دخل ما يزيد عن ثلاثة ملايين موظف جزائري في القطاع العام في إضراب لمدة يومين، 17 و18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ومن المتوقع أن ينظموا إضرابًا ثانيًا يومي 24 و25 من نفس الشهر، وذلك لدفع الحكومة الجزائرية للتراجع عن مشروع قانون يتعلق بإلغاء التقاعد المسبق أو النسبي دون شرط السن ومنع تمريره في البرلمان للمصادقة عليه. ووجهت النقابات العمالية في قطاعات التربية والتعليم والصحة والبلديات والجامعات اتهامات للحكومة الجزائرية بعدم إشراكها ولا استشارتها فيما يتعلق بقضايا العمال واتخاذها لـ"قرارات منفردة".
قطاع التربية الجزائري، كان أهم قطاع استجابت فيه الفئة الشغيلة لنداء الإضراب مسجلًا نسبة مشاركة بـ80%
اقرأ/ي أيضًا: صيف ساخن في قطاع التربية الجزائري
النقابات اعتبرت الإضراب "مصيريًا" لأنه يخص الملايين من عمال القطاع العام، وقد أعلن رئيس نقابة اتحاد عمال التربية، مسعود عمراوي، عن نجاح الإضراب الأول، بتسجيل استجابة واسعة لدى موظفي وعمال التربية. كما دعا عمراوي في تصريحات لـ"ألترا صوت" مختلف النقابات، في شتى القطاعات، إلى "تحمل مسؤولياتها وإثبات وعيها الذي يترجمه الإضراب"، بهدف ما أسماه "الحفاظ على المكتسبات وضمان تحقيق مطالب الموظفين". يُذكر أن قطاع التربية، كان أهم قطاع استجابت فيه الفئة الشغيلة لنداء الإضراب مسجلًا بذلك نسبة عالية من الاستجابة فاقت الـ80%.
المشاركة الواسعة لقطاع التربية في الإضراب يعكس بنظر الكثيرين استمرار الخلاف بين الوزارة والنقابات ونتيجة حتمية للجدل القائم بين النقابات ووزيرة التربية نورية بن غبريط وخصومها منذ توليها حقيبة الوزارة في 2014. وعزا المختص في العلوم السياسية عبد الهادي خربوش ما أسماه "الانشقاق" إلى "تخبط وزارة التربية في مشاكل واضطرابات وعدم وجود استقرار في القطاع، فضلًا على تجاوز النقابات في حق ذاتها بقبولها جميع التغييرات والاقتراحات التي تقدمت بها بن غبريط منذ توليها حقيبة التربية ومنها ملفات عدة كملف التقاعد والسكن وغيرها". لافتًا إلى أن "النقابات رضخت لأوامر بن غبريط اعتقادًا منها أنها ستفي بوعودها تجاه مطالبهم، لكن الواقع كان عكس ذلك وهو ما أدى إلى خيار الإضراب في نهاية المطاف".
اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات الجزائر.. العيش الكريم أولًا ودائمًا
وبرأي الإعلامي فاتح إسعادي: "يعتبر دخول 17 تنظيمًا نقابيًا في إضراب احتجاجي على إلغاء التقاعد المسبق أو النسبي، نتيجة لما هددت به النقابات التي كانت تنتظر استجابة من الحكومة بالتراجع عن المشروع". وأضاف إسعادي في تصريح لـ"ألترا صوت" أن "النقابات، وخاصة في قطاع التربية، ترى أن تكريس حق التقاعد المسبق "مكسب" لا يمكن التراجع عنه". وشدد المتحدث على أن الاستجابة في الإضراب كانت واسعة وهو ما سيعمق، في رأيه، "جراح قطاع التربية، الذي لا يكاد يتعافى من أزمة حتى يدخل في أخرى".
من جانبه اتخذ الاتحاد العام للعمال الجزائريين موقفًا مؤيدًا للحكومة حيث يلعب دور المساند لسياساتها، رغم أن مواقفها الأخيرة المتخذة في مجلس الوزراء تهدد العمال ومكاسبهم عبر السنوات، حيث يعتقد المختص في علم الاجتماع السياسي عبد المجيد ساري أن "الحكومة تسير في طريق مسدود خاصة ونقابات التربية والصحة والبلديات تشتغل بشدة على خيار الإضراب لأجل استمالة الطبقة الشغيلة في قطاعات حساسة، واستمالة نواب الشعب من أجل تحميلهم مسؤولية رفض المشروع"، مضيفًا، في تصريح لـ"ألترا صوت" أن "هذا الإضراب سيكون امتحانًا عسيرًا لنواب غرفتي البرلمان الجزائري، وقد سبق لأحزاب السلطة أن مررت مشاريع قوانين رغم غليان الشارع حولها مثل قانون المالية 2017، الذي تم تمريره بالرغم من الضجة التي أحدثتها الكتل البرلمانية لأحزاب المعارضة على اعتبار تأثيره على المواطن".
تتحجج الحكومة بوضع مشروع قانون إلغاء التقاعد النسبي خوفًا من إفلاس صندوق التقاعد خلال الست سنوات القادمة
وتتحجج الحكومة بوضع مشروع قانون إلغاء التقاعد النسبي خوفًا من إفلاس صندوق التقاعد خلال الست سنوات القادمة، حيث ذكر وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي الجزائري محمد الغازي أن إلغاء التقاعد النسبي "شر لابد منه" محذرًا من صعوبات تسديد منح ومعاشات المتقاعدين، ومبررًا ذلك بالأزمة المالية وانكماش موارد صندوق المعاشات.
وذكر تقرير اقتصادي، سُلم لعديد الوزارات المعنية، مقترحات من الخبراء في الجزائر وجملة من الحلول سلمت للحكومة لإنقاذ الصندوق وأهمها أن تتكفل الأخيرة بالمشاريع دون المس من مدخلات صندوق التقاعد الواردة من: "اقتطاعات صندوق البطالة وصندوق التشغيل ومنح ذوي الحقوق، منح ذوي الاحتياجات الخاصة، مصاريف الضمان الاجتماعي"، علاوة على تكفل أرباب العمل بالمنح العائلية وتحديد نفقات تسيير صندوق التقاعد بــ 10% على غرار دول العالم وتجهيز المستشفيات بـ 20%.
كما اقترح الخبراء، عدة مخرجات سلمت لوزارة التربية الجزائرية، أهمها معرفة النفقات الحقيقية لتسيير صندوق التقاعد وتطبيق حق العامل في شراء التقاعد المسبق والاقتطاع المضاعف واحتساب الساعات الإضافية في التقاعد المسبق، علاوة على استحداث صندوق تضامني للتقاعد المسبق وإشراك النقابات المستقلة في مراقبة تسيير صندوق التقاعد.
وعلى الأرض يبدو أن التحرك النقابي في الجزائر، والإضراب الذي التفت حوله 17 نقابة سيكون له أثر كبير في تذبذب الدراسة، كما يأمل الداعون له أن يكون له تأثير إيجابي في تمكين المواطن من الخدمات الصحية على مستوى المستشفيات والإدارات العمومية. من جانبها، الحكومة الجزائرية أمام "واقع اقتصادي مريب"، ستواجهه الجزائر بسبب انخفاض أسعار النفط وعدم تمكنها من مواصلة خططها وسياسات دعم أسعار المواد الأساسية واسعة الاستهلاك وتوفير السكن الاجتماعي ودعم أسعار النقل والخدمات الصحية.
اقرأ/ي أيضًا: