أثارت موافقة البرلمان المصري على مشروع قانون يعدل التشريعات المتعلقة بقانون هيئة قناة السويس، جدلًا كبيرًا في مصر، بعدما اعتبر القانون محاولةً لبيع أصول القناة، حيث يسمح القانون بتأجير وبيع أصول القناة. وهي خطوة اعتبرها متابعون أنها قد تكون مقدمةً للتفريط في القناة، وقد استدعت هذه المخاوف من السلطات المصرية التدخل لنفي ما أشيع كما قدم البرلمان توضيحات تتعلق بالتشريع المقدّم من الحكومة والذي قام بالمصادقة عليه.
أثارت موافقة البرلمان المصري على مشروع قانون يعدل التشريعات المتعلقة بقانون هيئة قناة السويس، جدلًا كبيرًا في مصر
وفي التفاصيل، وافق البرلمان المصري على تعديلات قدمتها الحكومة المصرية بشأن القانون رقم 30 لعام 1975 المنظم لهيئة قناة السويس، حيث تضمّن التعديل فقرة تنص على إنشاء صندوق مملوك لهيئة القناة يخوِّل له القانون "شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها"، وبرّرت الحكومة إنشاء هذا الصندوق بهدف "مساعدة هيئة قناة السويس على مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أيّ ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو الاختلالات التي قد يشهدها السوق العالمي".
وبحسب صحيفة "العربي الجديد" فإن هيئة قناة السويس أنشأت صندوقًا خاصًا بها، قبل أكثر من عامين بتوجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشكلٍ مباشر، أيّ قبل إقرار القانون داخل البرلمان. والهدف من الصندوق هو تحويل إيرادات القناة من الموازنة العامة، إلى إشراف الرئيس المصري مباشرةً، بدلًا من أن تساهم القناة في تمويل موازنة الدولة. ويأتي ذلك ضمن التصور المصري الذي يتجه إلى أن تعتمد هيئات الدولة على مواردها الذاتية لتمويل نفسها.
واستدعى ذلك مخاوف من أن يكون القانون الجديد مقدمةً باتجاه "خصخصة" القناة، التي تعد رمزًا وطنيًا مصريًا، وذلك بعد تأميمها عام 1956 وخوض العدوان الثلاثي دفاعًا عن هذا القرار. كما أنها من ناحية اقتصادية تعدّ أحد أهم روافد الخزينة المصرية بالعملة الصعبة، حيث حققت في العام 2021- 2022 وفق إحصائيات الملاحة إيرادًا ماليًا بلغ 7 مليارات دولار.
قناة السويس "خط أحمر"
وعبّر عدد من النشطاء والمنظمات المدنية والأحزاب عن رفضهم مشروع القانون المعدل لتشريعات هيئة قناة السويس، وفي هذا الصدد أعلنت "الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم أبرز تشكيلات وشخصيات المعارضة المصرية" رفضها لخطة الحكومة المصرية التي زكّاها البرلمان ليس فقط لمساوئها الاقتصادية ولكن أيضا "لمخاطرها السياسية والاستراتيجية" حيث أنها تهديد لأمن مصر القومي، حسب بيان الحركة.
وذهب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلى حد الدعوة إلى تأسيس جبهة مشتركة للدفاع عن قناة السويس بشكل عاجل، معتبرا القناة خطًّا أحمر. كما رفض حزب "الاشتراكيين الثوريين" الخطوة، وأصدر بيانًا، جاء فيه "بعد أن تنازل السيسي عن تيران وصنافير دعمًا لعلاقاته بالسعودية وإسرائيل لتثبيت أركان حكمه، ها هو يعود ليوجه حكومته إلى تمرير مشروع قانون خصخصة قناة السويس، عبر برلمان فصلته أجهزة المخابرات بعيدًا عن الشعب المصري وقواه الحية".
كما أصدرت أحزاب الكرامة والعربي الناصري والوفاق القومي بيانات تعارض وتهاجم الخطوة. وما عزز من هذه المخاوف، هو موافقة صندوق النقد الدولي على قرض جديد لمصر قبل أيام، وجاء ضمن اتفاق سري منعت وسائل الإعلام المصرية من تداوله والحديث عنه، مع إشارة إلى إمكانية وجود اشتراطات ومطالبات بالتوجه نحو خصخصة المزيد من موارد الدولة المصرية، مما فتح الباب للتكهنات بارتباط قانون قناة السويس في القرض.
كما عبّر عدد كبير من النشطاء عن رفضهم للقانون الجديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي معتبرين القانون خطوةً لتسليم القناة ورهنها لجهات خارجية. وما زاد من حدة الجدل حول القانون وخطورته، هو تصريحات مستشار الرئيس المصري للموانئ ورئيس هيئة قناة السويس السابق مهاب مميش الذي اعتبر القانون مدخلًا لوجود أجانب في إدارة القناة. رغم ترجيحات بأن تصريحات مميش تأتي ضمن رفض أحد الأجهزة السيادية المصرية للقانون.
رد رسمي
مع تصاعد الانتقادات للقانون المعدل لهيئة قناة السويس وجدت الحكومة والبرلمان نفسيهما مضطرين إلى تقديم توضيحات تنفي السعي إلى التفريط في القناة، وتؤكّد أن الهدف من وراء التعديلات هو الاستثمار الأمثل للقناة بغية تعظيم عائداتها على الدولة المصرية.
وفي هذا الإطار، قال رئيس البرلمان المصري حنفي جبالي إن قناة السويس "مال عام لا يمكن التفريط فيه"، معبّرًا عن صدمته من تحريف القانون من طرف من يفترض أنها "نخبة مثقفة"، على حد زعمه.
بدورها، أصدرت رئاسة الحكومة المصرية بيانًا استغربت فيه تأويل التعديلات بأنها "باب خلفي لبيع القناة"، مشددًا على أن "هيئة قناة السويس وإدارتها ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية وتخضع لسيادتها كما سيظل كامل طاقمها من المواطنين المصريين"، وفق البيان الحكومي. أمّا رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع فقد وصف الحديث حول بيع ممتلكات القناة "بالعاري عن الصحة تمامًا"، قائلًا في هذا الصدد "الممر المائي لقناة السويس مرفق وطني دولي مصري ولن يتم بيع أي جزء منه أو الحصول على أي قرض بضمانة".
وتحدث ربيع في كلمته عن أن فكرة إنشاء الصندوق تعود إلى اقتراح من الرئيس عبد الفتاح السيسي، معلنًا أن رأس مال الصندوق سيبدأ بحوالي 400 مليون دولار، لزيادة الفرص الاستثمارية والأرباح من عائدات القناة، مفرقًا بين أصول الصندوق وأصول هيئة قناة السويس التي ستبقى على حالها وفق تعبيره.
يرى الاقتصادي شريف عثمان، أن التجارب المصرية مع الصناديق تظهر أن ما ينقله إلى ملكيتها هو ما تنوي الحكومة بيعه
مقدمات للبيع؟
ويرى الاقتصادي شريف عثمان، أن التجارب المصرية مع الصناديق تظهر أن ما ينقل إلى ملكيتها "هو ما تنوي الحكومة بيعه، وأن هذه هي الطريقة التي قررت مصر إنشاء صندوقها "السيادي" بها، حيث تساهم فيه بأصولها، وتعمل من خلاله على اجتذاب الأموال الخليجية الراغبة في دخول السوق المصرية، عن طريق بيعها تلك الأصول القيمة". وهذا ما حصل مع شركات الكهرباء المصرية ومع استحواذ شركة موانئ أبوظبي على شركات مصرية.