، يحز في النفس أن الأمم المتحدة تعتبر ما يجري في اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، هذا يُسائلنا جميعًا. الجوانب الإنسانية يجب أن تأخذ دورًا واهتمامًا أكبر، والشعب اليمني لا يستحق هذه المعاناة".
اقرأ/ي أيضًا: تسريبات: إسرائيل تدعم السعودية لتأجيج الخلاف في لبنان
دم خاشقجي
وسط الأزمة القائمة بين المملكتين المغربية والسعودية، قام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بجولة لدول شمال إفريقيا، فرفض المغرب استقباله، بسبب قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بطريقة وحشية في القنصلية السعودية في إسطنبول.
اتهم ولي العهد السعودي بقتل الصحافي خاشقجي، فأصبحت السعودية، وسط العالم مطأطأة الرأس، تحاول مسح آثار الدم العالقة في ثوبها.
هذه المرة لم يتلزم المغرب الحياد، ورفض مساندة السعودية، فقدمت القناة الثانية (قناة شبه رسمية)، تقريرًا مفصلًا عن جريمة مقتل خاشقجي، وقدمت المتهمين الرئيسين وهم مسؤولون سعوديون.
وسط الأزمة القائمة بين المغرب والسعودية، قام محمد بن سلمان بجولة لدول شمال إفريقيا، فرفض المغرب استقباله، بسبب قضية اغتيال خاشقجي، ما زاد التوتر في العلاقة
أعاد المغرب سفيريه إلى الرياض والإمارات، وسافر وزير الخارجية، قبل فترة، حاملًا رسائل ود وسلام من الملك محمد السادس إلى مجموعة من الدول الخليجية والإفريقية من بينها السعودية، كما أنه أكد في ندوة صحافية سابقة، أن التنسيق مع دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، والرغبة في الحفاظ على هذه العلاقات، يجب أن تكون من الجانبين، وأن تكون متقاسمة، وإلا يجب البحث عن بدائل. وأمام هذه المسيرة المتغيرة بشكل مستمر، يبقى مصير العلاقات بين المملكتين غامضًا.
اقرأ/ي أيضًا:
تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أولها
ما تبقى من أوراق الضغط السعودي والإماراتي على قطر.. فشلٌ من وراء فشل