يستعيد الفنان ألفرد طرزي في عمله الفني "نشيد الحب" جانبًا من تاريخ عائلته، الذي يتصل بتاريخ الفنون الحرفيَة في لبنان وبلاد الشام عامَة. وسيُفتتح هذا العمل على درج المتحف الوطني في بيروت، اليوم الأحد، حيث يقود الفنان الجمهور نحو هنغار مهجور عثر عليه وأعاد إحياءه ليحضن هذا التجهيز. رحلة خاصّة يرافقها حفل موسيقي يحييه شربل هبر، ساري موسى، فادي طبال وسيرج يارد.
يحكي ألفرد طرزي في "نشيد الحب" جانبًا من تاريخ عائلته، الذي يتصل بتاريخ الفنون الحرفيَة في لبنان وبلاد الشام عامة
التجهيز جزء من برنامج الفن والأراضي التي تنفذه السفارة الفرنسية والفروع الإقليمية للمعهد الفرنسي في لبنان، وقد أنجز بالشراكة مع مؤسسة أمم للتوثيق والأبحاث والمديرية العامة للآثار.
تتعدد فضاءات هذا التجهيز وما يطرحه من أسئلة حول الذاكرة والهوية، خاصة مآل الفنون الحرفية التي لا تجد لها مكانًا، سواء في المتاحف أو المعارض، لأن المتاحف المختصصة بالفنون الحرفية نادرة نسبةً إلى غيرها من المتاحف التي تهتم بالموروث الفني أو بالفن الحديث أو المعاصر، إلا أن الفن الحرفي لا يجد له في لبنان فضاءً، وذلك موضوع أساسي يشغل طرزي في هذا العمل.
يضم التجهيز في الهنغار متعلقات نادرة تختلف في موادها ما بين الخشب والنحاس والزجاج، وتتدرج في تواريخها لتعود إلى القرن الثامن العشر، وهو إرث عائلي انتقل للفنان من مشغل طرزي الشهير للحرف الشرقية الذي كان أحد رواد هذه الصنعة في لبنان وسوريا.
وقد تبلور مفهوم هذا التجهيز من علاقة الفنان الشخصية مع هذا الإرث العائلي الذي كان مهددًا بالزوال، فوقع على عاتقه تقرير مصيره وهي علاقة كما يصفها الفنان بالإشكالية. وهي في إشكالياتها المختلفة تمخض عنها هذا التجهيز، وكما يوحي عنوانه هو نشيد حب للعمل اليدوي والحرفي يأخذنا صوب منحى مختلف في علاقتنا مع المادة والزمن، ونحو حوار حي مع المادة نفسها.
وقد اختار طرزي الهنغار المهجور المهدد بالزوال مكانًا لتصميم تجهيزه ليتلاقى مع طبيعة ما هو معروض فيه، في كونهما معلقين في فضاء بات خارج الزمن.
في التجهيز نفسه إعادة هندسة ضمن فضاء وتلاحم ما بين ذاكرتين مختلفتين، ذاكرة المكان نفسه وتاريخ المتعلقات المعروضة فيه.
في "نشيد الحب" إعادة هندسة للتلاحم ما بين ذاكرتين مختلفتين، ذاكرة المكان نفسه وتاريخ المتعلقات المعروضة فيه
وإن كان موضوع الذاكرة والهوية إحدى الثيمات الرئيسية في أعمال طرزي فلعل أبرز ما يميز مقاربته هو قدرته على إخراج الذاكرة من حالتها الأرشيفية الثابتة، لتتحول لمادة خام للعمل الفني، قابلة لأن يعاد تركيبها واختراعها ضمن تصور الفنان، وهي بذلك تكتسب وظيفة آنيَة تخرجها من الجماد صوب الحياة مجددًا. بخلاف ما يطرحه العمل من أسئلة حول الذاكرة فهو أيضا يطرح مسألة الهوية المشرقية وسبل تعريفها، فنيًا أو جغرافيًا، من خلال تتبع سيرة العائلة التي تمرست في هذه الصنعة عبر أربعة أجيال مختلفة، وكان لها تجارب رائدة في الفن الحرفي واليدوي تمركزت بشكل أساسي في لبنان وسوريا، وأيضًا في القدس، وامتدت حتى مصر والمغرب العربي.
بينما يتلاقى الإرث الشخصي مع الإرث العام فهو أيضًا لا ينفصل عن ذاكرة لبنان منذ عهد المتصرفية، مرورًا بقيام دولة لبنان الكبير وما تبعه. فبعض من هذه المتعلقات شاهد على هذه التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة كما على سبيل المثال الباب الخشبي المنقوش الذي اختاره طرزي ليكون مدخلًا للتجهيز، وهو من صنع الجد الأكبر للفنان، وقد جرى تصميمه لقصر الصنوبر في حقبة افتتاحه الاولى ككازينو، فكان له أن يشهد إعلان الجنرال غورو لدولة لبنان الكبير من القصر.