البداية
يعتبر برنامج الكاميرا الخفية (Candid Camera) هو الأول من نوعه في التاريخ الذي ظهر على شاشة التلفزيون، حيث بث لأول مرة عام 1948 على قناة (CBS) الأمريكية، وكان قبلها قد بُث على الراديو تحت اسم (The Candid Microphone) في 28 حزيران/يونيو 1947. واستمر هذا العرض التلفزيوني حتى 2004 حيث توقف بعد أن أغلقت شبكة (PAX TV) التي انتقل إليها العرض عام2001، ثم عاد للظهور بحلقات جديدة مدتها ساعة على (TV LAND) في العام 2004.
يعتبر كثيرون أن برامج الكاميرا الخفية إضافة للترفيه فإنها تُعد توثيقًا لحال بلد ما في فترة ما، من حيث مظاهر الحياة والمباني والشوارع والأزياء وأحوال المعيشة
تضمن العرض كاميرات مخفية تصور أشخاصًا عاديين يواجهون مواقف غير عادية وترصد هذه الكاميرات ردود الأفعال وبعد أن تنكشف الخدعة يتم إخبار الضحايا باللازمة الشهيرة "ابتسم، أنت في الكاميرا الخفية"، لينتهي بذلك المقلب مع ابتسامة كبيرة.
اقرأ/ي أيضًا: الكاميرا الخفية والأنظمة الواضحة
يعتبر كثيرون أن برامج الكاميرا الخفية إضافة للترفيه فإنها تُعد توثيقًا لحال بلد ما في فترة ما، من حيث مظاهر الحياة والمباني والشوارع والأزياء وأحوال المعيشة. ويمكن كذلك أن تكون وسيلة للتعرف على مجتمع ما، من حيث سلوك أفراده وأخلاقهم وإنسانيتهم.
برامج المقالب في مصر: تحولات وتطورات
أما في الوطن العربي فقد انطلقت هذه البرامج من خلال عرض "الكاميرا الخفية" الذي قدمه فؤاد المهندس في عام 1983، ومثَّل فيه إسماعيل يسري ومحمد جبر. وهو من إعداد وإخراج طارق زغلول وإنتاج وكالة طارق نور. وقد عُرض في عدة دول، وحظي بنسب مشاهدة عالية.
تتميز برامج الكاميرا الخفية في الوطن العربي بأنها تُبث يوميًا في الموسم الرمضاني. كان يتضمن برنامج المهندس افتتاحية يقدمها بنفسه ويعرّف من خلالها بمضمون الحلقة الذي يستهدف أحد الموطنين، وأحيانًا بعض المشاهير مثل حلقة سحر رامي التي تم إحياؤها من جديد بعد استذكارها من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
استمر هذا البرنامج لسنوات حتى قدمه محمود الجندي وكانت أفكاره تتنوع ويستعين بممثلين من ذوي الشهرة المحدودة، لكن البرنامج لم يلاق نجاحًا كبيرًا كما تذكر وجيدة عبد اللطيف في مقالها "تاريخ برامج المقالب في مصر".
تذكر وجيدة أن برنامج إبراهيم نصر بنسخه المتعددة كان هو الأشهر نظرًا لتعدد شخصياته وأفكاره، حتى تم استثمار شخصيته الأشهر "زكية زكريا" في السينما. واستمرت هذه البرامج على وتيرة هادئة وخيفة ولها مكانة محفوظة من الأمسية الرمضانية في البيت العربي، مرورًا بمقالب حسين الإمام حتى نصل إلى اللحظة الفارقة، سلسلة برامج رامز جلال المثيرة للجدل والتي بدأت من "رامز قلب الأسد" في 2011 حتى "رامز عقله طار" 2021 في هذا الموسم. أحدث رامز طفرة في برامج المقالب من خلال نسب المشاهدات العالية إضافة إلى الجدل الذي يثيره كل موسم، حيث يواجه العديد من الانتقادات من عدة أطراف سواء كانوا فنانين إعلاميين أو حتى الجمهور العادي على مواقع التواصل الاجتماعي.
اللحظة الفارقة في برامج الكاميرا الخفية هي سلسلة برامج رامز جلال المثيرة للجدل التي بدأت مع "رامز قلب الأسد" في 2011
يعتمد رامز في برامجه على ثيمة استضافة أحد المشاهير وتعريضه لموقف يثير الخوف والهلع من أجل رصد ردة فعله وبعدها يتم مصارحته من خلال رامز نفسه وتكون ردود الفعل بعد معرفة رامز عنيفة أحيانًا، مثلما حصل في حلقة سيرين عبد النور حيث قام زوجها بتكسير معدات التصوير ومهاجمة كادر العمل، كذلك ردة فعل اللاعب شيكابالا كانت لا تخلو من العنف بعد ان كشف الخدعة مبكرًا وهاجم رامز والمصورين. ولأجل تجنب هذه الأمور بدأ صنّاع البرنامج باعتماد آلية الاتفاق المسبق حيث يكون لدى الضيف المشهور دراية بأنه مقبل على مقلب مع رامز دون أن يعرف ماهي فكرته، وهذا ما أكده العديد من الفنانين مثل مايا دياب ومحمود حميدة وغيرهم الكثيرين.
تتضمن هذه الاتفاقات أجورًا عالية إزاء حضور النجوم للمقلب، حيث بلغ أجر ظهور النجم الهندي العالمي شاروخان في نسخة "رامز تحت الأرض" 500 ألف دولار، حسب بعض المصادر.
اقرأ/ي أيضًا: برامج الكاميرا الخفية في تونس.. تخمة الترهيب
يلاحظ أيضًا أن نسب المشاهدة تتفاوت حيث تبدأ عالية مع بداية كل موسم وتنخفض تدريجيًا بعد توالي الحلقات حيث تتكشف الفكرة فيتبدد الفضول ويتسرب الملل لأجواء البرنامج، وما يؤكد ذلك هو تناقص ظهور الإعلانات تدريجيًا مع التقدم في أيام الموسم الرمضاني.
بعد نجاح رامز على مستوى المشاهدات والإعلانات دخل الكثير من الفنانين على خط المقالب، لكن تجاربهم لم تكن بنفس المستوى من النجاح والمشاهدة، بل قوبلت بازدراء شديد من قبل المشاهدين الذين بقوا يتصيدون الأخطاء التي يقع بها صناع هذه البرامج، ويكشفون أحيانًا فبركتها، لذلك فإن هذه البرامج تنتهي ويظل رامز هو الوحيد مستمرًا في لعبته التي تثير الهلع في نفوس ضيوفه وتحقق الكثير من المشاهدات والأرباح.
برامج المقالب في العراق: العنف سمة أساسية
بدأت برامج المقالب في العراق متأخرة، حيث عرض في العام 1997 برنامج الكاميرا الخفية الذي قدمه هاشم سلمان ونورا سعيد، وكان من إعداد وتمثيل يوسف جمعة، ويشاركه أيضًا سامي شوكت ومحمد إبراهيم، ومن إخراج عادل داوود سلمان.
كان البرنامج غني بالفقرات، وفقرته الرئيسة كانت استضافة أحد مشاهير الفن أو الأدب والرياضة، ويقوم يوسف بلعب دور المجنون ببراعة شديدة حتى يقتنع الضيف تمامًا، إضافة إلى ذلك فإن يوسف يقوم ببعض ألعاب الخفة، وكذلك يوهم ضيوفه بأنه يقرأ الطالع، تتخلل هذه الفقرات فواصل موسيقية واستعراضية، إلى جانب فواصل كان يقلد فيها يوسف أصوات بعض المطربين المشاهير، وحقّق هذا البرنامج وقتها شهرة كبيرة.
بعد 2003، حاول هاشم سلمان تكرار تجربة الكاميرا الخفية في الموسم الرمضاني من خلال بعض البرامج على قناة العراقية، لكنها لم تحقق تلك الشهرة وبقي هذا النوع البرامج مغمورًا حتى 2009 حيث ظهر برنامج "خلّ ن بوكا" على قناة البغدادية، وهو من تقديم الإعلاميين علي الخالدي وهبة نبيل، إما الإعداد والخراج فكان لرأفت البدر.
