أمور بسيطة، وأشياء يمكن أن يُنظر لها باعتيادية، يمكن أن تكون السبب في تحول مسار البشر، منها مثلًا أن يُهدى المخرج والكاتب المجري بيلا تار، في صغره، وهو ابن الـ14 ربيعًا، كاميرا 8 مل، الأمر الذي جعله مهووسًا بالسينما وعالم صناعة الأفلام. منها مثلًا الظروف الاجتماعية والاقتصادية بالبيئة المحيطة به، والتي ساهمت في انخراطه مع الحركات اليسارية، وقد ظهر هذا جليًا على أفكاره، ومن ثم أفلامه.
إلا أنه ورغم عمق تجربة وسينما بيلا تار، فقد قرر مع وصول وترشح فيلمه الأخير "حصان تورينو" لكثير من المهرجانات والجوائز، عام 2011، اعتزاله صناعة الأفلام. وهذه ترجمتنا، لحوار، أجراه معه "جورج شالاي" بعد وقت قصير من عرض فيلم بيلا تار الأخير، ونشرت في أيلول/سبتمبر عام 2011.
لقد قلت إنك لن تصنع أفلامًا أخرى، لقد تم تكريمك هنا في "ريكيافيك"، وستحضر مهرجان نيويورك حيث سيعرض فيلمك الأخير "حصان تورينو" الذي اختارته المجر ليتم ترشيحه في فئة أفضل فيلم أجنبي في حفل الأوسكار. هل مازلت مُصر على عدم إخراج أي فيلم آخر؟
أنا لست شخص يحب المزاح. حين أقول نعم، كن على ثقة أنني أعني ذلك. حين أقول لا، كن على ثقة أنني أعني ذلك أيضًا.
لماذا شعرت أن الآن هو الوقت المناسب لإنهاء مسيرتك الفنية؟
بعد فيلم "رجل من لندن"، كنت أفكر أنه تبقى لي فيلم واحد فقط، وقلت في باريس في 2008 إن الفيلم القادم سيكون فيلمي الأخير ثم سأغلق المتجر. والآن قد أغلقت المتجر. المتجر قد أُغلق.
بيلا تار: أنا حقًا غير قلق على الحياة، ولا أريد أن أكون مخرج أحمق يكرر نفسه وأصنع نفس الفيلم مرارًا وتكرارًا لأصيب الناس بالملل
ماذا ستفعل الآن؟
لحسن الحظ لدي خطط أخرى. أنا حقًا غير قلق على الحياة، ولا أريد أن أكون مخرج أحمق يكرر نفسه وأصنع نفس الفيلم مرارًا وتكرارًا لأصيب الناس بالملل.
ما هي خططك الأخرى؟
لدي مكتب إنتاج في المجر، وسأحاول أن أعمل مع مخرجين آخرين. وسأصنع مدرسة سينما جديدة في كرواتيا. هذا كافي بالنسبة لي، لأنه عمل شاق.
اقرأ/ي أيضًا: تود هاينز: قد تكون العزلة أحيانًا من شروط الإلهام
أشاهدت أفلامًا أعجبتك مؤخرًا من مخرجين مجريين أو من دول أخرى؟
سأتحدث فقط عن صانعي السينما، وليس صانعي الأفلام. صانع السينما الحقيقي لديه أسلوبه الخاص. بعضهم أقرب إليّ عن آخرين. بالنسبة لي، الأمر متعلق بالجودة. حين أرى عملًا قويًا أحبه وأحترم مخرجه. لكني لا أريد أن أتبع أي أحد، وليس لدي سبب لأفعل ذلك، لأني لن أصنع أفلامًا بعد الآن.
مَن أفلامه ذات جودة جيدة من وجهة نظرك؟
سأكلمك عن مشاهدتي الأخيرة. آخر فيلم شاهدته، قد أمتعني، وأحببته كثيرًا، كان فيلم Le Havre لآكي كوراسماكي. أحببت هذا الفيلم.
هذا أمل فنلندنا للترشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي. ماذا أعجبك فيه؟
إنسانيته، السخرية الحزينة فيه. إنه فيلم عميق، حزين ومليء بالنكات، لكن كل نكتة مؤلمة. هذا ما أعجبني فيه.
اقرأ/ي أيضًا: 12 فيلمًا مرشحًا لأوسكار 2018 في فئة الأفلام الأجنبية
ربما يترشح الفيلم إلى جائزة أفضل فيلم أجنبي في الأوسكار؟
وفيلمي أيضًا. من يهتم بهذا الغباء. تعرف ما أعني. نوعية أفلامي لا تناسب الأكاديمية. هذه النوعية والشاعرية من أجلك ومن أجل الآخرين- من أجل الاستخدام الآدمي. الآخرين هم جزء من تجارة فاسدة، وهو أمر لا يعنيني.
يبدو أنك لا تحب أمور السينما على نطاق واسع كثيرًا.
حقًا لا أهتم لذلك. أنا رجل عجوز، وهم في روضة الأطفال. سأذهب إلى نيويورك ليوم ونصف لأحضر المهرجان، ثم سأرحل. هذا يكفي.
بيلا تار: بعد فيلم "رجل من لندن"، كنت أفكر أن متبقي لي فيلم واحد فقط، وقلت في باريس في 2008 أن الفيلم القادم سيكون فيلمي الأخير
هل ترى اختلافًا في جودة الأفلام بين هوليوود والأفلام الأوروبية؟
أعلم فقط الأفلام الممتازة وأفلام "الخراء". يمكنني أن أرى مخرجًا جيدًا لديه وعي بالفنانين الجيدين، وهؤلاء الذين يخرجون الأفلام من أجل المال فقط. لكن ما هي هوليوود؟ لا تحدثني عن هوليوود. أناس هوليوود يشاهدون أفلامي أيضًا.
كيف تشعر تجاه الأفلام ثلاثية الأبعاد 3D والتكنولوجيا الأخرى؟
التكنولوجيا حقًا تشبه السيارة الجديدة. إذا أردت أن تسافر، يجب أن تستخدم سيارتك. من حين إلى آخر، ستأتي بأشياء غبية جديدة إلى سيارتك. لكن السيارة ستخدمك. أنت لا تخدم السيارة. أنا لا أخدم التكنولوجيا. إذا كانت غير مفيدة للبشرية ولكرامة الإنسان، فسيكون رأيي أنها "قطعة خراء".
اقرأ/ي أيضًا: