تُعد غزة واحدة من أقدم المدن في التاريخ، ولا تقل مدن قطاعها قِدمًا عنها. وبسبب موقعها على الطريق بين الشام ومصر، عبرتها جيوش عديدة وقامت فيها حضارات مختلفة بعد معارك وحروب طاحنة وفارقة في تاريخها وتاريخ الإمبراطوريات التي حكمتها على مدار آلاف السنين.
وقد تركت كل إمبراطورية/ حضارة حكمتها/ قامت فيها معلمًا ما يدل عليها. وبينما اختفى بعضها مع مرور الزمن، فإن بعضها الآخر لا يزال قائمًا حتى اللحظة. وهنا وقفة مع أبرزها.
1- سوق القيسارية
بُني "سوق القيسارية" خلال عهد المماليك في القرن الرابع عشر، ويُعد واحدًا من أهم المعالم التاريخية الأثرية في مدينة غزة وأقدمها أيضًا.
يقع السوق في حي الدرج بالبلدة القديمة في مدينة غزة، وتبلغ مساحته 70 مترًا، ويضم 44 متجرًا صغيرًا يفصل بينها ممر ضيق مسقوف، على امتداد السور الجنوبي للمسجد العمري الكبير الذي يمكن الوصول إليه من خلال باب صغير موجود بين متاجر السوق.
يُقال إنه كان في حقب سابقة سوقًا للتوابل، فيما تفيد روايات تاريخية أخرى بأنه كان اسطبلًا للخيول. والخلاف لا يقتصر على هذا الأمر فقط، بل يشمل أيضًا تاريخ البناء، فبينما يقول البعض إن تاريخ بنائه يعود إلى ما قبل الميلاد بعقدين، يرى آخرون أنه بُني في عهد المماليك البحرية (1260 – 1517 م)، مستشهدين بنص منقوش على أحد جدرانه جاء فيه: "سلطان الدنيا والدين الناصر محمد ابن الشهيد السلطان المنصور قلاوون".
2- قصر الباشا
يقع "قصر الباشا" حيث يقع "سوق القيسارية"، أي في حي الدرج بالبلدة القديمة في مدينة غزة. بلغت مساحته سابقًا، بساحاته ومداخله ومرافقه، ما يقرب من 6 دونمات. لكنها تراجعت إلى 600 متر بسبب عمليات التخريب والهدم التي تعرض لها، لا سيّما في عهد الانتداب البريطاني.
يتميّز القصر بنمط عمارته الذي يجمع بين العمارتين المملوكية والعثمانية، ويُعتبر من المباني الأثرية القليلة التي لا تزال تحافظ على ملامحها القديمة في غزة، ويتألف ما تبقى منه من جزئين منفصلين عن بعضهما بعضًا. أما تاريخ بنائه، فيُرجّح أنه يعود إلى عام 1260م، بيد أن هناك روايات أخرى تقول إنه بُني خلال الفترة بين أواخر عهد المماليك وبداية الحكم العثماني.
سُمّي القصر بأسماء عديدة بحسب طبيعة استخدامه، إذ كان مقرًا لأمراء وولاة غزة في العهدين المملوكي والعثماني، ثم تحوّل إلى مركز شرطة خلال فترة الانتداب البريطاني، قبل أن يصبح مدرسة للبنات خلال سنوات الحكم المصري.
3- الزاوية الأحمدية
في الحي نفسه، غير بعيد عن سوق "القيسارية" و"قصر الباشا"، تقع أيضًا "الزاوية الأحمدية" التي بُنيت قبل 600 عام، وتُعتبر آخر ما تبقى من زوايا العهد المملوكي في مدينة غزة، وأحد أبرز معالمها التاريخية والأثرية.
سُمّيت الزاوية بـ"الأحمدية" نسبةً إلى شيخ صوفي يُدعى "أحمد البدوي"، وتتألف من قسمين رئيسيين، استُخدم الأول للصلاة والتعليم، فيما خصص الآخر للإقامة. وقد تعاقبت على الزاوية العديد من الشخصيات الصوفية، إذ كانت مكانًا للدراسة وممارسة الطقوس الصوفية في آن معًا.
4- حمام السمرة
يُعد "حمام السمرة" واحدًا من أهم المعالم التاريخية والأثرية في مدينة غزة، وأحد أبرز معالم العمارة العثمانية في فلسطين. وهو آخر ما تبقى من الحمامات التي بُنيت في المدينة خلال العصور الإسلامية، سيما المملوكي والعثماني.
يقع الحمام الذي يُعتبر ثاني أكبر معلم تاريخي بعد المسجد العمري، في حي الزيتون بالبلدة القديمة بمدينة غزة. تبلغ مساحته 500 متر، ويُقال إنه بُني عام 1300، فيما جاء في روايات تاريخية أخرى أنه بُني قبل 865 عامًا. وكغيره من معالم مدينة غزة الأثرية، تعرض الحمام لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الأولى، وحرب عام 1956.
5- قلعة برقوق
يعود تاريخ بناء "قلعة برقوق" إلى عام 1387م بحسب النقش أعلى بوابتها. وقد بناها الأمير بونس بن عبد الله النورزي بتكليف من السلطان المملوكي سيف الدين برقوق مؤسس دولة المماليك البرجية. ومن هنا جاء اسم القلعة التي تقع وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وجاء في الروايات التاريخية أن القلعة، التي تُعرف أيضًا باسم "خان الأمير"، بُنيت بهدف تأمين طريق التجارة بين بلاد الشام ومصر. ومع أفول حكم المماليك وصعود السلطنة العثمانية، تحوّلت القلعة إلى مكتب للضرائب، قبل أن تُصبح فيما بعد قلعة عسكرية للدفاع عن المدينة بسبب تحصيناتها القوية. ولذلك قام الفرنسيون بقصفها من البحر خلال حملتهم على مصر وبلاد الشام في تموز/ يوليو 1798. كما قصفتها البوارج البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى.
شهدت القلعة وساحتها على العديد من الأحداث المؤلمة في ذاكرة سكان مدينة خان يونس وقطاع غزة عمومًا، ومن بينها المجزرة التي ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 1956، وراح ضحيتها أكثر من 275 فلسطينيًا.