في مقال تحليلي، تلقي صحيفة إندبندنت البريطانية الضوء على الانتخابات الرئاسية الروسية المزمع عقدها هذا العام، مُناقشة فرص بوتين، أو بالأحرى فرص منافسيه أمامه، وهو الذي وصفته الصحيفة بـ"الثابت الوحيد غير القابل للتغيير". في السطور التالية ننقل لكم المقال مترجمًا بتصرف.
طالما أسس فريق فلاديمير بوتين مناشدة انتخابية معتمدة على فكرة السيطرة والاستقرار. لقد كان عرضًا شعبيًا لأمة أصيبت بالعديد من الاضطرابات والمطالب التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، رغم أنه كان في الغالب أقرب إلى السراب من كونه أمرًا واقعيًا.
بغض النظر عما يمكن أن يحدث في الانتخابات، يبقى بوتين الثابت الوحيد، مع سيطرته على مفاصل الدولة والرأي العام
يواجه بوتين مع بداية حملته الانتخابية الرابعة معضلةً مختلفة، إذ يريد غالبية الروس التغيير بصورة أكثر من رغبتهم في نفس الشخص الذي لا يُنتظر تغييرٌ على يديه، وهو ما تظهره استطلاعات الرأي. وتجدر الإشارة إلى أن الكرملين يشعر بذلك بالفعل.
اقرأ/ي أيضًا: أليكسي نافالني.. معارض شاب يهدد عرش بوتين
إلا أن نهج الكرملين من المستحيل أن يُحدث أي توازن يُذكر، فمن ناحية، سيقدم إصلاحًا دون عزل الدائرة الداخلية المتناقصة باستمرار، ومن ناحية أخرى، سيجيب على المطالب الاجتماعية والاقتصادية للناخبين، والتي شهدت ثلاث سنوات من انخفاض القيمة الحقيقية لمعدل الدخل، من دون السيولة النقدية القديمة. وسوف يحاول خلق الدراما في سباق يفتقر إلى أي نوع من المكائد.
ولكن بغض النظر عن كل ما يمكن أن يحدث في تلك الانتخابات، سيكون بوتين هو الثابت الوحيد غير القابل للتغير، ويتوقع أن ينعم بانتصار حاسم من الجولة الأولى.
ولكن بوتين البالغ من العمر 65 عامًا، لم يعد قادرًا على الادعاء بأنه المستقبل، وقد بدا متعبًا وغير متحمس في مؤتمره الصحفي الماراثوني الأخير، في حين تساءل كثيرون عما إذا كان لا يزال يمتلك تلك الحماسة التي عُرف بها.
وقد أنهى بوتين التكهنات حول مستقبله القريب في أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر، وقال إنه سيشارك في الانتخابات. وبالنظر إلى الطريقة التي اختتم بها عام 2017، فمن الممكن القول بأنه سيشارك من خلال برنامجه الدكتاتوري التقليدي. إذ تشير عقوبة السجن القاسية التي صدرت ضد وزير الاقتصاد السابق في شهر كانون الأول/ديسمبر، إلى أن التخويف والترهيب سيظل الأداة الرئيسية للسلطة لدى بوتين.
ومن المرجح أن تظل الحريات الصحفية، التي لم تكن أبدًا من أولويات بوتين، في تدهور مستمر. وستستمر المناهضة للغرب، خاصة قبل التعزيز المتوقع لنظام العقوبات. كما يتابع الكرملين بخيبة أمل متزايدة القضية التي ينظر فيها الكونغرس الأمريكي بشأن العلاقة المشبوهة بين ترامب وروسيا.
لم يعد بوتين البالغ من العمر 65 عامًا، قادرًا على الترويج لنفسه باعتباره "المستقبل"، ويبدو أنه فقد الكثير من حماسته التي عرف بها
غير أن بوتين كما هو معروف عنه، فإنه رجل أفعال وردود أفعال أكثر من كونه رجل خطط إستراتيجية كبرى، لذلك ليست الانعكاسات السريعة بمعزلٍ عنه. ولنأخذ على سبيل المثال التحول الحاسم في العلاقات الروسية التركية في مطلع العام الماضي. ربما كان من الجيد أن يعطي الرئيس الأولوية للعلاقات مع الغرب، إذا كان يرى في ذلك مصلحته الأفضل.
اقرأ/ي أيضًا: منشقان عن نظام بوتين .. يشغلان صحافة العالم
وللمرة الأولى منذ سنوات عديدة، فإن فرصة انتخاب بوتين في مرحلة ما بعد الانتخابات، تعد داخلية إلى حد كبير. وبصرف النظر عن المطالب بالتغيير والإصلاح، فإن المسألة الأكثر إلحاحًا هي انتشار أزمة الحكم. ومع اقتراب القتال الدائر بالفعل على الساحات العامة، سيحتاج بوتين إلى التحكيم بشكل حاسم بين الفئات المتقاتلة.
كانت هناك تقارير لا حصر لها حول عزل رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف. سوف يتطلع مراقبو الكرملين عن كثب ما إذا كان بوتين سيوجه ضربة قاضية للجناح الليبرالي الروسي، أم أنه سيتركه مع بعض التقييد.
وتفيد التقارير بأن ميدفيديف قد تعافى من ضربة قاصمة في تحقيق محرج أجراه المعارض والمنافس الرئيسي لبوتين، أليكسي نافالني. إذ ادعى نافالني -الذي لم يشر له الرئيس حتى الآن باسمه- أن رئيس الوزراء قد استغل منصبه لتحقيق مكاسب شخصية هائلة. غير أن ميدفيديف نفى تلك الادعاءات.
وقد مُنع أليكسي نافالني، الذي يُمثل أكبر صوت للمعارضة في البلاد، من الترشح في هذه الانتخابات. ولكن هذا لا يعني أنه ليس لديه مستقبل، خاصةً في حالة ما إذا كانت عملية تسليم مقاليد الحكم تتسم بالفساد، أو تفاقمت الضائقة الاقتصادية، أو أن تلقى حملته التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات قبولًا. وقد أدت براعته في استخدام التكنولوجيا ودعوته التي تنسجم مع إحساس الروس بالعدالة، إلى جعل نافالني يفهم السياسة الروسية، وكذلك أي شخص.
ولا يمكن أن يقال الشيء نفسه بالنسبة لمرشحة المعارضة البارزة الأخرى، كسينيا سوبتشاك، التي من غير المحتمل أن يجني قبولها النخبوي مكاسب انتخابية. ولهذا السبب، حظي ترشيحها بدعم نشط من الإدارة الرئاسية، وقد سجلت ترشيحها في اللجنة الانتخابية المركزية رسميًا الأسبوع الماضي، كما أنها وصفت دعوة نافالني لمقاطعة الانتخابات، والتي من المرجح أن تحد من أعداد ناخبيها بشكلٍ كبيرٍ، بأنها "احتجاج جنوني".
مُنع أليكسي نافالني، أبرز الأصوات المعارضة في روسيا، والمنافس الرئيسي لبوتين، من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة
قدم 22 مرشحًا آخرين أسماءهم للترشح في الانتخابات. ومن غير المحتمل أن يستطيع جميعهم جمع التوقيعات اللازمة لقبول الترشح. إلا أن المرشحين على يقين من قدرتهم على الوصول إلى خط البداية، بما فيهم أشباح أعياد الميلاد الماضية المعروفين مثل غريغوري يافلينسكي، زعيم حزب يابلوكو الليبرالي وفلاديمير جيرينوفسكي، رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، الذي يُعد قطعًا غير ليبرالي.
اقرأ/ي أيضًا:
استبعاد نافالني من رئاسيات روسيا.. المعارض الوحيد في ديمقراطية زائفة