الحرب المصغرة التي تشهدها الولايات الأمريكية، مستمرة. في جديدها، انتقلت المواجهات بين الشبان السود والشرطة الأمريكية من ولاية ميسوري إلى ولاية إيلينوي، وتحديدًا شيكاغو، مدينة الرئيس باراك أوباما. ولم تنفع نداءات الرئيس للحفاظ على سلمية الاحتجاجات، التي انفجرت في المدينة بعد إفراج الشرطة عن تسجيل فيديو لحادثة مقتل شاب أسود العام الماضي برصاص شرطي أبيض، فأقفل المتظاهرون الغاضبون الطرقات الرئيسية في شيكاغو على مدى ثلاثة أيام وسُجلت أعمال شغب ومواجهات مع الشرطة تلتها حملة اعتقالات طالت ناشطين من أصول إفريقية.
تأتي جريمة مجزرة كولورادو الجماعية في سياق سلسلة من الجرائم المشابهة ارتكبها أفراد يحملون أفكارًا ومعتقدات مسيحية متشددة
أما الجديد النوعي الأخطر في فصول الحرب الأمريكية تمثل في المجزرة الجماعية التي ارتكبها متطرف مسيحي معادي للإجهاض في ولاية كولورادو، واستهدفت مركزًا للرعاية الصحية يعنى بالنساء اللواتي يخضعن لعمليات إجهاض. الجريمة التي أُدرجت في سياق الإرهاب المحلي تعتبر مؤشرًا جديًا على مدى الخطر الذي يشكله انتشار الأفكار العنصرية والدينية المتطرفة في المجتمع الأمريكي على الأمن القومي للولايات المتحدة.
فالإرهاب الأمريكي المحلي، الذي تتصدره الجرائم العنصرية التي يرتكبها متطرفون بيض، اتخذ في كولورادو طابعًا "إرهابيًا مسيحيًا "حيث قادت المعتقدات المتطرفة للأمريكي الخمسيني "روبرت دييرالى" إلى استخدام العنف المسلح من أجل تطبيق معتقدات الكنيسة بحرمة الإجهاض التي تقرها القوانين المدنية الأمريكية. كما أعادت هذه الجريمة السجال حول مفهوم الإرهاب ومخاطره على المجتمع الأمريكي. وتساءل البعض عن أي إرهاب يشكل خطرًا أكبر على الولايات المتحدة. هل هو حقًا إرهاب داعش و"الإسلام الراديكالي" أم الإرهاب المسيحي الأبيض الذي بدأ يعبر عن نفسه بقوة في الآونة الأخيرة.
وفيما لم تعلن الشرطة الأمريكية عن الأسباب التي دفعت منفذ مجزرة كولورادو إلى مهاجمة مركز يهتم بتقديم الخدمات الصحية للنساء المجهضات، ربطت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي الجريمة بالموقف الديني المتشدد للمحافظين المسيحيين من قضية الإجهاض التي تصاعد السجال بشأنها مع احتدام المنافسة بين المرشحين للرئاسة الأمريكية. ووصفت إحدى التعليقات منفذ الجريمة بأنه "طالباني مسيحي" وذلك بعد أن راجت شائعات على السوشيال الميديا أنه من تنظيم داعش. فيما سأل أحد المغردين على تويتر بسخرية عما إذا كان منفذ الهجوم في كولورادو من اللاجئين السوريين الذين يتعرضون لحملة عنصرية لمنع استقبالهم في الولايات المتحدة بحجة تهديد الأمن القومي الأمريكي.
المتفاعلون على السوشيال ميديا وجهوا أيضًا انتقادات قاسية لوسائل الإعلام الأمريكية لعدم موضوعيتها وعدم تسليط الضوء على الخلفية الأيديولوجية المسيحية المتشددة للشاب الذي أطلق النار على المدنيين واحتجز رهائن في المركز الطبي المستهدف قبل استسلامه للشرطة. فالاهتمام الإعلامي بالجريمة خفت بمجرد الكشف عن هوية المنفذ، ومعرفة أنه مسيحي أبيض غاضب يعتقد أن واجبه الديني يفرض عليه محاربة الإجهاض ولو بالسلاح. طبعا كان الأمر سيختلف بالنسبة لوسائل الإعلام الأمريكية لو كان مسلمًا أو من أصولٍ إفريقية أو لاتينية. عندها ستتحدث محطات التلفزة عن هجوم إرهابي وعن مخاطر الإسلام الراديكالي على أمن الولايات المتحدة وخطر تطبيق الشريعة الإسلامية على القوانين ونمط الحياة الأمريكية.
وتأتي جريمة كولورادو الجماعية في سياق سلسلة من الجرائم المشابهة ارتكبها أفراد يحملون أفكارًا ومعتقدات مسيحية متشددة، كان أخطرها الجريمة العنصرية ضد كنيسة تشارلستون في ساوث كارولينا التي راح ضحيتها تسعة من الأمريكيين الأفارقة وجريمة أوريغون التي راح ضحيتها تسعة طلاب وأستاذهم.
وفي تغريدة ساخرة على موقع تويتر علق أحد المدونين على استسلام منفذ جريمة كولورادو للشرطة الأمريكية بالقول إن ذلك يعني أنه رجل أبيض وإلا لكان رجال الشرطة قد أفرغوا في جسده ست عشرة رصاصة. في إشارة إلى حادثة مقتل شاب أسود على يد رجل شرطة أبيض في مدينة شيكاغو العام الماضي، ومشاهد الفيديو الجديدة التي أفرجت عنها الشرطة وتظهر الشاب الأسود ليكوين ماكدونالد البالغ من العمر سبعة عشر عامًا وهو يمشي بشكل طبيعي نحو سيارة للشرطة قبل أن يسقط أرضًا إثر إصابته بنيران أطلقها رجل الشرطة الأبيض "جاسن فان دايك" الذي أفرغ ست عشرة رصاصة في جسد الفتى الأسود.
اقرأ/ي أيضًا: