عادت اللافتات الدعائية وصور المرشحين تملأ شوارع المحافظات المختلفة في الأردن إيذانا باقتراب موعد استحقاق انتخابي آخر، إذ إن الأردنيين على موعد هذه المرة مع انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري.
رغم اكتظاظ المشهد العام بمظاهر الاحتفال، إلا أن فضاءات الأردنيين الإلكترونية ومجالسهم وأحاديثهم تكاد تخلو من أي ذكر أو مناقشة للحدث
ورغم اكتظاظ المشهد العام بمظاهر الاحتفال، إلا أن فضاءات الأردنيين الإلكترونية ومجالسهم وأحاديثهم تكاد تخلو من أي ذكر أو مناقشة للحدث، في مفارقة تشي بالكثير عن أحوال غالبية الأردنيين واتجاهات الرأي العام حيال دعاوى الإصلاح السياسي والإداري في البلاد.
أغلبية لا تنوي المشاركة بالانتخابات
تقول تولين، وهي طالبة جامعية، إنها لم تنتخب في حياتها ولن تدلي بصوتها في الانتخابات المقبلة أيضا، إذ إنها لم ترَ أي تغيير على الأرض، بل إن "الأمور تتجه من سيئ إلى أسوأ خاصة فيما يتعلق بالبطالة بين الشباب والأوضاع الاجتماعية رغم كل الوعود".
في المقابل، يقول إسماعيل ذو الاثنين والستين عاما بحماسة أنه هذه المرة سيدلي بصوته في صناديق الاقتراع للمرة الأولى في حياته، ويعزو قراره بمعرفته الشخصية بالمرشح الذي سينتخبه وأنه كان قد "خدم حيَّه من قبل".
تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن 31.9% من الأردنيين سيشاركون في الانتخابات المقبلة، وهي نسبة تعتبر الأكثر تفاؤلا، إذ تشير نتائج استطلاعات أخرى وآراء لخبراء إلى أن نسبة المشاركة من المتوقع أن تتراوح بين 23 إلى 30% فقط في أحسن الأحوال.
أسباب الامتناع عن المشاركة حسب الاستطلاع تنوعت بين عدم الاقتناع بالمرشحين أو بدور المجالس المحلية وبين فقدان الثقة بنزاهة الانتخابات، في المقابل أشار 22.4% ممن أكدوا نيتهم المشاركة بالانتخابات أن السبب الذي يدفعهم لذلك هو توجه العائلة أو العشيرة، في حين أشار 2% فقط منهم إلى أن سبب مشاركتهم هو دعمهم لأحد التيارات السياسية.
وصفة "ديمقراطية" للعودة إلى عقلية تقليدية
رغم أن الانتخابات عادة ما تكون الوسيلة المثلى لتعبير الناخبين عن توجهاتهم السياسية، إلا أن الوضع في الأردن يبدو مختلفا، إذ عادة ما تبرز إلى الواجهة في كل موسم انتخابي لغة الهوية الفرعية لتقدم على التوجهات السياسية. تؤكد ذلك أرقام تشير إلى مشاركة 24 حزب سياسي فقط من أصل 55 بمرشحين في الانتخابات المقبلة.
الخبير البرلماني ومدير مركز راصد، عامر بني عامر، كان قد صرح لوكالة أنباء الأناضول بأن انتخابات المجالس البلدية "أقرب للعقلية التقليدية والتوارثية للمواطن، وهي مرتبطة بفكرة الزعامة والقيادة المحلية، فرئيس البلدية عبر التاريخ بالأردن له قيمة اجتماعية كبيرة ويمثل رمزية مرتبطة إما بالزعامة العشائرية أو المناطقية".
وأضاف: "من الناحية الخدماتية، فإن أهمية المحليات تتمثل بالخدمة اليومية والحاجة اليومية للمواطن، وبالتالي يزاد اهتمام المواطن بالانتخابات، خصوصا بالمناطق الأقل قدرة على تقديم البنية التحتية والخدمات الجيدة، كالمحافظات البعيدة عن العاصمة عمان".
بني عامر قصر أهمية الانتخابات البلدية المقبلة في كونها "جاءت بعد مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، والتي أفرزت مسودة قانون أحزاب وتعديلات دستورية".
كما عزا تشكيك الناس الدائم في نتائج الانتخابات إلى "تجربة تراكمية لها علاقة بحقبة زمنية معينة تم العبث فيها بالعملية الانتخابية من قبل جهات رسمية وشبه رسمية"، ولفت الانتباه أيضا إلى "الشكوى الدائمة التي صاحبت آخر انتخابات برلمانية (2020) مما سُمي هندسة الانتخابات."
في هذا السياق، يقول خالد حسنين، الناطق الإعلامي باسم حزب الشراكة والإنقاذ، لألترا صوت إن مثل هذا النوع من الممارسات لا يزال قائما ويمارس ضد المرشحين المحسوبين على المعارضة، ومن الشواهد عليه أنه ضُغط مؤخرا على أحد المرشحين ليعلن انسحابه من الحزب، كما يؤكد حسنين.
ويضيف حسنين أن "مشكلتنا الأساسية هي في التدخلات الأمنية لأنها تعني مصادرة حق المواطن في إبداء رأيه... ونحن مؤمنون أن قانون الانتخاب الحالي هو الذي دمر الحياة السياسية، وأي شكل من أشكال قانون الصوت الواحد لن يفلح في إعادة الألق إلى الحياة السياسية... فلن يصلح الأمر طالما أننا لا نستطيع عمل تكتلات قائمة على برامج أكثر منها تكتلات تؤثر فيها العشيرة والتدخلات."
تصنف منظمة فريدم هاوس الأردن ضمن الدول غير الحرة في مجال الحقوق السياسية والحريات المدنية
يذكر أن المركز الوطني لحقوق الإنسان كان قد وثق حالات ضغط فيها على مرشحين في الانتخابات البرلمانية الماضية لثنيهم عن الترشح، وهو ما نفته الهيئة المستقلة للانتخاب جملة وتفصيلا. كما تصنف منظمة فريدم هاوس الأردن ضمن الدول غير الحرة في مجال الحقوق السياسية والحريات المدنية.