لم تكن كنائس غزة بمنأى عن آلة الحرب الإسرائيلية سواء في عدوانها الحالي الذي دخل يومه الـ49، أو حتى في حروبها السابقة. فعلى مدار أكثر من شهر ونصف من بدء العدوان، تعرّضت كنائس المدينة لأضرار جسيمة وبالغة جراء القصف الإسرائيلي الهمجي الذي استهدف بعضها بشكل مباشر، مخلّفًا عشرات الشهداء والجرحى.
تضم غزة 3 كنائس مسيحية، وهي: "كنيسة القديس برفيريوس" التي تُعرف أيضًا باسم "الكنيسة الأرثوذوكسية"، و"الكنيسة المعمدانية"، و"كنيسة العائلة المقدسة للاتين". وقد تحوّلت هذه الكنائس، منذ عام 2006، إلى ملجأ لمئات النازحين المسلمين والمسيحيين على حد سواء بوصفها "أماكن آمنة"، ولكن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يميّز في عدوانه الحالي، كما في حروبه السابقة، بين مسجد وكنيسة ومدرسة أو حتى مستشفى.
وعدا عن مكانتها وما تمثّله على الصعيدين الديني والاجتماعي، تُعد كنائس غزة من أبرز معالمها الأثرية التي تشهد على تاريخها المتفرد. وفيما يلي وقفة معها.
1- الكنيسة الأرثوذوكسية
تُعتبر "كنيسة القديس برفيريوس"، التي تُعرف محليًا باسم "الكنيسة الأرثوذوكسية"، أقدم كنائس غزة وثالث أقدم كنيسة في العالم. كما تُعد أحد أهم المعالم التاريخية والأثرية بمدينة غزة.
تقع الكنيسة في حي الزيتون بالبلدة القديمة في مدينة غزة، وتبلغ مساحتها 216 متر مربع. أما تاريخ بنائها فيعود إلى القرن الخامس، إذ تفيد الروايات التاريخية المتداولة حولها بأنها بُنيت بين عامي 402 – 407 ميلادي.
سُميّت بـ"كنيسة القديس برفيريوس" نسبةً للقديس برفيريوس الذي بناها وكان راعيًا لها، بل ودُفن فيها أيضًا إذ يقع قبره في الزاوية الشمالية الشرقية للكنيسة المجاورة لمسجد "كاتب الولاية"، الذي يُعتبر بدوره من أقدم مساجد غزة.
تتميز الكنيسة التي بُنيت على هيئة سفينة، ويرتكز سقفها على أعمدة رخامية، بتصميمها الفريد وما تتضمنه من لوحات فنية وأيقونات تزيّن جدرانها وتقص حكايات مختلفة تتعلق بالديانة المسيحية مع العودة إلى النبي موسى والعهد القديم.
تنقسم الكنيسة إلى قسمين، قسم مخصص للصلاة يتسع لنحو 400 حتى 500 من المصلين، وآخر مخصص للكاهن يُعرف باسم "قدس الأقداس"، وهو مكان وجود المذبح.
وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، تعرّضت الكنيسة لقصف إسرائيلي أدى إلى استشهاد 18 فلسطينيًا وإصابة العشرات من المسلمين والمسيحيين الذين اتخذوا من الكنيسة ملجأ لهم بعد تضرر منازلهم.
2- الكنيسة المعمدانية
تقع "الكنيسة المعمدانية" في حي الزيتون بالبلدة القديمة في غزة، وهي الوحيدة للمسيحيين البروتستانت في القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عامًا.
تأسست الكنيسة المعمدانية على يد مجموعة من الشبان المسيحيين عام 1950، بعد عامين على النكبة. وتعرّضت لأضرار جسيمة خلال الحروب الإسرائيلية السابقة على القطاع. كما لحقت بها أضرار جسيمة جراء قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى المعمداني الملاصق لها ليلة السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم. وقد أدى القصف إلى وقوع مجزرة مروّعة راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد.
3- كنيسة العائلة المقدسة
تُعد "كنيسة العائلة المقدسة" التي تُعرف أيضًا باسم "دير اللاتين"، آخر كنيسة كاثوليكية في غزة. بُنيت عام 1965 على يد الكاهن حنا النمري بعد تزايد أعداد الكاثوليك في غزة، نتيجة تدفق اللاجئين من المدن الفلسطينية الأخرى على القطاع خلال حرب 1948.
وبحسب البطريركية اللاتينية في القدس، فإن فكرة بناء كنيسة للكاثوليك اللاتين في غزة تعود إلى عام 1881، إذ تقول في نص على موقعها الإلكتروني إن الكاهن النمساوي جورج غات الذي وصل إلى غزة عام 1879، أرسل إلى البطريرك آنذاك تقريرًا عن أحوال اللاتين في غزة، ذكر فيه أنه ينوي بناء كنيسة في غزة، لكن الحرب العالمية الأولى وضعت حدًا لمشروعه.