الترا صوت - فريق التحرير
بعد يومين من انتهاء القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، أعلنت بولندا عن تعرض برلمانيين وصحفيين لهجوم سيبراني مصدره الأراضي الروسية، لكن الأمر لم ينته أمام الهجوم السيبراني، فقد أعلنت ألمانيا لاحقًا عن إيقافها عالمًا روسيًا بتهمة التجسس لصالح موسكو، في خطوة تثير العديد من الأسئلة عن جدوى القمة الأمريكية – الروسية، والتي ألحقت باستهداف شركاء واشنطن الغربيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتكتل الأوروبي معًا.
ما كان لافتًا في الأنشطة التجسسية الروسية المرتبطة بألمانيا وبولندا، أنها جاءت بعد بضعة أيام من القمة الأمريكية – الروسية أولًا، والجولة التي أجراها بايدن في أوروبا ثانيًا
تفاصيل الخبر الذي ورد وفقًا لعديد وسائل الإعلام العالمية، تحدث عن إيقاف الادعاء العام الألماني، يوم الجمعة الماضي، لعالم روسي يعمل كمساعد باحث في مجال العلوم الطبيعية والتكنولوجيا في إحدى الجامعات الألمانية، واكتفت السلطات الألمانية بالإشارة إلى أن العالم يدعى "إيلنور إن"، أوقف للاشتباه بأنه "عمل لصالح جهاز استخبارات روسي منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2020 على أقصى تقدير".
اقرأ/ي أيضًا: هجمات سيبرانية بتقنيات روسية على بريطانيا.. ما علاقة "كورونا"؟
وكالة أسوشيتد برس الأمريكية نقلت أن العالم الروسي التقى ما لا يقل عن ثلاث مرات مع أشخاص تابعين للاستخبارات الروسية ما بين شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 إلى حزيران/يونيو 2021، ويشتبه الادعاء الألماني بأن العالم الروسي "نقل معلومات من رئاسة الجامعة" في مناسبتين، مشيرةً إلى أنه تقاضى مبالغ مالية مقابل الخدمات التي قدمها للاستخبارات الروسية.
وجاء إيقاف الادعاء الألماني للعالم الروسي بعد قرابة أسبوعين على التصريحات التي أطلقها رئيس الهيئة الاتحادية لحماية الدستور الألماني، توماس هالدنفانغ، محذرًا من الأنشطة التي تمارسها موسكو في الوقت الراهن، والتي وصفها بأنه أشبه للنهج السوفييتي إبان الحرب الباردة مع الولايات المتحدة في خمسينات القرن الماضي، مشيرًا إلى ذلك بقوله: "إننا ندرك أن روسيا زادت أنشتطها بشكل كبير.. المستوى الذي تم بلوغه حاليًا لم نشهده من قبل إلا في فترات الحرب الباردة".
تزايد أنشطة روسيا التجسسية منذ بداية العام الجاري
وقبل إعلان برلين إيقافها للعالم الروسي بثلاثة أيام، كانت بولندا قد أعلنت على لسان زعيم الحزب القومي البولندي الحاكم، ياروسلاف كاتشينسكي، أن سياسيين بولنديين وصفهم بـ"الكبار" كانوا هدفًا لهجوم سيبراني مصدره روسيا، وفقًا لما أظهر تحليل البيانات التي عملت عليها أجهزة الاستخبارات البولندية، وبحسب عديد وسائل الإعلام الغربية فإن الهجوم السيبراني استهدف وزراء ونواب بالإضافة إلى صحفيين، وجميعهم من الجنسية البولندية.
وبرزت بشكل لافت خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري أنشطة روسيا التجسسية التي استهدفت عددًا من الدول الأوروبية، والتي يأتي من ضمنها إعلان الادعاء الألماني إيقاف مواطن ألماني بتهمة التجسس لصالح روسيا في شباط/فبراير الماضي، يشتبه بأنه نقل إلى روسيا بيانات ومخططات تتعلق بمجلس النواب الألماني، ولفتت السلطات الألمانية إلى أن المشتبه به قرر من تلقاء نفسه نقل المعلومات إلى الاستخبارات الروسية.
كما كشف وزير الخارجية الإيطالي لويغي دي مايو في آذار/مارس الماضي، أن السلطات الإيطالية ألقت القبض على قبطان فرقاطة إيطالي ودبلوماسي روسي أثناء تبادلهما لوثائق مقابل المال في اجتماع سري، وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيطالية فإن وثائق خاصة بحلف الناتو كانت ضمن الملفات التي سلمها القبطان للمسؤول الروسي، وهو ما أثار مخاوف أمنية محتملة تتعلق ببقية أعضاء الناتو.
وكانت جمهورية التشيك قد أعلنت عن طردها 18 دبلوماسيًا روسيًا من أراضيها في نيسان/أبريل الماضي، وقالت الحكومة التشيكية حينها إن الدبلوماسيين الروس يعملون كجواسيس لجهاز الاستخبارات الروسي، والمديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية "جي آر يو"، حيثُ يشتبه بتورطهم بانفجار مستودع للذخيرة في فربتيتشي في عام 2014، والذي أسفر عن مقتل شخصين.
هل ينجح بايدن بالوصول إلى اتقاق مع بوتين بشأن أمن الانترنت؟
ما كان لافتًا في الأنشطة التجسسية الروسية المرتبطة بألمانيا وبولندا، أنها جاءت بعد بضعة أيام من القمة الأمريكية – الروسية أولًا، والجولة التي أجراها بايدن في أوروبا ثانيًا، حيثُ تطرق بايدن في القمة التي جمعته مع بوتين إلى الهجمات السيبرانية الروسية التي استهدفت الولايات المتحدة للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية.
وأكد بايدن في حديثه مع بوتين على امتلاك واشنطن لقدرات سيبرانية كبيرة، وتابع محذرًا بوتين من أنه في حال انتهكت روسيا "القواعد الأساسية" فإن الولايات المتحدة سترد. وكان الرئيس الأمريكي قد أشار إلى أن القمة التي جمعته مع نظيره الروسي قد انتهت باتفاقهما "على تكليف خبراء في بلدينا بالعمل على التوصل لتفاهمات محددة، وتابع قائلًا "سنستكشف ما إذا كان بإمكاننا وضع ترتيب بشأن أمن الإنترنت يبدأ في تحقيق قدر من الانتظام"، إلا أن الخبراء شككوا بأن يأخذ بوتين باقتراح الرئيس الأمريكي على محمل الجد.
وعلى الأغلب يستند الخبراء في توقعاتهم إلى حديث بوتين مع الصحفيين عندما قلل من حجم الاتهامات الأمريكية المرتبطة بوقوف موسكو وراء الهجمات السيبرانية التي استهدفت مؤسسات رسمية أو خاصة أمريكية في العام الماضي، مشددًا بذلك على التزام بلاده بمناقشة قضايا الأمن السيبراني مع واشنطن، لكنه أضاف في هذا الشأن "أن الولايات المتحدة مهتمة بالنظر في هذا الأمر"، في إشارة للاتهامات الأمريكية المرتبطة بالقضية ذات الصلة.
وخلال جولته الأوروبية وجه الرئيس الأمريكي رسائل طمأنة لقادة الدول الأعضاء في الحلف، والتي تتجاور في حدودها مع روسيا، والتي تعهد من خلالها بتعزيز قدرات الدول الغربية الأمنية في مواجهة التحديات الروسية، كما أنه كان واضحًا مع شركاء واشنطن الغربيين حين قال: "أعتقد أنه خلال السنتين الماضيتين، أصبح هناك إدراك متزايد أن لدينا تحديات جديدة. لدينا روسيا التي لا تتصرف بالطريقة التي كنا نأملها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين".
هل أصبح الجواسيس الروس أكثر جرأة؟
عند البحث عن وجهات نظر الدول الغربية بشأن الأنشطة الروسية التجسسية، يمكننا الاستعانة بالتقرير الذي أعدته الكاتبة ليلي باير لصالح النسخة الأوروبية من مجلة بولتيكو، والذي عكس اتفاق مسؤولي أجهزة استخبارات الدول الأوروبية الذين تحدثوا في التقرير عن أن "الجواسيس الروس أصبحوا أكثر جرأة"، مؤكدين أن الجواسيس الروس أصبحوا غير مهتمين إذا ما كان عملهم مكشوفًا لأجهزة الاستخبارات أم غير مكشوف.
يعيد تقرير بارير التذكير بالنشاط الاستخباراتي للرئيس الروسي حين كان عميلًا لجهاز الاستخبارات السوفييتي في دريسدن في ألمانيا في ثمانينات القرن الماضي، حيثُ زادت الأنشطة التجسسية لموسكو الشيوعية حينها، والتي كانت تدور في سياق نشر المعلومات المضللة، وتنفيذ عملاء الاستخبارات السوفيتية لعمليات تخريب واغتيال، وبعد الانتكاسة التي واجهت جهاز الاستخبارات السوفييتي الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفييتي، قام بوتين بإعادة الأنشطة التجسسية لروسيا إلى الواجهة مرة أخرى.
ويشير التقرير إلى أن الجواسيس الروس الذين ينشطون في العواصم الغربية دائمًا ما يشعرون أنهم يقيمون في روسيا، وهو ما ينعكس بالمباني كبيرة الحجم التي تتخذ مقرًا للسفارة الروسية، ويقدر الخبراء أن ثلث العاملين في السفارات الروسية هم جواسيس، ينشطون ضمن ثلاثة أجهزة هي: جهاز الأمن الفيدرالي، جهاز الاستخبارات الأجنبية، وجهاز الاستخبارات العسكرية.
وتتقاسم الدول الغربية المخاوف بشأن الأنشطة التجسسية الروسية، سواء من خلال محاولة الجواسيس الروس الحصول على معلومات سرية بهدف تسريبها إلى روسيا، أو عبر عملهم ضد أهداف محددة تتبع في هيكليتها للتكتل الأورويي وحلف الناتو، وهو ما يدل على تغير بأولويات موسكو، حيثُ يرى الخبراء بأن أنشطة موسكو التجسسية تدل على تغير في ديناميكيات القوة داخل أجهزة الاستخبارات الروسية، وفقًا لوجهة نظر الكرملين الذي يرى بأن روسيا في حالة حرب سياسية مع الدول الغربية.
وبحسب ما يرى الصحفي الاستقصائي الروسي أندريه سولداتوف فإن بوتين أصبح محبطًا من جهاز الأمن الفيدرالي في مقابل الأنشطة التي يقدمها جهاز الاستخبارات العسكرية التي ينظر إليها الزعيم الروسي بأنها أكثر فاعلية، إذ يشير سولداتوف إلى أن وحدات الاستخبارات العسكرية ليس لديها فرق بين زمني الحرب والسلم، كما أنهم "أكثر وحشية واستعدادًا لتحمل المخاطر".
إذا كانت عملية طرد الدبلوماسيين كانت تستخدم كوسيلة لتوجيه رسالة إلى موسكو في القرن الماضي، فإنها في القرن الحالي لم تعد فعالة في العالم الرقمي
لا يقدم تقرير بارير إجابة بشأن مخطط الدول الغربية لمواجهة أنشطة روسيا التجسسية، حتى في حالة الطرد الجماعي أو الفردي للدبلوماسيين الروس المتهمين بالتجسس، والتي لا ينظر لها على أنها ذات تأثير كبير، كما تشير رئيسة مركز تحليل السياسة الأوروبية، ألينا بولياكوفا، مضيفةً بأنه إذا كانت عملية طرد الدبلوماسيين كانت تستخدم كوسيلة لتوجيه رسالة إلى موسكو في القرن الماضي، فإنها في القرن الحالي لم تعد فعالة في العالم الرقمي الذي نعيشه حاليًا.
اقرأ/ي أيضًا: