من المثير للاهتمام أن تجد في حياتك الشخصية ما تتحدث عنه، يعني أن تصلح لعرضها في فيلم قصير على سبيل المثال، أن نتناقل أخبارك ونحن نرغب في أن يكون لنا حظ من الحكاية، لكن من يرغب بالتنازل عن حركة قدميه في مقابل أن يصبح مؤثّرًا؟ أن يُسقطه المرض إلى جانب صيده الثمين من الأسماك والكائنات الأقل حظًا، أن يسقط هو والأسماك في المكان الأقل احتمالًا للحياة، أضف إلى ذلك أن يختاره السرطان في قائمته الطويلة.
على الرغبات أن تفصح عن المخاطر قبل أن تروّج للنهايات السعيدة لأبطالها، لا أعتقد أن أحدًا سيختار لنفسه سيناريو مثل هذا، وفيه ما فيه من احتمالات: أن لا تنجو، أن تنجو بكرسي متحرك، أن لا تحرك أطرافك، أن لا يكتفي المرض الخبيث بهذه الخسائر، أن يطارد حياتك ذاتها. ماذا عن المختلف الذي تريده أن يصبح مادة الفيلم؟ لا يكفي أن تقول اختارني المرض، لا توجد إثارة في هذا، هناك فقط حالة من التعاطف الضروري، لكن ماذا لو تعاطف صاحب المرض والعجز مع حال البشر السليمين على الظاهر؟ إنهم لا يتقدمون خطوة إلى الحياة كما يفعل صاحب الكرسي المتحرك، الكرسي الذي هو الأسرع والأكثر قدرة على بلوغ ما يريده صاحبه.
في حالة آرون أندرسون كان يجب أن يظهر بكرسيه المتحرك، أثناء لقائنا به في مدينة غوتنبرغ، ثم بمجرد أن يتحدث لا يعود مهمًّا أن تكون بقدمين، أن تتحرك بحرية أو أن تعتاد على قيادة كرسيك المتحرك منذ العاشرة من عمرك، حتى الحديث عن السرطان يصبح موضوعًا أقل أهمية من السباحة لمسافة سبعة وثلاثين كيلومترًا في مياه باردة، مع ملاحظة أن هذه السباحة تم إنجازها اعتمادًا على جسم معطلة أقدامه، وعلى رغبة آرون في بلوغ ما يستطيعه آخرون من ذوي الأطراف السليمة، أو بلوغ ما لا يستطيعونه.
لم أكن مقتنعًا تمامًا بضرورة التقاط صور الأطفال في مراحل نموهم، أحيانًا لا أجد البعض يتصرفون على نحو أرشيفي بما يتعلق بصور أطفالهم، في حالة صديقنا السويدي كان للصور دور عظيم في استخدامها كدليل على أن الطفل آرون كان يحظى بقدمين استطاع تحريكهما على نحو طبيعي حتى سن التاسعة، ثم يأتي مشهد الطفل داخل المستشفى مرغمًا على استقبال العديد من تجارب العلاج، المهم أنك لا تجد في وجه آرون الشاب علامة واحدة على الحظ العاثر، على المأساة التي حدثت له دون غيره من الجالسين بإرادتهم، لماذا؟ لأن أيًّا من الجالسين لم يتسلق جبل كيبنيكايسه المعروف بقمّته الأعلى في السويد، بالإضافة إلى قيادة الدراجة الهوائية لمسافة 1253 كم من مالمو إلى باريس مستخدمًا يديه.
حقيقة لقد شعرت بالندم على ما كتبته سابقًا عن الأقدام التي لا أستطيع تحريكها، عن حالة الذعر من المحاولة، تكرارها، ومن الفشل مرة أخرى، لكن ماذا عن تسجيل لحظة واحدة لصالح الربح؟ لجولة واحدة فقط لا نقبل فيها غير شعور الرابح بلا منازع، حتى لو كان إحراز هدف في مباراة ودية، تقام داخل حدود "الحارة"، أجزم أن هذا الهدف سيمنح شعورًا إيجابيًا نحتاجه لبلوغ يومنا القادم.
لا أعرف لمَ خطرت ببالي رواية "نهاية رجل شجاع"، أثناء استماعي ومشاهدتي للرجل الجالس على كرسيه المتحرك، بالمناسبة فقد اختار آرون الجلوس على الكرسي لا المشي على عكازتين، فالكرسي حقق له السرعة التي يريد.
تساءلتُ عن خيارات مفيد الوحش، بطل رواية حنا مينه، بين أن يكون بطلًا حيًّا، أو أن يختار الموت ببطولة، البعض نظروا إلى الأمر على أنه انتحار بصورة بطولية، هذا لم يكن سؤالي، ما يهمني هو إمكانية أن لا ينتصر الكرسي أو المرض على قدرة الكائن البشري، خاصة بين من يتمتعون بالقدرة على المواجهة كما في حالة مفيد الوحش، ومن يقاومون الشعور بالعجز كما في حالة آرون أندرسون، فكرة القدرة لا فكرة العجز بصوره الناقصة.
اقرأ/ي أيضًا: