في خطوة مفاجئة، أقال الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة قبل أيام قليلة، رئيس الوزراء عبدالمجيد تبون، بطريقة وصفت بـ"المهينة"، إذ لم يمض عن شغله منصب رئاسة الوزراء سوى 79 يومًا. وجاءت تلك الخطوة من بوتفليقة بسبب "خروج عبدالمجيد تبون عن إطار رؤية بوتفليقة"، كما نقلت صحيفة لوموند الفرنسية عن مصدر حكومي، فيما رجّحت الصحف الجزائرية سبب إقالة تبون بأنه يعود إلى عقد الأخير اجتماعًا مع رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، دون الرجوع للرئيس في ذلك، سيما أن المهمات الخارجية تعد حكرًا على قصر المرداية في تقاليد السياسة الجزائرية.
بعد 79 يومًا فقط من توليه منصب رئاسة الوزراء، أقال بوتفليقة عبدالمجيد تبون وعيّن بدلًا عنه أحمد أويحيى رئيسًا للحكومة الجزائرية
وخلفًا لعبد المجيد تبون، عيّنت الرئاسة الجزائرية السياسي المخضرم أحمد أويحيى رئيسًا للوزراء، وهي المرة الرابعة التي يتولى فيها مثل هذا المنصب، ليصبح في نظر العديد من المراقبين أقرب المرشحين السياسيين لخلافة عبدالعزيز بوتفليقة، الذي لم يُرجّح عدم قدرته على الترشح لولاية خامسة في سنة 2019، وذلك بسبب التدهور الكبير في صحته، البادي للعيان.
من هو أحمد أويحيى؟
أحمد أويحيى البالغ من العمر 65 عامًا، له تاريخ طويل في العمل السياسي، إذ دخل غمار السياسة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وشغل عدة مناصب سياسية ودبلوماسية طوال حياته، أبرزها تقلّده رئاسة الحكومة الجزائرية لثلاث مرات، وذلك خلال الفترة ما بين 31 كانون الأول/ديسمبر 1995 و23 كانون الأول/ديسمبر 1998، وأيار/مايو 2003 وحتى أيار/مايو 2006، ومن 23 حزيران/يونيو 2008 وحتى 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، قبل أن يُعيّن مجددًا رئيسًا للوزراء الأسبوع الماضي، خلفًا لعبدالمجيد تبون.
كما سبق أن شغل أحمد أويحيى، السياسي المحنك، الحاصل على شهادة الدراسات العليا في العلوم السياسية، منصب كاتب دولة مكلف بالشؤون المغاربية، ومديرًا للديوان الرئاسي، ومديرًا للديوان الحكومي، ومناصب سياسية أخرى. وكُلف أيضًا بمهام دبلوماسية عديدة، منها عمله وسيطًا باسم الجزائر في حل النزاع في شمال مالي عام 2002، وممثلًا باسم منظمة الوحدة الإفريقية في النزاع الذي كان قائمًا بين إثيوبيا وإريتريا سنة 2000.
اقرأ/ي أيضًا: دبلوماسية الجزائر.. لا نريد للعالم أن يعرفنا
ويرأس أحمد أويحيى حزب التجمع الوطني الديمقراطي، القوة السياسية الثانية في البرلمان الجزائري، وحليف حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم منذ عقود والذي يتزعمه بطبيعة الحال عبد العزيز بوتفليقة.
لماذا أحمد أويحيى هو الأقرب إلى خلافة بوتفليقة؟
منذ أن تعرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لجلطة مفاجئة جعلته يطير إلى مستشفيات باريس عام 2013، بات وضعه الصحي يثير جدل انتقال السلطة في الجزائر، القضية التي تثير مخاوف محلية ودولية من فشل تمرير السلطة، وما لذلك من تداعيات أمنية وسياسة على مستقبل الجزائر، قد تعيد شبح "العشرية السوداء" مرة ثانية.
ولذلك يسارع صناع القرار في قصر المرداية إلى إجراء ترتيبات استباقية تضمن استمرارية النظام في مرحلة ما بعد بوتفليقة، الذي أقعده المرض على كرسي متحرك وأصبح ظهوره علنيًا نادرًا. وفي هذا المسعى يبرز اسم رئيس الوزراء أحمد أويحيى، كأحد الأسماء الأوفر حظًا لخلافة الرئيس بوتفليقة في الحكم سنة 2019، بفضل خبرته السياسية المديدة وعلاقات الداخلية والخارجية المتينة، التي نسجها طوال مسيرته السياسية، وبفضل أيضًا ما يبدو قربه الشديد من دائرة صنع القرار الأهم في البلاد، وذلك لتكرار الاستعانة به في العديد من المناصب، أبرزها رئاسة الوزراء، في فترات متباينة.
ويشكل كل من الجيش وجهاز الأمن والمخابرات ومؤسسة الرئاسة، لب النظام السياسي في الجزائر، ومنه فإنه من المستبعد قدرة أي مرشح سياسي شغل أي منصب حكومي دون استحضار الفاعلين الثلاثة الأساسيين في الساحة السياسية الجزائرية، وهذا ما يجعل بالتحديد أحمد أويحيى مرشحًا مرجحًا لدخول قصر المرداية سلفًا لبوتفليقة، إذ يتمتع كما سبق ذكره، بعلاقات مقربة مع المؤسستين الأمنية والرئاسية بالجزائر، ولا يبدو أن لدى الرجل أي تطلعات لإجراء تغييرات في النظام السياسي للبلاد، كما أكّد ذلك في تصريحات صحفية، وحين لفت إلى أنّ أكثر ما يهمه في حال حكم البلاد، هو "التحدي الاقتصادي"، بتعبيره.
فضلًا عن أن أحمد أويحيى ينسج علاقات جيدة مع طبقة نخبة المال في الجزائر، والتي أصبح لها تأثير كبير في المشهد السياسي الجزائري من خلال الإعلام والاقتصاد، ومن ثمّ لم يكن مستغربًا مبادرة رجل الأعمال المتنفذ علي حداد ببرقية تهنئة لأحمد أويحيى فور تعيينه رئيسًا للوزراء، وعلي حداد هو رئيس "منتدى رؤساء المؤسسات" الذي يعتبر أكبر تجمّع لرجال الأعمال في الجزائر.
ومن جهة أخرى، يعد العامل الخارجي محددًا أساسيًا هو الآخر في اختيار خليفة بوتفليقة، خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وهما اللتان تنظران بعين التوجس إلى مصالحهما الأمنية والسياسية في المنطقة خلال مرحلة ما بعد بوتفليقة. وأحمد أويحيى لا يفتقد للسمعة الخارجية، إذ راكم علاقات قوية من خلال المهمات الخارجية التي اضطلع بها، حيث سبق وأن اشتغل كاتبًا للشؤون الخارجية، ومستشارًا بالبعثة الجزائرية الدائمة لدى الأمم المتحدة بنيويورك، وأيضًا ممثلًا مساعدًا بمجلس الأمن، بالإضافة إلى شغله مستشارًا بديوان وزارة الخارجية.
لكن طموح أحمد أويحيى لرئاسة الجزائر، قد يصطدم بما يصبو إليه سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، إذ يُشير البعض إلى أنّه يجري الإعداد على قدم وساق لمشروع توريث الحكم للشقيق الأصغر عبر انتخابات 2019، خاصة وأنّ الرجل يُحضّر للترشح في الانتخابات المحلية المزمع عقدها نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمر القادم.
ويعتقد البعض أنّ سعيد بوتفليقة هو الرئيس الفعلي للجزائر الآن، أو من بيده معظم مقاليد الحكم والقرارات السياسية، لكن مع ذلك لن يكون من السهل تمرير طموحه في خلافة أخيه، في ظل وجود أقطاب سياسية وشعبية قوية، ومؤسسات حكم هامة تعارض مسألة التوريث للسلطة في الجزائر تمامًا، خاصة وأنّ أطرافًا داخل السلطة، وفقًا لموقع أصوات مغاربية، تُؤكد على أنّ "دور سعيد في القرار السياسي محدود، ومرتبط فقط بالمنصب الذي يشغله كمستشار للرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
العديد من العوامل تُؤيد احتمالية خلافة أويحيى لبوتفليقة في الحكم، على رأسها قربه الشديد من مؤسسات الحكم الأهم في الجزائر
في المقابل قد يعزز هذا من فرص أحمد أويحيى في دخول قصر المرداية، وهو الذي قد سبق له القول، إنّ "الجزائر ليست مصر، وليس لبوتفليقة توجّه ملكي"، فيما تبدو ضربة استباقية لأي مشروع توريث مُحتمل، لا يرقى بطبيعة الحال رواجًا بين المؤسسات الحاكمة في الجزائر، وهو ما سبق وأن أشارت إليه العديد من التقارير، بينها تقرير لصحيفة موند أفريك الفرنسية، لم يُخفِ وجود صراعٍ بين أويحيى وسعيد بوتفليقة على وراثة كرسي الحكم، لكنّه رجّح في النهاية صعوبة تمرير التوريث لسعيد بوتفليقة.
اقرأ/ي أيضًا: هل الجزائر هي رئيسها فقط؟
وصحيح أنّ هناك أصواتٌ تردد أنّ تعيين أويحيى رئيسًا للوزراء في هذه المرحلة، هي خطوة استباقية لمنعه خوض الانتخابات الرئاسية في 2019، كونه سيكون مُشرفًا عليها من جهة أنه رئيس الوزراء، وهو ما سيفتح الطريق إذن أمام سعيد بوتفليقة، إلا أنّ البعض يرى أنّه على العكس من ذلك، يُعد تعيين أويحيى المفاجئ، بعد إقالة سريعة لتبون الذي حظي بأقل فترة رئاسة وزراء في الجزائر؛ هي خطوة لتقديمه على غيره، في تكرارٍ مشابه لسيناريو التسعينيات الذي دفع ببوتفليقة فجأة للحكم، بعد سنوات قضاها خارج البلاد، وكأنّه قد أوتي به من مؤسسة الحكم ليكون وجهًا جديدًا بديلًا تستقر معه الأوضاع المحتقنة آنذاك في البلاد.
ولعل استدعاء أحمد أويحيى لرئاسة الوزراء في ظرفية حساسة تعيشها الجزائر، مع انخفاض إيرادات البترول وتدهور الوضع الصحي لبوتفليقة، هو بمثابة تكليف مقدم للرجل لتدبير أزمة مرحلة ما بعد بوتفليقة. لكن على كل حال، وحدها الأيام وما ستشهده الجزائر الفترة القادمة، هي من ستحدد الخليفة القادم لبوتفليقة، باعتبار أن خلافته صار أمرًا شبه محسوم.
اقرأ/ي أيضًا:
تعديل الدستور والعجز الدائم في الجزائر
الجزائر تسعى لجذب الاستثمارات.. هل آن الأوان للخروج من اقتصاد النفط؟