بينما ترفع مصر الدعم، وتستمرّ في إجراءات سحق المواطنين، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على موعدٍ مع طفرة في ثروته.
ووفقًا للعديد من التقارير، فقد أبرمت القاهرة في عهد السيسي، خلال الفترة ما بين 2013 و2017 صفقات سلاح بلغت قيمتها 20 مليار دولار، من روسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، بحجة توطيد العلاقات والحرب على الإرهاب، لكن الهدف كان مختلفًا.
خلال السنوات الثلاثة الماضية، بلغت ثروة السيسي أكثر من ملياري دولار من عمولات صفقات السلاح التي أبرمتها مصر خلال نفس المدة
خلال التحقيقات معه، قال الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك: "هذه العمولات معروفة دوليًا، وكان الرئيسين عبد الناصر والسادات يتقاضيان هذه العمولات، وهي بنسبة 5.2%"، وفي الأعراف الدولية يتقاضى الرئيس عمولة سريّة تتراوح ما بين 5 و15%. إذن فبحسبة بسيطة، بلغت ثروة السيسي خلال السنوات الثلاث التي تولى فيها حكم مصر ما يزيد عن ملياري دولار.
اقرأ/ي أيضًا: هكذا يصبح السيسي شرطي أوروبا على سواحل المتوسط
ولأن مصر دولة محورية في مرور الصفقات وإبرامها، كان مبارك مستشارًا لبعض شركات الأسلحة العالمية داخل مصر، مثل يونايتد ديفنس، ويونايتد تيكنولوجيز، وأباتشي. وكان يعقد الصفقات لبعض الدول العربية والإفريقية بعمولات تصل إلى 25%. ولأنّ رؤساء مصر يَرِثُون وكالة تلك الشركات، فقد كان للسيسي منها نصيب بحكم القانون المشبوه، الذي "منح رئيس الجمهورية الحق في عقد صفقات سلاح مع الدول الأجنبية"، و"للأسف لا يزال القانون معمولًا به، ويتيح لكل رئيس أن يتحول إلى سمسار سلاح وتتضخَّم ثروته خلال مدة قصيرة، وهو ما يفسِّر نشاط ماكينة استيراد السلاح في مصر الآن"، بتعبير عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية، في تصريحات صحفية سابقة.
وعلى ما يبدو، فإنّ صفقات السلاح المصرية تكشف أنّ الهدف منها شراء شرعية دولية بمليارات الدولارات، وزيادة رصيد الرئيس في البنك.
عمولة الرئيس.. تربّح من الوظيفة
لا يحصل الرئيس المصري، أو أي رئيس، على تلك العمولات طبقًا لوظيفته أو صفته رئيسًا للجمهورية، إذ يتجاوز الأمر ذلك إلى كونها جباية مقابل السماح بمرور الصفقة، وشرط موافقة الرئيس على صفقات السلاح فرضه القانون، وفقًا للمادة 108 من الدستور، في الفقرة الثانية منها، التي أوصت أيضًا بعرض القرارات التي اتخذها بشأن عقود السلاح على مجلس النواب، لكن المجلس تنازل عن حقه الدستوري، وفوَّض الرئيس في عقد وإبرام صفقات السلاح مع الدول الأجنبية لتوفير احتياجات القوات المسلحة دون الرجوع إليه.
وكان التفويض يجدَّد كل ثلاثة أشهر، واستغلّ مبارك ذلك جيدًا، بينما لم يلتفت السيسي إليه، ولم ينتظره، ولم يعرض قرارات شراء السلاح على البرلمان من الأساس باعتبار الأمر كله "أمنًا قوميًا".
وفي رأي أستاذ العلوم السياسية المصري، جمال زهران، فإنّ عمولات السلاح بمثابة "تربّح من الوظيفة العامة"، متسائلًا: "كيف يمكن لرئيس جمهورية تم تفويضه من البرلمان بتسليح الجيش ضمن مهام وظيفته أن يتقاضى عموله؟ هو في النهاية يؤدي وظيفته".
ويكشف رمضان بطيخ، أستاذ القانون الدستوري، طريقة حصول الرؤساء على العمولات، بقوله: "لا تُمنح نقدًا، ولكنها تُعطى للسمسار أو الوسيط، وتوضع في حساباتهم في بنوك خارج الدولة حتى لا يتعرض الرئيس للمسائلة فيما بعد. ويتم ذلك عن طريق شركات وهمية مسجلة على الورق وليس لها أي كيانات رسمية مسجَّلة في أي دولة".
في عهد مبارك، كانت صفقات السلاح طوال الوقت الباب الخلفي لسرقة أموال الشعب، وهو ما يمكن تسميته بـ"تجارة الأمن القومي"
ولم تنكشف الأوراق المالية للرئيس السيسي حتى الآن، لكنها يومًا ما ستخرج إلى العلن لتكشف الكثير، لكن بالرجوع إلى التحقيقات مع سلفه، حسني مبارك، نكتشف أن صفقات السلاح كانت طوال الوقت، الباب السرّي والخلفي لسرقة أموال الشعب، فقد كانت أغلب ثروته من تسهيل أو السماح بمرور صفقات سلاح وصفقة تصدير الغاز لإسرائيل وأخرى عقارية في مناطق سياحية استراتيجية، مثل شرم الشيخ، وهو ما يمكن تسميته "تجارة الأمن القومي".
مصر.. الأعلى فسادًا في صفقات السلاح
تعيش مصر على "بقايا" سلاح خمسة دول، هي الصين وألمانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا. هل لفتتك كلمة "بقايا"؟ فوفقًا لتقرير نشرته مؤسسة كارنيغي في كانون الثاني/ يناير العام الجاري، فإنّ الإنفاق العسكري الهائل، الذي انشغلت به مصر منذ تولي السيسي الحكم، ونوعية المشتريات العسكرية "تهدف فقط إلى قمع انتفاضة متوقعة تشبه ما جرى في سوريا".
وقال التقرير، الذي أعدّه ماجد مندور، إن "نوعية السلاح التي حصلت عليها مصر في السنوات الأخيرة لا تبدو مناسبة للتحديات الأمنية الداخلية أو الخارجية التي تواجهها البلاد، ولا تتلاءم مع أهدافها الخارجية".
بُني التقرير على أن مصر على وفاق مع عدوها الاستراتيجي الوحيد، إسرائيل، بلغ حد التعاون الدبلوماسي وهو ما بدا في تعيين أحمد أبوالغيط المعروف بـ"صديق إسرائيل" أمينًا عامًا للجامعة العربية، وكذا السياسي في عدة قضايا أبرزها حصار غزة، وأيضًا العسكري في بعض مزاعم الحرب على الإرهاب في سيناء.
اقرأ/ي أيضًا: "صديق إسرائيل" أمينًا عامًا لجامعة الدول "العربية"
وتزايدت وتيرة عقد تلك الصفقات بشكل غير مسبوق، لم يحدث في أي عهد من العهود السابقة، فاشترت مصر صفقات أسلحة من فرنسا لخَطبِ ود الرئيس فرانسوا هولاند، الذي فشل داخل بلده، فحاول أن يكسب مالًا من السيسي مقابل حضوره بعض الحفلات بالقاهرة، مثل افتتاح تفريعة قناة السويس، ومن روسيا مقابل دعم بوتين في الحرب السورية، ومن أمريكا لموازنة العلاقات مع أوباما وخلفه ترامب.
ووفقًا لخبراءٍ عسكريين، فإنّ صفقات السلاح التي عقدت مع روسيا وفرنسا والصين، هي لأسلحة "منتهية الصلاحية" في الحروب الدولية، وتصنع "فارقًا واسعًا" في العدّة والعتاد مع العدو الصهيوني. واتفق موقع "استراتيجي بيج" الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية مع كارنيغي في قوله بأنّ "الأسلحة التي استوردتها مصر تهدف فقط إلى قمع الشعوب خوفًا من انتفاضة يناير جديدة".
وضرب الموقع الأمريكي مثالًا بطائرات "داسو رافال"، التي أنقذتها مصر من البوار، واشترتها من فرنسا بعدما أنتجتها عام 2000، ولم توقع أي صفقة لبيعها، فقد رفضتها دول أمريكا اللاتينية لضعفها قوتها، فربما، وفقًا لآراء مراقبين، اشتراها السيسي لإنقاذ شرعيته السياسية، وزيادة رصيده في البنك.
لا تقدم السلطات المصرية مبررات واضحة لصفقات السلاح الكثيرة التي أبرمتها، خاصة وأن مصر دولة لم تدخل حربًا منذ 44 عامًا
ولا تقدم التهديدات التي تتحدث عنها مصر، مبررات واضحة لقوائم السلاح الطويلة التي اتَّجهت إلى شراءها مؤخرًا، فلماذا تعاني دولة لم تدخل حربًا منذ 44 عاما حالة "هياج" في صفقات السلاح؟
اقرأ/ي أيضًا: السيسي خائفٌ من ثورة جديدة
السؤال يكشف شبهة فساد تحدَّث عنها تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية، عام 2013، مع بدء تغوّل الجيش المصري سياسيًا وفي عمليات شراء الأسلحة، عن ترتيب الدول العربية التي فشلت حكوماتها في الحرب على فساد صفقات السلاح، ودخلت مصر في قوائم الفساد بتصنيف "مخاطر فساد حرجة"، إلى جانب الجزائر وليبيا وسوريا واليمن.
اقرأ/ي أيضًا:
ليس من بينها الرئاسة.. 5 مناصب محتملة للسيسي لو لم تحدث ثورة يناير!