23-يوليو-2024
سفينة صينية تعترض طريق سفينة فلبينية في بحر الصين الجنوبي

تسعى واشنطن إلى احتواء بكين من خلال دعم الفلبين (رويترز)

يُشجّع أعضاء في الكونغرس الإدارة الأميركية على الانخراط أكثر في نزاعات بحر الصين الجنوبي، لا سيما النزاع بين الفلبين والصين على اعتبار أن مانيلا هي إحدى أدوات واشنطن الاستراتيجية لاحتواء بكين.

وكانت إدارة بايدن قد قامت بالفعل، خلال الأشهر الأخيرة، بتكثيف النشاط العسكري للبحرية الأميركية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. وكشفت مخرجات قمة "الناتو" في واشنطن عن عزم حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، على التعمق في منطقتي المحيط الهندي والهادئ وتعزيز وجوده العسكري فيها، الأمر الذي اعتبرته بكين تحولًا صريحًا من الحلف نحو الهجوم على حساب الردع الذي "يدعي" أنه قام لأجله.

وأثارت دعوات أعضاء الكونغرس الجديدة مخاوف لدى التنين الصيني بشأن احتمالية ارتفاع منسوب التوتر في بحر الصين الجنوبي بين مانيلا وبكين، خاصةً أن وسائل إعلام صينية أكدت أن واشنطن قدمت معلومات استخبارية لمساعدة مانيلا من أجل تعزيز حضورها في المحيط الهادئ، الأمر الذي طرح تساؤلات، في الصحافة الصينية الرسمية وشبه الرسمية، عن مدى استعداد وتوجه واشنطن للانخراط بشكل أوضح في الصراع العسكري في بحر الصين الجنوبي، والدخول في مواجهة مباشرة مع بكين؟

ناقوس خطر صيني

حذّر خبراء صينيون من أن الصراع الشامل في بحر الصين الجنوبي ليس في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. وجاء هذا التحذير عقب دعوة أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس جو بايدن إلى تقديم دعم ملموس للفيليبين.

شجّع بعض أعضاء الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس بايدن على التدخل أكثر في نزاعات بحر الصين الجنوبي بتقديم دعم ملموس للفلبين

وفي هذا السياق، قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية الصينية الناطقة بالإنجليزية، إن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي شجّعوا إدارة بايدن على التدخّل أكثر في نزاعات بحر الصين الجنوبي بتقديم إشارات واضحة لدعم مانيلا في صراعها مع بكين.

ونقلت الصحيفة الحكومية الصينية عن خبراء قولهم إن الولايات المتحدة: "لا ينبغي أن تقودها قوى سياسية، دافعها الوحيد هو تسميم العلاقات مع بكين وإثارة التوترات الإقليمية، وأن الصراع الكامل في بحر الصين الجنوبي لا يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة، وأن الفلبين ليست قطعة الشطرنج المناسبة للتحرك ضد بكين".

وكان السيناتوران جيم ريش، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وروجر ويكر، عضو لجنة القوات المسلحة بالمجلس نفسه، قد وجّها خطابًا إلى بايدن: "طالباه فيه بتقديم خيارات الرد على الفور لإظهار المزيد من الدعم لمانيلا، بدلًا من مجرد الاستجابة اللفظية".

وأكدت صحيفة "غلوبال تايمز" أن هناك قوى سياسية راسخة في الولايات المتحدة تنظر إلى الصين بإحساسٍ عميق الجذور بالعداء. ونقلت عن نائب مدير معهد القانون والسياسة البحرية في المعهد الوطني لدراسات بحر الصين الجنوبي، دينغ دو، قوله إن هؤلاء في الكونغرس الأميركي وغيره: "يعارضون أي شيءٍ مرتبط بالصين ويدفعون نحو زيادة الضغط على الحكومة الأميركية فيما يتعلق بالشؤون الصينية. وعلى الرغم من أنهم قد لا يمثلون الحكومة الأميركية رسميًا، يجب أن نكون حذرين من السماح لهؤلاء الأفراد بالهيمنة على المناقشة بشأن المسائل المتعلقة بالصين"، وفق تعبيره.

ومع ذلك، يرى الخبير الصيني أن لدى الإدارة الأميركية الحالية رغبة في رؤية التوتر في بحر الصين الجنوبي، لكن من دون وصول التصعيد إلى صراعٍ كامل، لافتًا إلى أن هذه كانت وستظل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

وأضاف أنه: "إذا تصاعد الموقف بين الصين والفلبين بسرعة كبيرة، فإن الولايات المتحدة ستخشى فقدان السيطرة. وعلى العكس من ذلك، إذا قام الجانبان بحل مشاكلهما تمامًا، فإن الإدارة الأميركية ستخاطر بفقدان مانيلا باعتبارها أداةً استراتيجية لاحتواء بكين".

ذات الفرضية (إثارة التوتر دون تصعيد كامل) راهن عليها الباحث المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، الذي قال: "إن الإدارة الأميركية تدرك جيدًا تكلفة الدخول في صدام مباشر مع الصين، خصوصًا مع انهماكها في ملفات شائكة مثل الأزمة الأوكرانية والحرب على غزة، واستهداف مصالحها في منطقة البحر الأحمر، إضافةً إلى الوضع الداخلي المترهل، والأحداث التي شهدها السباق الرئاسي بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب أخيرًا وتداعيات ذلك على حالة الأمن والاستقرار داخل الأراضي الأميركية".

خفر السواحل الصيني يعترض طريق سفينة فلبينية

وبناءً على كل ذلك، يستنتج الباحث الصيني أنّ الإدارة الأميركية الحالية: "ليست في وارد مجرد التفكير في خيار المواجهة مع بكين في بحر الصين الجنوبي"، لافتًا إلى أنه حتى في الوضع الطبيعي، فإن الاستراتيجية الأميركية: "تدفع باتجاه محاصرة الصين بقوى معادية تعمل كوكيل لواشنطن في المنطقة عبر تحالفات إقليمية ودولية، فضلًا عن الدعم اللوجستي وتسخين الجبهات على طول خط المواجهة، من دون أن تترتب على ذلك أي تكلفة تدفعها الولايات المتحدة"، على حد توصيفه.

ومع ذلك، يشار إلى أنّ الولايات المتحدة والفلبين مرتبطتان باتفاقية دفاع مشتركة تم توقيعها عام 1951، تتضمن التزامات أميركية صريحة بالدفاع عن مانيلا تحت بند الدفاع المتبادل في المادة الرابعة من الاتفاقية المذكورة. ولطالما ألمحت الإدارات الأميركية إلى ذلك بالقول إن الهجوم على الفلبين من شأنه أن يستدعي التزامات الدفاع المشترك، كما دأبت الفلبين هي الأخرى على استخدام هذه المعاهدة ضد التهديدات الصينية.

وكثّفت مانيلا، عبر وسائل إعلامها، من التلويح بمعاهدة الدفاع المشترك، في الأيام والأسابيع الأخيرة التي تلت حادث التصادم الأخير بين خفر سواحل البلدين في منطقة بحر الصين الجنوبي في شهر حزيران/يونيو المنصرم.

احتواء التوتر

أعلنت الصين والفلبين، الثلاثاء الماضي، نيتهما فتح خط اتصال مباشر بين المكتبين الرئاسيين، الصيني والفلبيني للمساعدة في منع أي مواجهة جديدة من الخروج عن السيطرة في بحر الصين الجنوبي، وذلك بموجب اتفاقية وُقِّعَت أخيرًا بينهما. 

وكان البلدان، قبل ذلك، قد أنشئا خطوطًا هاتفيةً طارئة على مستويات أدنى خلال العام الماضي لإدارة النزاعات بشكل أفضل، لكن الصدامات بينهما استمرت بوتيرة أسرع، ما أثار مخاوف من اندلاع صراع مسلح أكبر قد يشمل دخول أطراف خارجية على خط المواجهة.

لكنّ المتابعين في الصين يعتقدون أن تأسيس خط الاتصال الجديد، على مستوى الرئاسة في البلدين، سيساعد في إدارة النزاعات في بحر الصين الجنوبي عبر القنوات الدبلوماسية، وسيضع حدًا للتوتر المتصاعد بينهما دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارجية، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.