انتبه إلى يديك وهما تتلمسان الطريق صعودًا باتجاه نهد صغير، فج، ساخن، حارق، عنيد، لا يتراجع، لا يستسلم، ويترنّح كمركب سكران بين أمواج جائعة في عاصفة يتيمة.
انتبه إلى قدميك وهما تحثّان الخطى نزولًا نحو ساحة خيبتك وسط مدينة أشباحك حيث لا ينتظرك سوى كلماتك الموتورة وظلالك المكسورة.
انتبه إلى قضيبك ينتصب رويدًا رويدًا في شارع مزدحم. اضغط عليه، اضربه، اطعجه، خذه جانبًا وامعسْه على أقرب حائط صارخًا فيه: "كلب ابن كلب".
انتبه إلى رأسك يكشط في يدك وأنت تحلم بالسفر، وبأنه غدًا ستأتي أشرعة طويلة كأعناق زرافات تحملك على رأس بريقها الأبيض. وجهُك والأفق. لا غير.
تريد سيجارة؟ ها البحر علبة كبريت زرقاء تحمرّ عند المغيب، ها الريحُ تشعلها كلما جاءت وذهب ضاربة الموج ومرتدّةً كمهماز سريع.
انتبه إلى خصلات شعرك وأنت تنفشها ذاهبًا إلى حبيبتك لتلسعها فترتاح. ما كان يفترض أن يكون سعادة، غدًا هديةً مسمومة. الحُب آخر معقل للخزي، آخرُ مخزنِ للسمّ الوفي.
انتبه وأنت تعيد ليلًا ترتيب نهارك الأهل في الشغل، الأولاد في الغيمة، المجرمون خارج السجن، الحياة على الطريق، الركوة فوق النار، القهوة دمٌ أسود.
انتبه إلى شفتيك وهما تمجان بلؤمٍ سيجارةً بائتةً تشتعل بطريقة خرقاء، فلربّما انفجرت في وجهك، والدخان المنسرب منها إلى الوراء ينذر حقًا بذلك.
انتبه أن تخطئ في عدّ أصابعك وأنت تحسب معها السيجارة.
انتبه إلى أول الخريف وآخر الربيع، فيهما من الهواء ما يكفي لفتلِ رأسك بالمقلوب. أما الشتاء فنم فيه كدبّ قطبي، والصيف شمّره كأكمام قميص، ثم انطلق مُراوحاً فصولك.
انتبه إلى عينك وأنت ترمشها باكرًا أن يهرب منها حلم ليلة أمس.
انتبه وأنت عائد آخر المساء بعد كأسين من الويسكي طويلتين طول الطريق، ألا يعرفك البيت ويحسبك عصفورًا غريبًا أضاع طريق العودة.
انتبه كل ليلة وكل صباح، وأنت تغفو وأنت تصحو، من لغمٍ تحت المخدّة.
انتبه إلى انتباهك يفلتُ منك كل يوم، كل لحظة، الآن.
- من كتاب "في الوقت بين سيجارتين" الصادر حديثًا عن "دار النهضة العربية"في بيروت.
اقرأ/ي أيضًا: