شكل استهداف مقاتلات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، مساء السبت، 17 أيلول/سبتمبر الجاري، لمواقع تسيطر عليها قوات النظام والميليشيات المقاتلة تحت لوائه في مدينة "دير الزور" شرق سوريا، مرحلة جديدة من الاتفاق الروسي-الأمريكي، المرتبط بهدنة وقف إطلاق النار، الهشة فعليًا، والتي بدأ سريان مفعولها منذ أسبوع.
الهدنة التي وصفتها الأمم المتحدة، بأنها "أبرز جهد لإحلال السلام في سوريا" يبدو أنها بدأت تتأرجح نحو الانهيار بعد الخلاف الروسي الأمريكي
واسترجاعًا لمجريات الأحداث، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية رسميًا، في وقت متأخر من مساء السبت، أنها قصفت من "دون قصد"، لاحقًا اتضح مشاركة أسترالية في عملية القصف، مواقع لقوات النظام في "جبل الثردة" الذي يطل على الأحياء المسيطر عليها من قبل النظام السوري، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وسمح لتنظيم "الدولة الإسلامية" السيطرة على المنطقة المذكورة، ورصدها لمناطق سيطرة النظام السوري، رغم تأكيد الأخير استعادته السيطرة عليها أمس الأحد، دون أن يتم تأكيد المعلومة حتى لحظة إعداد التقرير.
اقرأ/ي أيضًا: ما الذي سيحدث إذا انسحبت كلينتون من الانتخابات؟
المشهد الدبلوماسي كان محتدمًا أمس الأحد، وساده تراشق للاتهامات بين دبلوماسيي روسيا والولايات المتحدة، التي قالت إنها أخبرت موسكو بنيتها شن هجمات على المواقع المستهدفة، وإن الأخيرة لم "تعبر عن مخاوفها" من ذلك، إلا أن ذلك لم يمنع واشنطن من تقديم اعتذارها لخرقها وقف إطلاق النار.
ومن المعروف أنه يتواجد في الأحياء التي يسيطر عليها النظام السوري في مدينة دير الزور، إلى جانب مطار "دير الزور العسكري"، أكثر من عشرة ميليشيات مختلفة التسمية، متنوعة الانتماء، إضافة لقوات النظام الرسمية، وهذه جميعها محاصرة من قبل تنظيم الدولة.
الهدنة الهشة، والتي يصح تسميتها بذلك، كونها لم تستطع أن تثني قوات النظام عن قصفه الجوي، حتى أنه قصف حي "جوبر" الدمشقي، الذي يحاول السيطرة عليه منذ يومين، بغاز الكلور السام، من الممكن أن ترى خلاصها، ونهايتها غير السعيدة بالقصف الأمريكي.
اقرأ/ي أيضًا: تركيا ومعركة الرقة.. التحالفات الهشة
ولعل الابتزاز الذي تعرضت له واشنطن من قبل الدبلوماسيين الروس، وذلك ناتج عن تهديداتهم المتكررة، التي يرافقها مطالبتهم بكشف بنود الاتفاق، كان محفزًا للأولى على استهداف مواقع النظام السوري، وهي رسالة غير مباشرة لحلفائها الروس، أنه يمكنها في أي لحظة تقويض الهدنة، وحتى إلغاؤها.
قبيل أن تتعرض مواقع النظام السوري لقصف التحالف الدولي، كان هناك جدل من نوع مختلف، ناتج عن انتظار قافلة المساعدات الأممية موافقة بشار الأسد على دخولها لأحياء حلب الشرقية المحاصرة، ما جعل واشنطن ترفع من نبرة تصريحاتها، مهددة موسكو بعواقب عرقلة دخول القافلة إلى حلب، والتي تنتظر منذ خمسة أيام تقريبًا إذن العبور.
كذلك النظام السوري لم يلتزم بالهدنة المعلنة، رغم تعهدات الخارجية الروسية بذلك، حيث إنه بدلًا من أن يلتزم بوقف إطلاق النار، فتح معركة استعادة السيطرة على حي "جوبر" الدمشقي، وشن غارات جوية على مناطق سيطرة فصائل المعارضة في ريف إدلب وحلب، غير آبه بتفاصيل الهدنة، ما يطرح تساؤلًا مهمًا حول بنود الاتفاق السرية، وهي من الاتفاقات النادرة التي لا يرافقها تسريبات، إنما مجرد تكهنات لا أكثر.
واشنطن من جهتها قابلت التصريحات الروسية بإطلاقها طائرة استطلاع فوق المواقع التي تنشط فيها القوات الروسية في الساحل السوري، وهو ما تناقلته وسائل إعلام روسية، قالت إن هذه المرة الرابعة خلال أسبوع، التي نرصد فيها طائرة تجسس أمريكية فوق قواعدنا "الروسية"، ولم تقل في سوريا، ما يثير الفضول حول ماهية التواجد الروسي في الساحل أولًا، وطبيعة الاتفاق مع بشار الأسد، رغم تسريبه في مرحلة سابقة.
الهدنة التي وصفتها الأمم المتحدة، وغالبية الدول الغربية مع وسائل إعلامها، بأنها "أبرز جهد لإحلال السلام في سوريا" منذ بدايته، يبدو أنها بدأت تتأرجح نحو الانهيار التام، كون الأطراف المتفقة عليها، لم تتمكن من تنفيذ بنود الاتفاق الملقاة على عاتقها، من ناحية أن روسيا لا تظهر جديتها بالضغط على نظام الأسد، وواشنطن غير ملتزمة بضرب مواقع "جبهة فتح الشام"، كونها تملك حاضنة شعبية، كما باقي الفصائل في سوريا، طبعًا لا يمكن نفي ذلك، إنما تؤكده الميدانية، وهو ما يجعل أيام انهيار "الاتفاق الماراثوني" قليلة جدًا، هذا إن لم يكن خلال الأسبوع الحالي.
اقرأ/ي أيضًا: