هيمنت في الفن العراقي حالة استعمال المواد والخامات كمتغير تقني وردة فعل عنيفة ضد الأساليب والاتجاهات التي رسمتها أطر وحدود الحداثة، ومبتغيات بناء العمل النحتي من مادة البرونز و مادة الخشب، ليتخذ الفنان صالح القرغولي من صيغة تجنيس خامات مختلفة في خواصها في بناء جسد العمل النحتي، إذ يتحرك الفنان باتجاه توظيف الخامات وإبدال سماتها الشكلية الفيزيائية، ويجري تقديمها بما يخدم الصورة الذهنية لصنع هيئات وكائنات بغية الإعلان عن فاعليتها في الاتصال مع ذهن المتلقي.
يشتغل التجريب عند الفنان صالح القرغولي بدافع متعة الاكتشاف لخواص المواد والخامات وتنوع طرق تشكيلها واختلاف تمثلاتها، سواء من ناحية الشكل العام أو درجة تفاعلها ضمن النسيج الداخلي
أمست الخامة عند الفنان صالح القرغولي تحضر بوصفها كيانًا ماديًا محمولًا بتصور ذهني، أي حضورها بما يتناسب مع الخرائط الجمالية المتصورة، أو لنقل المتخيلة باستعارته الحبال والخيوط والأسلاك ومواد الخردة المتهالكة، والإبقاء على الأثر بوصفه عنصر الإثارة والدهشة بما أن الاستعمال يمنح الأشياء ألفة، نحن نعشق الأشياء التي تحمل ذاكرة الأثر والاستعمال المتكرر لها.
استثمر الفنان صالح القرغولي الأشياء والخامات الجاهزة ليصنع منها أعمالًا مثل الأهوار من حبال وأسلاك ودشالي كانت للعيون، أو عمل بلقيس والهدهد، كانت بلقيس تتجسد من تجميع مواد مختلفة الخواص، جسدها من حبال ملفوفة، تاجها من الأسلاك وبشكل غرائبي، وليستدعي بهذا النظام الشكلي المقترح حالة تٱلف وانسجام عبر تنوع التقنيات ضمن بيئة حاضنة قادرة على البث والاتصال بالصورة المتخيلة عن الموضوع بلقيس أو الاهوار، كونها تعمل بمنظومة رمزية من العلامات العقدية أي التي تعاقد عليها المجتمع، بما أن المقترح التجريبي الذي قدمه الفنان صالح القرغولي مثل متغير أسلوبي وتقني دفع الفنان نحو تنوع يختبر المواد والخامات ويعيد تشكيلها بضرورات تمنحها الذات حينًا، أو تقدمها ضرورات جمعية واجتماعية مثال التنوع التجريبي المقترح لمواءمة فن النحت مع المحيط والبيئة، لذلك صرنا نشاهد مقترحاته البصرية تتخذ التجريب محرك لفعل الإبداع. منحوتات يجري تأثيثها بمواد وأدوات من الشارع أو بيئة السكراب، ذلك أن الاختبار التجريبي الحاصل عند الفنان صالح القرغولي يبغي هدم الحدود الفيزيائية للعمل الفني والشكل الإنساني، وتضمينه طاقة اللون الخلاقة مبتغاه الأساس مغازلة عين المتلقي، وخلق ملامس الهش والصلب وفضاءات رؤية من عدة جهات وأماكن للعمل النحتي هو حالة من انفتاح مساحة المشاهدة والحضور البصري .
يشتغل التجريب عند الفنان صالح القرغولي بدافع متعة الاكتشاف لخواص المواد والخامات وتنوع طرق تشكيلها واختلاف تمثلاتها، سواء من ناحية الشكل العام أو درجة تفاعلها ضمن النسيج الداخلي لمركباتها وعناصرها، إذ إن المواد من حبال وأسلاك وبقايا أجزاء من سيارات أو عتلات أو أشياء جاهزة يجري تأليفها لخلق صيغة بصرية متنوعة في الإظهار .
أخذت المقترحات التجريبية عند الفنان صالح القرغولي تتكيف مع ما تنتجه الثقافة والممارسات البدائية وأشكال التعبير، ليجري إخضاعها إلى ذلك المختبر التفاعلي والتواصلي بقصدية إنشاء سطوح لها مرجعيات في التداول مثل بيئة الأهوار بحضورها الاجتماعي والمتخيل، وبذلك فإن المقترحات التجريبية عند القرغولي عمدت إلى إنشاء أنظمة شكلية منفتحة على اختلاف مناطق الاختيار والانتقاء الغرائبي، سواء بالمادة أو الموضوعات، متخلصًا من أطروحات النخبة والذوق السائد، وليعمل على المغايرة في العرض وحتى أمكنة وفضاءات جديدة، إذ تفاعل الفنان صالح الفرغولي مع المتغيرات للأثر في الأمكنة، وعمد إلى توظيفها بحساسية عالية للخامات التي أفرزتها البيئة كمخلفات ومواد تالفة، يجري التعامل معها بخصوصية فن التجميع وتنوع تقنيات الاظهار، لتغدو السطوح البصرية النحتية فضاء رحب من التجريب والاختبار .
ولد الفنان صالح القرغولي في بغداد عام 1933. أكمل دراسته عام 1952 في معهد الفنون الجميلة بدرجة شرف. في 1958 أكمل الدبلوم العالي للفنون في باريس، وحصل على دبلوم عالٍ في الفن التشكيلي من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس البوزار. عاد إلى بغداد عام 1962 وعمل مدرسًا للنحت فيها، توفي في بغداد في شهر آب/أغسطس عام 2003.