بعد الانسحاب الروسي من مدينة بوتشا الواقعة شمال غرب العاصمة الأوكرانية كييف، تصاعد الحديث عن ارتكاب جرائم حرب فيها من القوات الروسية. حيث أشارت تقارير إلى حصول عمليات قتل جماعية وجثث متناثرة في الشوارع بالإضافة إلى اكتشاف مقبرة جماعية، مما دفع العديد من الدول إلى إدانة "جرائم الحرب الواضحة" التي ارتكبها الجيش الروسي في المدينة. كما أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قيامه بجمع "أدلة حول جرائم حرب محتملة ارتكبتها القوات الروسية في بوتشا"، مشيرًا إلى أن القتل العمد للمدنيين جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني.
جرائم الحرب هي الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية في النزاعات الدولية المسلحة، بحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ونظام روما الأساسي
أما المحكمة الجنائية الدولية، فكانت قد بدأت تحقيقًا في ارتكاب موسكو لجرائم حرب خلال غزو أوكرانيا. فما المقصود بجرائم الحرب؟
جرائم الحرب هي الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية في النزاعات الدولية المسلحة، بحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الصادر عام 1998. حسب هذه الأنظمة، يشتمل تعريف جرائم الحرب على القتل العمد والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية، وتعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير في الجسم أو الصحة.
كما يتضمن أيضًا التسبب بتدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية، أو إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية، وحرمان الأسرى من المحاكمة العادلة والإبعاد والنقل والحبس غير المشروع، أو أخذ الرهائن وتجويع المدنيين.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن تعريف جرائم الحرب يشمل تعمد توجيه الهجمات ضد المدنيين أو ضد أفراد لا يشاركون في الحرب مباشرة، وتوجيه الهجمات ضد مواقع مدنية، والاغتصاب والاستعباد الجنسي وتجنيد الأطفال. وجرائم الحرب لا تقتصر على المدنيين بل تشمل المقاتلين أيضًا، فهي تحظر قتل الجرحى من الجنود والعقوبات الجماعية. وتنظم هذه التعريفات الحرب بين الدول مع بعضها البعض، أو تلك التي تخوضها دول ضد تنظيمات مسلحة.
وجرائم الحرب هي واحدة من 4 جرائم تعاقب عليها المحاكم الدولية إلى جانب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي. والتفريق الأساسي أن جرائم الحرب تحصل ضمن النزاع المسلح أو الحروب، أما باقي الجرائم فيمكن أن تحصل في سياق الهجوم على جماعة أو دولة دون اندلاع الحرب. وشرط اعتبار أن ما حصل جريمة حرب، يرتبط في عاملين، الأول سياقي، أي أن يكون الفعل مرتبطًا بنزاع مسلح سواء أثناء حصوله أو بعده ولكنه مرتبط فيه. والثاني متعلق بوجود النية والمعرفة بالهدف المستهدف، والاستمرار في ذلك. كما أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، باعتبارها من أخطر الجرائم في القانون الدولي، وأن العقاب الفاعل في هذه الجرائم، عنصر هام في تفادي وقوعها مستقبلًا، وفي حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
فيما يتعلق بقوننة جرائم الحرب في السياق الحديث، فقد جاء مع الحرب الأهلية الأمريكية، ففيها كانت أول محاولات وضع مدونات منهجية لجرائم الحرب، والتي كان كاتبها الأساسي القانوني الأمريكي فرانسيس ليبر وعرفت باسم "قانون ليبر". أقر بهذه المدونة في حينه الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن ووزعت على الجيش الأمريكي في عام 1863، وكانت نواةً لقوانين الحرب اللاحقة، إذ اعتبرت بالأساس إجبار رعايا العدو على خدمة الطرف المنتصر انتهاكًا، كما أنها حظرت الاغتصاب والقتل بالتشويه.
بشأن العمل القانوني الحديث المرتبط بجرائم الحرب، فهو يرتكز على اتفاقية جنيف لعام 1864 وما تلاها، وبالأخص اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين عام 1977، واتفاقيات لاهاي لعام 1989 و1907. والأولى مرتبطة بحماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، أو الذين كفوا عنه، والثانية مرتبطة بحظر استخدام وسائل عسكرية معينة خلال القتال. أما بشأن الالتزام الدولي في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، فقد صادقت عليها كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فيما لم تصل البروتوكولات الإضافية إلى نفس القبول، رغم ذلك اعتبرت جزءًا من القانون العرفي، وأصبحت ملزمة لكافة الدول والتنظيمات.
أما المحاكمة، فالقانون الدولي الإنساني العرفي يشير إلى إمكانية أن تكون الولاية القضائية محلية، وأن تقوم الدولة بالتحقيق بالجرائم التي يرتكبها مواطنوها أو قواتها المسلحة ومحاكمتهم. أما الانتهاكات الجسيمة فتكون ضمن الاختصاص الدولي. ومن نماذج هذه المحاكم، إنشاء المحاكم العسكرية الدولية في نورمبرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية، ومحاكم جنائية دولية للجرائم في يوغوسلافيا ورواندا والمحكمة الخاصة لسيراليون، ومحاكم كمبوديا، وهي محاكم دولية خاصة تم تأسيسها عقب أحداث معينة.
بشأن العمل القانوني الحديث المرتبط بجرائم الحرب، فهو يرتكز على اتفاقية جنيف لعام 1864 وما تلاها، وبالأخص اتفاقيات جنيف الأربعة
بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام 2002 واعتمدت ميثاق روما، فهي أول محكمة دولية تنشأ بمعاهدة دولية دون أن يكون لها علاقة بجرائم حرب مرتكبة في نزاع مسلح معيّن، ويتضمن اختصاصها، وبشكل واضح جرائم الحرب المرتكبة خلال النزاعات المسلحة غير الدولية، وتأسست كهيئة مستقلة عن الأمم المتحدة عقب تصويت جرى في عام 1998، بأغلبية 130 صوتًا.