18-يوليو-2024
دوما في الغوطة الشرقية

(AFP) مصادرة الممتلكات جزء من إستراتيجية النظام السوري

قال موقع "أوريان 21" إن نظام بشار الأسد لم يكتف باعتقال وتعذيب وقتل شعبه على نطاق واسع فحسب، بل استولى أيضًا على ممتلكات السكان بهدف تحقيق 3 أهداف، وهي ملء خزائن الدولة، وإثراء كبار الشخصيات في السلطة، ومنع عودة غير المرغوب فيهم من المعارضين أو من يتوقّع منه المعارضة.

وبحسب الموقع، قدمت كومة كبيرة من الوثائق التي تم الكشف عنها خلال محاكمة باريس في أيار/مايو الماضي 2024 دليلاً على ما سماه الموقع "التطهير السياسي المالي المنهجي".

وسلّطت محاكمة ثلاثة مسؤولين سوريين كبار هم جميل حسن، وعلي مملوك، وعبد السلام محمود، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في أيار/مايو الماضي في باريس؛ الضوء على المصادرة الممنهجة للممتلكات وممارسة الابتزاز وغضب أموال المختفين وعائلاتهم من قبل النظام.

وتستند هذه الحقائق الموثقة على نطاق واسع، بشكل خاص إلى قضية عائلة الدباغ، التي أخذت اسمها من اسم الفرنسييْن السوريين اللذيْن اعتقلا في دمشق عام 2013، مما سمح للعدالة الفرنسية بتولي القضية.

مصادرة الممتلكات جزء من إستراتيجية نظام مفلس يضمن الموارد المالية عن طريق نهب المدنيين، علمًا أن مصادرة الأراضي كانت ممارسة شائعة لدى حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة عام 1963

ويشار إلى أنه في 23 أيار/مايو، أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، الذي ساعد في التحقيق، تقريرًا مفصلًا للغاية بعنوان "بعون الله لن يبقى شيء"، عن النهب الذي يقوم به النظام السوري لممتلكات المدنيين برعاية من الحكومة.

وتوصل المركز في تقريره إلى أن السرقات يتم تنسيقها على أعلى مستوى من التسلسل الهرمي العسكري من أجل ضمان الموارد الاقتصادية للنظام وقادته. وقد وصفتها المحكمة بأنها "جرائم حرب"، مشيرةً إلى أن كل شيء: "بالنسبة لهم، يجب أن يختفي، البشر والممتلكات".

النظام يبرر السرقة بأنها مصادرة لممتلكات “الإرهابيين”

عندما ألقي القبض على مازن الدباغ من منزله في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، سطا عملاء حكوميون على سيارته الجديدة وأخذوا مفاتيحها منه قبل نقله إلى سجن المزة الذي لن يعود منه أبدًا. ولاحقًا، شوهدت السيارة بانتظام في الحي، حتى أن زوجته تلقت غرامةً بسبب سرعة السيارة التي لم تعد بحوزتها. وفي عام 2016، عاد العملاء وأبلغوها بمصادرة منزل العائلة، وعندما اكتشفوا في الموقع أن المبنى بأكمله مملوك للعائلة، استولى الجنود أيضًا على مفاتيح شقة الأم.

وقد اكتشفت العائلة أن الشقة أصبحت الآن مملوكة للدولة تحت بند "مصادرة ممتلكات الإرهابيين"، ويسكنها مقابل 30 دولارًا سنويا عبد السلام محمود الذي كان آنذاك مديرًا لفرع التحقيقات في المخابرات الجوية بدمشق، والمتورط بشكل مباشر في اختفاء مازن وباتريك، كما علمت أن الجزء الآخر من المبنى تم تأجيره لشخص آخر من وجهاء النظام.

ويؤكد مدير المركز السوري للإعلام، مازن درويش، وهو أيضا طرف مدني، أن: "الابتزاز ومصادرة الممتلكات يوفران موارد مالية واقتصادية للنظام، وهذا في بعض الأحيان هو سبب الاعتقالات"، وهذا ما تدعمه شهادة "ن"، وهو اليوم لاجئ سياسي في فرنسا.

وشهد "ن" بأن 70% من أراضي المعضمية، التي أصبحت ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، محتلة بين القوات الجوية والفرقة الرابعة والألوية القتالية وجميع الفصائل التي تدور حول المطار، ويقول "ن" إن: "لدينا سندات الملكية، كان لنا الحق في بيعها ولكن للنظام فقط".

ومع بداية الثورة، تظاهر الأهالي للمطالبة بإعادة ممتلكاتهم المصادرة، لكن في عام 2013 تعرضت المدينة المتمردة لهجمات كيميائية و3 سنوات طويلة من الحصار.

تم اعتقال "ن" ليجبر بعد 3 أشهر من التعذيب على التوقيع ببصمات أصابعه على اعتراف، وقال لقاضي المحكمة المدنية: "لكنني لا أعرف على ماذا جعلوني أوقّع، ربما قمت ببيع منزلي دون أن أعرف ذلك".

وقال لقضاة محكمة باريس: "لقد كنت على حق، فقد تم الاستيلاء على بعض ممتلكاتي بعد ذلك، وتمت مصادرة جميع ممتلكات والدي لصالح المخابرات الجوية".

اعتمدت حكومة بشار الأسد، منذ ثورة 2011، ما يقارب 35 قانونًا يسمح بمصادرة ونزع الملكية والاستيلاء على الممتلكات بحجة مكافحة الإرهاب تارة والتخطيط الحضري تارة أخرى

وتؤيد هذه الشهادة شهادة عبيدة الدباغ، وتبين أن مصادرة الممتلكات جزء من إستراتيجية نظام مفلس يضمن الموارد المالية عن طريق نهب المدنيين، علمًا أن مصادرة الأراضي كانت ممارسة شائعة لدى "حزب البعث" منذ وصوله إلى السلطة عام 1963.

الممتلكات والأراضي، أسلحة الحرب الجديدة

منذ بداية ثورة 2011، اعتمدت حكومة بشار الأسد ما يقارب 35 قانونًا يسمح بمصادرة ونزع الملكية والاستيلاء على الممتلكات، وذلك بحجة مكافحة الإرهاب تارة والتخطيط الحضري والمساكن العشوائية واسترداد الديون والخدمة العسكرية والأراضي الزراعية المشتركة وسجلات الممتلكات تارة أخرى، وهي تستهدف بشكل أساسي ممتلكات النازحين وأعضاء المعارضة المشتبه بهم.

واستمر النظام في اعتماد التعديلات والمراسيم التي تقضي بالاستيلاء قانونيًا على جميع الممتلكات المنقولة وغير المنقولة. ففي عام 2019، سمح التعديل 39 لوزارة المالية بإصدار أمر بالمصادرة التنفيذية دون إشعار على ممتلكات أي شخص لم يكمل خدمته العسكرية قبل سن 43 عامًا، وكذلك ممتلكات زوجته وأطفاله.

وتسمح بعض القوانين بتجريد المدنيين من ممتلكاتهم ليتم منحها لمسؤولين رفيعي المستوى أو بيعها لطرف ثالث.

وتشير التقارير إلى أن المساكن الفارغة يتم تخصيصها لشاغليها الموالين للنظام الذين يتم إصدار سندات ملكية جديدة لهم، في "تطهير مكاني" يهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، مما يدفع المدنيين إلى عدم مغادرة منازلهم خوفًا من عدم القدرة على العودة إليها ولو على حساب حياتهم.

وأفاد اللاجئون بأن أسماء بعض الشوارع تغيرت مع وصول سكان جدد، خاصةً من إيران، وأن أراضي وأحياء بأكملها تباع إلى مستثمرين أجانب، وفي المقام الأول الروس والصينيون والإيرانيون. كما أكدوا أن المعلومات المتعلقة بسندات ملكية السكان الشرعيين أصبحت الآن قديمة، مما يجعل أي محاولة للاسترداد أكثر صعوبة.

التدمير والسرقة والنهب

ويفيد تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة بأنه من خلال دراسة مقاطع الفيديو والصور والمناظر الجوية في داريا وحرستا واليرموك وحمص وجرجناز، ومن خلال إجراء مقابلات مع شهود وجنود سابقين، ومن خلال الحصول على وثائق داخلية من البيروقراطية السورية، توصلت المنظمة إلى استنتاج مفاده أن القوات الحكومية تقوم بشكل منهجي بنهب المنازل والممتلكات.

من دون عملية واضحة لإعادة الممتلكات لنحو 14 مليون نازح سوري، لا يمكن أن تكون هناك عودة سلمية للاجئين السوريين

وأوضح تقرير "أوريان" أن توزيع الغنائم يتم وفق نظام راسخ داخل اللواء 34 المشهور بالنهب في درعا، بحيث تنقل المعدات الإلكترونية إلى فرع المخابرات العسكرية في المسمية، وتقدم البضائع الأخرى إلى القائد الذي يصطفي لنفسه ما يريد، ثم يعاد بيع الباقي في أسواق يسميها السكان "سوق اللصوص" أو "أسواق السنة"، وما لا يتم بيعه يستخدم لتأثيث البنية التحتية للنظام أو المستشفيات الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وتطبق سياسة الأرض المحروقة على المدن والقرى والمنازل حسب التقرير، مما يحرم المدنيين من كل ما يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة. وفي العديد من الحالات التي وثقها المركز، فكك الجنود وأفراد المليشيات أسطح المنازل لتصبح معرضة للعوامل الجوية وغير صالحة للسكن، في تكتيك يهدف إلى تهجير المعارضين وإثراء الموالين.

ويقول التقرير إن القوات الحكومية والمليشيات الموالية للرئيس بشار الأسد متورطة في العملية برمتها، من النهب إلى البيع، موضحًا أن: "السرقات ليست من عمل مجموعة فرعية انتهازية من الجهات العسكرية"، إذ تظهر الأدلة أن اللصوص يقومون بالسرقة بموافقة هرميتهم، إن لم يكن ذلك تعليماتهم المباشرة.

ومع أن مسألة عودة اللاجئين تعتبر أمرًا محوريًا في المفاوضات بشأن بناء سلام دائم وحل سياسي للصراع، فإن جميع المراقبين مجمعون على أنه بدون عملية واضحة لإعادة الممتلكات لنحو 14 مليون نازح سوري، لا يمكن أن تكون هناك عودة سلمية.