بخطوات حثيثة يشق السيناتور بيرني ساندرز الطريق نحو المنافسة على مكان في البيت الأبيض، وسط خصومه من ذات الحزب الديموقراطي، متصدرًا الانتخابات التمهيدية وحاصدًا الفوز بالتصويت الشعبي في ثلاث ولايات على التوالي، في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ أمريكا. راسمًا ملامح يسارية غير مسبوقة، في تاريخ بلاد كانت تعتبر، وإلى أمد قريب، مصطلح "الاشتراكية" أحد التابوهات المحرمة. فيما أمل ساندرز الآن هو كسب ترشيح حزبه كي يكون المطرقة التي تكسر حكم ترامب، كما يقول، والسد الذي يحرمه من ولاية رئاسية ثانية.
موقف بيرني ساندرز من الرئيس ترامب، ودأبه على مناداته بـ "الكذاب المرضي"، ينم عن تناقض أصيل بين الإثنين، والذي يمتد إلى تصورهما للسياسات الخارجية الأمريكية
موقف بيرني ساندرز من الرئيس ترامب، ودأبه على مناداته بـ "الكذاب المرضي"، ينم عن تناقض أصيل بين الإثنين، والذي يمتد إلى تصورهما للسياسات الخارجية الأمريكية. هذا التمايز الذي ما فتئ ساندرز يعبرُ عنه منتقدًا أحلاف إدارة ترامب، ومصوبًا مدفعيته نحو أهمهم في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية بولي عهدها المثير للجدل محمد بن سلمان، وإسرائيل بحكومتها العنصرية المتطرفة. فيما يرسم بمواقفه بورتريه لرئيسٍ أمريكي مستقبلي، منحاز أكثر ما يمكن من رئيس أمريكي لشعوب العالم الثالث.
اقرأ/ي أيضًا: بعد فوز ساندرز بجولة نيفادا.. كيف أصبحت خريطة التنافس؟
راديكالي ضد نتنياهو.. منحاز "باعتدال" إلى إسرائيل
ليلة الأحد الماضي، أعلن السيناتور بيرني ساندرز في تغريدة على صفحته في تويتر مقاطعته ندوة دعا إليها أكبر لوبي داعم لإسرائيل في أمريكا (AIPAC)، واصفًا إيّاها بـ"المؤسسة التي تسمح فقط للقادة بإطلاق العنان لتعصبهم، وتنكر حقوق الشعب الفلسطيني". وأضاف أنه إذا تم انتخابه كرئيس سيدعم حقوق الفلسطينيين، وسيعمل "على إحلال السلام والأمان في الشرق الأوسط".
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها المرشح الرئاسي بشكل غير مسبوق، أمريكيًا، عن الصراع العربي الإسرائيلي، وإن بطريقة لا زالت داعمة لتل أبيب، إلى درجة بدا أنها تثير إعجاب صحف المعارضة الإسرائيلية. ففي نفس الأسبوع أثناء لقاء إعلامي بثته قناة CNN يوم الأربعاء، 19 شباط/ فبراير، سلّط الضوء على معاناة الفلسطينيين بسبب ما قال إنها سياسات حكومة نتنياهو العنصرية. معتبرًا "أن ندعم الإسرائيليين لا يعني أن ندعم الحكومة اليمينية العنصرية التي تحكم الآن إسرائيل".
كما تطرق ساندرز، في إجابته على تساؤل أحد الحاضرين، إلى الوضع في غزة، واصفًا إيّاه بــ"اللا إنساني”، مشيرًا إلى أن "كون إسرائيل حليفة للولايات المتحدة بالمنطقة لا يعني تجاهل معاناة الشعب الفلسطيني". فيما أكد على أن "ما يجب على الدبلوماسية الأمريكية فعله إزاء هذا الوضع هو أن تجمع الإسرائيليين والفلسطينيين معًا في حوار تحت مظلة العدالة". وختم السيناتور بيرني بأنه "لدى أمريكا كل الوسائل المادية لتحقيق ذلك".
لكن موقف بيرني ساندرز من القضية الفلسطينية يبدو ثابتًا، جزءًا من رؤية قديمة لا ينفك ينادي بها، كباقي مواقفه خلال حملته الانتخابية. حيث سبق للمرشح الديموقراطي أن صرح ذات كانون الأول/ديسمبر الماضي خلال المناظرات الانتخابية أنه "ما يجب على الخارجية الأمريكية أن تكون عليه ليس فقط مناصرة لإسرائيل، بل مناصرة لفلسطين على حد سواء".
وفي ذات المناظرة نعت سيناتور فيرمونت رئيس الحكومة الإسرائيلية بـ "العنصري"، محملًا إياه مسؤولية الوضع في غزة الذي وصفه قائلًا: "هناك وضع كارثي في قطاع غزة، حيث 60 أو 70 في المئة من الناس ليس لهم عمل يسد رمقهم". مؤكدًا أن على أمريكا العمل على إنهاء هذه المأساة.
وليست هذه المرة الأولى ولا الثانية التي يعبر فيها ساندرز عن هذا الموقف من القضية. فرجوعًا إلى شهر تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وقف السيناتور المذكور أمام حضور من اليهود الأمريكيين بمدينة نيويورك، إثر منتدى نظمه اللوبي الإسرائيلي J Street ، ليؤكد أن على أمريكا التدخل لإنقاذ الشعب الفلسطيني. قائلًا إن " دعم 3.8 مليار دولار الذي نمنحه لإسرائيل سنويًا، يجب أن يكون وسيلة ضغط لضمان شروط عيش إنسانية للفلسطينيين".
سنة 2017، وفي حوار له مع موقع The Intercept، اعتبر ساندرز الولايات المتحدة متورطة في الجرائم اللاإنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. مؤكدًا أنه "على الدعم الأمريكي أن يدفع الفرقاء في الشرق الأوسط إلى حل النزاعات سلميًا، وأن لا يكون ثمن السلاح الذي ينحرون به بعضهم البعض".
في 2016، أثناء مناظرة مع خصمه آنذاك هيلاري كلينتون، قال: "حرب إسرائيل على قطاع غزة، ذي المساحة الضيقة والمكتظة بالساكنة، هي حرب غير متكافئة؛ خلفت 10 آلاف جريح و1500 قتيل". ليضيف: "لو بحثنا في كل معاجم العالم عن تعريف للحرب غير المتكافئة سنجدها كلها تتفق على مثل ما قامت به إسرائيل في القطاع".
فلسطينيون في محيط بيرني
إجمالًا، بدا أن تلك المواقف نزلت عند الجالية الفلسطينية بأمريكا محَل الرضا. هكذا نجد عضوة الكونغرس الأمريكي ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طالب تعلن دعمها الرسمي للمرشح الديموقراطي، قائلة: "نعم أنا أدعم عمو بيرني ساندرز لأنه لن يبيعنا!".
ناشطة فلسطينية أخرى وضعت نفسها في صف السيناتور بيرني، السيدة ليندا سرور، التي لاحقت انتقادات ساندرز بسبب قبوله لها عضوًا لحملته، كونها إحدى الناشطات المناهضات للصهيونية بأمريكا. الكاتبة الفلسطينية نورا عريقات هي الأخرى أعلنت دعمها لساندرز، واصفة إياه بالمرشح صاحب الأجندة الاجتماعية التقدمية.
في مقال عنونه بـ "نحن عرب ومسلمون أمريكيون نصوت لبيرني لأنه يهودي"، كتب مفوض حملة بيرني ساندرز بولاية فيلاديلفيا، الكوميدي الفلسطيني عامر زهر، أنه في حملة 2016 ذهب ثلث الأصوات العربية لصالح بيرني ساندرز، ضد غريمته آنذاك هيلاري كلينتون. وأضاف مدينًا السؤال الذي كثر طرحه عليه: "لماذا يصوت المسلمون لساندرز وهو يهودي؟"، واصفًا إيّاه بأنه سؤالٌ عنصري، ومجيبًا: "لأن ساندرز يهودي وعرف جيدًا معاناة معسكرات الاعتقال النازية من خلال عائلته، فهو أقرب إلينا خاصة نحن الفلسطينيين الذين نعاني من التمييز والعنصرية تحت الاحتلال الإسرائيلي".
كما أكد أن انخراطه وانخراط باقي الفلسطينيين في حملة بيرني، نابع من عهد قطعه السيناتور عليهم بدفاعه عن العدالة في حق الشعب الفلسطيني، ويختم الكاتب: "لقد دعمناه ووفى بعهده في 2016، وها نحن الآن ندعمه مجددًا".
يجب أن نعيد النظر في التحالف مع السعودية
ليست القضية الفلسطينية وحدها ما يشغل بال ساندرز عند حديثه عن السلام في الشرق الأوسط، بل قضايا أخرى كحرية التعبير وحقوق الإنسان وإنهاء الحروب الدموية كلها.
"نحن نحب المملكة العربية السعودية، هي حليفنا الرائع. المشكل الوحيد هو أن الذين يقودون تلك المملكة هم قطاع طرق سفّاحين!". هكذا وصف سيناتور فيرمونت النظام السعودي أثناء نفس اللقاء الذي بثته قناة CNN الأسبوع الماضي.
مضيفًا أنه على أمريكا عوض الارتياح لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان الذي وصفه بـ"الملياردير الديكتاتور"، أن تعمل على حل الخلافات بين الرياض وطهران، كونها السبيل الوحيد لإحلال السلام في الشرق الأوسط. حل يراه ساندرز متوقفًا على ضرورة جمع الفرقاء، إيران والسعودية، على طاولة الحوار لفك المسائل العالقة بينهما.
أو كما ورد على لسانه: "نستطيع أن نجمع الإيرانيين والسعوديين ونخبرهم أننا كأمة أمريكية مللنا إضاعة ملايين الدولارات في حرب لا نهاية لها". ليختم حديثه في الموضوع مؤكدًا: "أننا في أمريكا نمتلك كل الوسائل لجعل هذا الحلم حقيقة، وأن ننهي كل تلك الحروب".
ما قاله بيرني ساندرز عن السعودية ليس جديدًا، إذ منذ سنة 2017 على الأقل، والسيناتور الأمريكي ينادي بـ "إعادة النظر في السياسة الخارجية الأمريكية مع إيران والسعودية". واصفًا المملكة العربية بـ "اللاديموقراطية والناشرة للكراهية". كما انضم، وفي ذات السنة، إلى مجموعة من 46 سيناتور للتصويت لتعطيل قرار تسليح التحالف السعودي خلال حربه على اليمن.
ومن داخل مجلس الشيوخ الأمريكي سنة 2018، صاح ساندرز: "يكفي كل هذا الموت، توقفوا على قتل الأبرياء". مطالبًا بلاده بالتوقف على دعم الحرب في اليمن، قائلًا: لقد حان الوقت لتتدخل الولايات المتحدة لتوقف هذه المأساة الإنسانية التي يرتكبها نظامٌ مستبد، خطير، مدمر وغير مسؤول، في إشارة إلى النظام السعودي. كما غرد آنذاك على صفحته الرسمية: "يجب على مجلس الشيوخ التصويت لصالح وقف الدعم الأمريكي للحرب على اليمن".
وفي قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، قال ساندرز معلقًا على تملص ترامب من إدانة السعودية سنة 2018، أن "رئيس الجمهورية صريح، للأسف، في تعاطفه مع الحكام المستبدين كالأمير بن سلمان". مضيفًا أنه "لدينا الآن رجل كان معروفًا بنقده للعائلة الحاكمة بالسعودية، دخل إلى سفارتها بتركيا ثم اختفى إلى الأبد". وكرد على هذا الاغتيال نادى ساندرز آنذاك أنه "إزاء هذه الجريمة والقتل بدم بارد، يجب على أمريكا أن توقف تورطها في الوضع الكارثي الذي أسفرت عنه الحرب على اليمن. الحرب التي دخل فيها ترامب دون موافقة الكونغرس، وهذا ما يجعلها غير دستورية".
لقد عارض الحرب على العراق
"سنة 2002 عندما كان الكونغرس يناقش الحرب على العراق، وقفت وسط القاعة صارخًا بأن أي هجوم على تلك البلاد سيكون كارثة، ولن يؤدي إلا إلى حالة فوضى غير مسبوقة في المنطقة، قد لا يتم إنهاؤها بسهولة". كان هذا حديث بيرني ساندرز في مناظرة الأسبوع الماضي بلاس فيغاس. مضيفًا: "لم يقف سعيي آنذاك عند التصويت بـ"لا" على قرار الحرب، بل عملت على خلق حملة مناهضة للحرب من داخل البرلمان".
هذه حادثة أخرى تحيلنا إلى موقف المرشح الديموقراطي وموقفه من إحدى الفظائع التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي لدولة عربية كالعراق. رجوعًا إلى خطابه في الكونغرس قبل 18 سنة، نجده يقول: "كلنا نتفق على أن صدام حسين طاغية وسفاح، وعلى أنه شخص لا يمكن الوثوق به ولا تصديقه. لكن هذا لا يعني خوض هجوم لا يدعمه المجتمع الدولي على العراق، وإهمال تقارير الاستخبارات التي تجمع أنه لا وجود لتهديد عراقي على أمريكا".
اقرأ/ي أيضًا: رهانات بيرني ساندرز الصعبة.. هل يمكن تفتيت غرور ترامب؟
مقدمًا أسباب رفض التصويت لصالح قرار الحرب، وضع السيناتور ساندرز على رأسها الخسائر البشرية، قائلًا "نحن لا ندري كم مئات من شبابنا ستقتل الحرب وكم من آلاف النساء والأطفال العراقيين العزل ستسلب أرواحهم". كما حذَّر إثر ذاك أن أي هجمة على العراق ستأخذ البلاد إلى حرب أهلية، وتجعلها مرتعًا للتطرف الإسلامي.
موقف سيناتور فيرمونت من الحروب، والذي عبر عنه سابقًا على الصفوف الأولى من المسيرات المناهضة لحرب فيتنام، شاهدناه يعود كذلك والتوتر يشتعل بين بلاده وإيران
موقف سيناتور فيرمونت من الحروب، والذي عبر عنه سابقًا على الصفوف الأولى من المسيرات المناهضة لحرب فيتنام، شاهدناه يعود كذلك والتوتر يشتعل بين بلاده وإيران، بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. قائلًا في مقطع فيديو نشره على صفحته بتويتر: "تظاهرت في السابق معارضًا للحرب على فيتنام، ورأينا جميعًا أثرها على جيلنا. وكنت من المعارضين للحرب على العراق داخل مجلس الشيوخ، ورأينا جميعًا كذب تشيني وجورج بوش بشأن أسلحة الدمار الشامل… لهذا سأعمل جاهدًا على إخراج الجيش الأمريكي من الحرب الدموية في اليمن، وسأعمل كذلك على الحيلولة دون اندلاع حرب جديدة على إيران".