تظهر سمات العنف في برامج المقالب العراقية من خلال إشارة عنوان أحدها إلى معتقل بوكا في البصرة، الذي كان تحت سيطرة القوات الأمريكية
تظهر سمات العنف بداية من العنوان مزدوج المعنى الذي يشير إلى معتقل بوكا في البصرة والذي كان تحت سيطرة القوات الأمريكية. كذلك كان ديكور الأستوديو على شكل معتقل معلقة على حيطانه أدوات التعذيب، ويرتدي المقدم حازم حامل الأسئلة ويلعب دور المحقق الذي يستفز الضيف الفنان ويعذبه بأسئلته، حتى يخرجه عن شعوره فيقدم الضيف على ضرب المقدم والاعتداء عليه لفظيًا وجسديًا، وكان المخرج يحرص على تسجيل موقف الاعتداء لأنه لم يكن يوقف المقلب دون أن يحصل اعتداء بالضرب من قبل الضيف.
اقرأ/ي أيضًا: شاهد.. أكثر 5 مقاطع "زكية زكريا" شهرة للفنان الراحل إبراهيم نصر
حقق البرنامج شهرة كبيرة وقتها وأصبح مقدمه علي الخالدي نجمًا في الإعلام العراقي وحاول استثمار هذا النجاح مرات عديدة من خلال تكرار برنامج المقالب بأفكار جديدة. حيث قدم في السنة التالية، في 2010، على نفس القناة الموسم الثاني من البرنامج تحت اسم "يلا نبوكا" وكانت الفكرة أن يستضيف علي الخالدي أحد الفنانين بسيارته، وبعدها يمرون على نقطة أمنية تفتشهم ليجدوا في سيارة الفنان الضيف عبوة ناسفة ويحتجزون الفنان ويكيلون له الشتائم والتوبيخ بينما يقوم فريق من الجيش بمحاولة تفكيك العبوة، وبذلك تكون قد تعاونت قوات الأمن والإعلام على تكريس فكرة العنف وإبرازه كسمة أساسية للمجتمع العراقي. وهكذا استمرت مظاهر العنف في برامج المقالب العراقية عامًا تلو عام دون أي محاولة جادة لإيقافها، خصوصًا أن الكثير من المشاهدين كانوا يستهجنوها وينتقدوها.
في عام 2015، قدمت قناة العراقية، وهي القناة الحكومية الرسمية، برنامج مقالب رمضاني قدمه الفنان حافظ لعيبي، وفكرته أيضًا لم تكن تخلو من العنف حيث تتم فبركة خطوبة لحافظ لعيبي ويجلب معه أحد الفنانين، ثم يتفاجأ الضيف باتهام من لعيبي له بخيانته مع خطيبته بعد أن تترك له رسالة مع كأس العصير، ليبدأ بعدها مسلسل العنف، حتى أنه في أحد الحلقات شجَّ أحد الضيوف رأسه بعد أن كسر كأس العصير وضرب نفسه فسال الدم على وجهه، وهذه طريقة يراد بها إثبات تعرضه للتعدي أمام القانون المدني والقانون العشائري. لا أعرف من أين يتأتى اعتقاد صناع هذه البرامج بأنه يقدمون محتوى لإمتاع المشاهد العراقي متبجحين بكليشيه يتكرر في كل البرامج من هذا النوع وهو "رسم البسمة على وجوه العائلة العراقية". إن هذه البرامج تثير النفور لدى العائلة العراقية وتحاول دائمًا أن تحمي أطفالها من هذه المظاهر لأجل أن تطوي صفحة العنف والدم
لكن صناع المهزلة لا يأبون لذلك، حيث كرر صناع البرنامج أنفسهم الأمر وقاموا بتقديم مقلب آخر في العام 2018، على قناة العراقية الرسمية أيضًا، وكانت الفكرة عنيفة حيث يضمن حفل زفاف لابن الفنان حافظ لعيبي والذي كالعادة يستقدم أحد زملائه ليكون ضحية مقلبه الجديد، ويحصل في الزفاف إطلاق نار مفبرك فتصيب إحدى الرصاصات شخص ما وتقتله، فيحضر أهل القتيل من أجل إدانة القاتل وتحصل مجاذبات وصراع لفظي وجسدي مع الفنان الضيف، وعلى هذا الإيقاع استمرت برامج المقالب كل عام تدور في فلك العنف والرثاثة والعجيب رغم استهجانها من قبل أغلب المشاهدين، إلا أن الماكينات الإعلامية تصر على إنتاجها وتقديمها للمشاهد الذي سئم هذه السماجة ويعتبرها إهانة له ولذكائه، ومع كل موسم تزداد نسبة العنف ومظاهره، إضافة إلى إهانة قوات الأمن وتسخيف دور القانون كما في برنامج (دقلات) الذي عرض في عام 2019 على قناة الديار، حيث يتم اتهام الضيف بأنه يحمل مواد مخدرة ويجعلوه يصطدم مع ممثلين يؤدون دور قوات أمنية، وشاهدنا كيف أن أغلب الضيوف وهم من المشاهير يستهزئون بقوات الأمن، بل أحيانًا يعتدون عليهم ويهددوهم. كذلك تكرر أكثر من مرة مظهر رفع السلاح من قبل الضيف الضحية كما حصل مع كاتب الأغاني علي الفريداوي والفنان خضير أبو العباس، رغم أن البرامج كانت مفبركة وباتفاق سابق معهما كما تبين بعض الهفوات الإخراجية التي كشفها المتابعين.
حَفِل الموسم الرمضاني الحالي بالكثير من برامج المقالب العراقية، لكن هذه المرة زادت جرعة العنف وحُملت البرامج بخطابات سياسية، وجوبهت هذه البرامج برفض كبير من المشاهدين، وهذا ما عكسه التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، كان الرفض موجه لبرنامجين هما "طنب رسلان" و"طلقة توني"، اما الأول فهو محاولة بروباغندا للفصائل المسلحة، لكنها جاءت بنتائج سلبية لكون الفكرة كانت عنيفة، وتعرض الضيوف خلالها للخطف والاعتداء مع الكثير من المواقف المؤذية والمخجلة، التي تثير الهلع فيهم والشفقة عليهم، لكنهم بالنهاية جزء من هذه المهزلة لأنهم وافقوا على الظهور بهذا الشكل الرث والرخيص، حتى إن إحدى الفنانات تم تكريمها بسيارة بعد أن نكأ البرنامج جرحها لان أخيها الجندي استشهد سابقًا في الحرب ضد داعش.
صار البرنامج مثار جدل كبير وقام ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بحملة لإيقاف البرنامج تحت هاشتاك #طنب_رسلان_برنامج_إرهابي.
في مداخلة له خلال برنامج جعفر توك على قناة DW، قال الكاتب والصحفي محمود جمعة "إنه برنامج إرهابي بامتياز لأنه قائم على الترويع والترهيب، إذ لم تمض سوى ثلاث سنوات على دحر داعش ثم تأتي قناة تلفزيونية تكرس نفس أفعال داعش، ما زالت جراحنا تقطر دمًا من مخلفات داعش، وهذا البرنامج هو محاولة لتلميع صورة الفصائل المسلحة لجعلها في صورة المخلص والمنقذ".
حَفِل الموسم الرمضاني الحالي بالكثير من برامج المقالب العراقية، لكن هذه المرة زادت جرعة العنف وحُملت البرامج بخطابات سياسية
اقرأ/ي أيضًا: لم تعد مسرحًا كبيرًا.. الدنيا الآن مَقلب كبير
أما البرنامج الثاني فهو لا يختلف عن البرامج التي قدمت في السنوات السابقة، نفس الأسطوانة المشروخة تتكرر حيث يسقط مقدم البرنامج جراء رصاصة طائشة ويبقى ينازع في الأرض، أمام هلع الضيف وذهوله، لكن في إحدى الحلقات تتم استضافة لاعب المنتخب العراقي لكرة القدم أيمن حسين وبعد أن يكتشف المقلب مبكرًا يمسك بخناق المقدم ويعتدي عليه بالضرب وهو يردد "كتلك لا تسويها وياي"، إذ يبدو أنه سئم من مقالب توني حتى أبرحه ضربًا هذه المرة في مشهد عنيف ويؤذي كل من يشاهده، إلا أن الكثير من المشاهدين قد أشعرهم المشهد بالراحة فشجعوا أيمن على فعلته لأنهم كان يرونه ضربًا مستحقًا، وهذا الأمر نتيجة فورية وسريعة لهذه البرامج التي تكرس العنف وتجعله يُشعر المشاهدين بالرضا.
اقرأ/ي أيضًا: