بعد ساعات من تصويت الكابيتول هيل على إحالة اتهامين رسميين إلى مجلس الشيوخ ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خرج مساعد المحامي الشخصي للرئيس الأمريكي ردوي جولياني في الملف الأوكراني ليف بارناس بتصريحات مثيرة أدلى بها قد تؤثر سلبًا على مخطط مجلس الشيوخ المرتبط بتسهيل إجراءات عزل ترامب لتبرئته من التهم الموجهة إليه.
أكد مساعد المحامي الشخصي للرئيس الأمريكي، في مقابلة مع شبكة MSNBC الأمريكية على معرفة ترامب بتحركاته في الملف الأوكراني، وأنه لم يتصرف بأي شيء بدون موافقة الرئيس أو جولياني
وثائق تكشف التنسيق بين ترامب ومحاميه الشخصي
أكد بارناس – أمريكي الجنسية من أصول روسية – في مقابلة مع شبكة MSNBC الأمريكية على معرفة ترامب بتحركاته، وأنه لم يتصرف بأي شيء بدون موافقة الرئيس أو جولياني، وأضاف بأنه تلقى أوامرًا من الأخيرين لحث المسؤولين الأوكرانيين على فتح تحقيق ضد المرشح الديمقراطي المحتمل لمواجهة ترامب في انتخابات الرئاسة القادمة جو بايدن، مشيرًا إلى أن إقالة سفيرة واشنطن في كييف ماري يوفانوفيتش من منصبها في أيار/مايو من العام الماضي، كانت بسبب تدخلها بالجهود التي كانت تبذلها إدارة ترامب لفتح التحقيق المرتبط بنائب الرئيس الأمريكي الأسبق بايدن.
اقرأ/ي أيضًا: من الرفض إلى القبول.. فرص محاولات الكونغرس عزل ترامب
وقال بارناس خلال مقابلته إن حث الإدارة الأمريكية كييف على فتح التحقيق المرتبط بجو بايدن، وابنه هانتر، لم يكن أبدًا بداعي الفساد، إنما كان متعلقًا بعملهما مع الشركة الأوكرانية بوريسما المنتجة للغاز الطبيعي، لافتًا إلى أن تركيز المرتبطين في القضية من جانب إدارة ترامب كان ينصب على بقائه في منصبه للسنوات الأربع القادمة، حيثُ "لم يكن هناك سبب آخر للقيام بذلك".
وعلى الرغم من انتشار صور لبارناس مع ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي خلال العامين الماضيين، فإن ترامب نفى أن يكون على معرفة بالمحامي الأمريكي، وفي رده على سؤال حول إجابة الرئيس الأمريكي، قال بارناس "إنه كاذب"، في حين رد البيت الأبيض على تصريحات بارناس عبر الناطقة باسمه ستيفاني غريشام بأن المكتب البيضاوي "ليس قلقًا بشأن مزاعم" بارناس.
وكان الكابيتول هيل قد كشف عن مجموعة من المراسلات بين جولياني ومساعده بارناس مرتبطة بإقالة يوفانوفيتش من منصبها أول أمس الأربعاء، والمراسلات جزء من وثائق أُفصح عنها عشية تصويت النواب الأمريكيين على توجيه اتهامين لترامب في إطار إجراءات العزل التي بدأت قبل أكثر من شهرين، بعد بلاغ تحدث عن ممارسة ترامب ضغوطًا على نظيره الأوكراني فولدومير بيلينسكي للحصول على مكاسب شخصية.
وضع السفيرة يوفانوفيتش تحت المراقبة
وأظهرت الأجزاء التي كشف عنها من الوثائق تورط المرشح الجمهوري عن ولاية كونيتيكت للكابيتول هيل روبرت هايد، الذي تصّدر الصحف الأمريكية بنهاية العام الماضي بعد تغريدة هاجم بها السيناتور الديمقراطية المنسحبة من سباق الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية كامالا هاريس.
وهايد الذي لم يرد اسمه في التحقيقات التي قادتها لجان الكابيتول بشأن حملة الضغط على أوكرانيا، كشفت الوثائق عن سلسلة من رسائل نصية تبادلها مع بارناس لمناقشة وضع السفيرة يوفانوفيتش تحت المراقبة، كما أنه وصفها بأنها "خائنة" في رسالة أرسلها لبارناس، وعلق عليها لاحقًا بأنه كان تحت تأثير الكحول عندما أرسلها.
وقالت الحكومة الأوكرانية إن الشرطة المحلية فتحت تحقيقًا جنائيًا لمعرفة إذا ما كان حلفاء الرئيس ترامب قد وضعوا يوفانوفيتش تحت المراقبة عندما كانت على رأس عملها كسفيرة لبلادها في كييف، في خطوة جاءت على عكس توجهات الحكومة الأوكرانية التي حاولت في السابق تجنب اتخاذ خطوات تضعها في صدام مع الإدارة الأمريكية الحالية.
وأكدت وزارة الداخلية الأوكرانية في بيانها على عدم إمكانية تجاهل "هذه الأنشطة غير القانونية"، مضيفًة أن الهدف من هذا التحقيق يكمن فيما "إذا كان قد تم انتهاك القانون الأوكراني والدولي"، أو "إذا ما كان الأمر يتعلق بالتبجح ومعلومات خاطئة خلال محادثة غير رسمية بين مواطنين أمريكيين"، مشيرًة إلى أنها طلبت مساعدة مكتب التحقيقات الفدرالي FBI في تحقيق مرتبط بهجمات سيبرانية روسية تعرضت لها شركة بوريسما.
الصقر الجمهوري بولتون "مستعد للشهادة"
وخلال الأيام الماضية برز تطور جديد في موقف مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون، الذي رفض سابقًا المثول أمام لجان الكابيتول للإدلاء بشهادته في قضية معاملات ترامب مع أوكرانيا، بعدما قال في بيان "إذا أصدر مجلس الشيوخ مذكرة استدعاء لطلب شهادتي فأنا مستعد للشهادة"، ما قد يدعم تقارير سابقة أشارت إلى أن بولتون كان من بين المسؤولين الذين عارضوا بشدة مساعي الضغط على كييف خارج القنوات الدبلوماسية العادية، مشبهًا الأمر بأنه "صفقة مخدرات".
ويطالب الديمقراطيون باستدعاء بولتون وثلاثة مسؤولين حاليين في الإدارة الحالية للإدلاء بشهاداتهم عندما يبدأ مجلس الشيوخ المحاكمة، وقال تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ: "إذا عارض أي سيناتور جمهوري إصدار مذكرات استدعاء للشهود الأربعة والوثائق التي طلبناها فإنهم سيوضحون بما لا يدع مجالًا للشك أنهم يشاركون في عملية تستر".
وهدد ترامب في وقت سابق باستخدام ما يعرف بـ"الامتياز التنفيذي" لمنع بولتون من الإدلاء بشهادته أمام مجلس الشيوخ، وعادة ما يستخدم "الامتياز التنفيذي" كنوع من الحصانة لمنع الشهود من القدوم أو الجلوس على كرسي الشهادة لمواجهة الأسئلة لحماية المحادثات الهامة المتعلقة بمسألة سياسية حقيقية.
ويرى مراقبون أنه لا يمكن استخدام "الامتياز التنفيذي" في محاكمة ترامب، لأننا أمام "جريمة ابتزاز"، بالإضافة لعدم تطبيق "الامتياز التنفيذي" على الأشخاص الذين هم من خارج الإدارة التنفيذية، مع الإشارة إلى أن المحادثات التي أجراها رودي جولياني مع مساعده بارناس لا تخضع للامتيازات التنفيذية.
الديمقراطيون يختارون آدم شيف لقيادة فريق الادعاء
بدأ مجلس الشيوخ رسميًا أمس الخميس محاكمة الرئيس ترامب لبحث إمكانية عزله من منصبه، ووافق 99 من أعضاء المجلس بالتوقيع على بدء إجراءات المحاكمة. بينما تغيّب عضو جمهوري واحد هو السيناتور جيم إنهوف، الذي قال مكتبه إنه متواجد في ولايته أوكلاهوما ليكون بجوار أحد أفراد أسرته بسبب عارض طبي، على أن يوقع في وقت لاحق.
وكان الكابيتول هيل قد صوت أول أمس الأربعاء على إحالة الاتهامين الموجهين لترامب إلى مجلس الشيوخ تمهيدًا لبدء مساءلة عزله اعتبارًا من يوم الثلاثاء القادم، وتضمنت الاتهامات التي وجهت للرئيس الجمهوري إساءة استخدام السلطة بالضغط على أوكرانيا للتحقيق مع خصمه السياسي جو بايدن، وعرقلة عمل الكونجرس بمنع الاستماع إلى شهادات أو الحصول على وثائق كان مشرعون ديمقراطيون يسعون إليها.
ومن المتوقع أن يبرئ مجلس الشيوخ ساحة ترامب نظرًا لعدم إبداء أي جمهوري تأييده لعزله، وهي خطوة تتطلب موافقة 67 عضوًا من مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بـ53 مقعدًا، وقالت زعيمة الكونغرس نانسي بيلوسي قبل بدء التصويت: "جئنا إلى هنا اليوم لاتخاذ خطوة بالغة الأهمية في التاريخ الأمريكي"، مشيرة إلى أن رئيس لجنة المخابرات آدم شيف سيرأس فريق الادعاء ضد ترامب أمام مجلس الشيوخ، فيما يرأس المحاكمة القاضي في المحكمة العليا جون روبرتس.
وسيكون إلى جانب شيف الذي قاد تحقيق المساءلة في الكابيتول، رئيس اللجنة القضائية جيرولد نادلر، رئيس تجمع الديمقراطيين في الكابيتول حكيم جيفريز، زو لوفغرين، فال ديمينجز، جيسون كرو، سيلفيا جارسيا، وفقًا لسلسلة من التغريدات نشرتها زعيمة الكابيتول عبر حسابها الرسمي للتعريف بأعضاء فريق الادعاء في الاتهامين الموجهين لترامب.
ورد البيت الأبيض على اختيار الديمقراطيين لفريق الادعاء بالقول إن ترامب "لم يقم بشيء خاطئ.. ويتوقع تبرئته تمامًا"، فيما توقع زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن تبدأ البيانات الافتتاحية في المحاكمة يوم الثلاثاء القادم.
وخلص تقرير لمكتب محاسبة الحكومة التابع للكابيتول نشر أمس الخميس إلى أن "التطبيق المخلص للقانون لا يسمح للرئيس باستبدال السياسات التي شرعها الكونغرس بأولويات سياساته الخاصة.. مكتب الإدارة والميزانية حجب التمويل لسبب يتعلق بالسياسة وهو ما لا يسمح به بموجب القانون".
ومن المتوقع أن يفرض الجمهوريون في مجلس الشيوخ قيودًا على المراسلين الصحفيين في الكابيتول، من بينها حظر استخدام الأجهزة الإلكترونية داخل مجلس الشيوخ، مما يحد من قدرتهم على تغطية إجراءات المحاكمة بشكل كامل، فضلًا عن فرضه قيودًا أخرى مرتبطة بتحركاتهم، ما قد يمنعهم من طرح الأسئلة لأعضاء المجلس عند خروجهم من الغرف.
بيلوسي تثأر للديمقراطيين بعد 22 عامًا
وفي موقف ثأري يستعيد مشهد عام 1998 عندما قاد الجمهوريون في الكابيتول هيل إجراءات عزل الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، بعد اتهامه بالحنث باليمين الدستوري وعرقلة العدالة على خلفية الفضيحة الجنسية مع المتدربة في البيض الأبيض مونيكا لوينسكي؛ أثارت بيلوسي غضب الجمهوريين أول أمس الأربعاء عندما استخدمت 24 قلمًا نقش عليها توقيعها، ووضعوا أمامها على أواني نحاسية لاستخدامهم في توقيعها على بنود المساءلة قبل إحالتها لمجلس الشيوخ، قامت بعدها بتوزيعهم كهدية تذكارية على رؤساء وأعضاء لجان المساءلة.
اقرأ/ي أيضًا: موقف الديمقراطيين من فصل ترامب عن السياسة
ووصف الحساب الرسمي للتجمع الحزبي الجمهوري في الكابيتول هيل المشهد بـ"ـالمخزي والخطير"، مضيفًا أن القضية بالنسبة للديمقراطيين كانت بمثابة "معركة حزبية" منذ اليوم الأول، فيما قال النائب الجمهوري عن نورث كارولينا مارك ميدوز: "يزعمون أنها مسألة حزينة وخطيرة بقلب كسير.. ثم يمررون أقلام التوقيع على عريضة العزل بأسلوب احتفالي رخيص.. لن تتمكنوا من الوصول لمبتغاكم".
من المتوقع أن يبرئ مجلس الشيوخ ساحة ترامب نظرًا لعدم إبداء أي جمهوري تأييده لعزله، وهي خطوة تتطلب موافقة 67 عضوًا من مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بـ53 مقعدًا
وأشارت المراسلة السياسية لصحيفة الغارديان البريطانية لورين غامبينو إلى أن الأقلام التذكارية استخدمت في موقف مشابه أواخر التسعينات، عندما حصل أعضاء مجلس الشيوخ الذين تعهدوا بالحياد في قضية كلينتون على أقلام كتب عليها "أعضاء مجلس الشيوخ غير المقيدين".