جددت لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، أمس الأربعاء، في تقريرها الرابع عشر، اتهاماتها للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية لـ20 مرة على الأقل، في هجماته على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة. وكان من بين الهجمات التي حدد التقرير مسؤولية النظام السوري عنها، الهجوم الذي استهدف مدينة خان شيخون بريف إدلب في وقت سابق من العام الجاري.
33 هجومًا كيميائيًا لنظام الأسد
قال رئيس اللجنة، باولو بينيرو، إنهم وثقوا شن النظام السوري 33 هجومًا كيميائيًا منذ عام 2011، موضحًا أن الهجوم الذي استهدف مدينة خان شيخون قبل خمسة أشهر، نفذته مقاتلة حربية تابعة للنظام السوري، أسقطت ثلاث قنابل، وقنبلة سارين، وقضى على إثرها أكثر من 80 مدنيًا. واستندت اللجنة في تحديدها مسؤولية النظام السوري عن الهجوم الذي استهدف خان شيخون، إلى معلومات حصلت عليها من 43 مقابلة أجرتها مع شهود زاروا الموقع، فضلًا عن اعتمادها على الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية.
شن النظام السوري 33 هجومًا كيميائيًا على الأقل منذ 2011 على مناطق سيطرة المعارضة، كان أفظعها على الغوطة في 2013
وهذا التقرير هو واحد من تقارير عدة، أصدرتها منظمات حقوقية مختلفة، اتهمت بشكل مباشر النظام السوري بتنفيذ هجمات كيميائية مكنته من استعادة السيطرة على أكثر من منطقة. لكن يبقى أفظعها الهجوم الذي استهدف بغاز السارين أو غاز الأعصاب مدن وبلدات ريف دمشق في آب/أغسطس 2013، وقضى فيه أكثر من 1400 مدني غالبيتهم من الأطفال، فيما عرف بمجزرة الغوطة.
اقرأ/ي أيضًا: صرخة خان شيخون في آذان عالم أصم
وحمّلت اللجنة في تقريرها، التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المسؤولية عن مقتل مدنيين بهجمات جوية في ريف حلب قالت واشنطن إنها كانت تستهدف بها تجمعًا لتنظيم القاعدة. كما أكدت اللجنة على "تقاعس" الولايات المتحدة عن دورها في حماية المدنيين عندما قصفت مسجد عمر بن الخطاب في قرية "الجينة" غربي حلب، ما أسفر عن مقتل 38 مصليًا. وبالجملة فقد قتل أكثر من 4500 مدني في سوريا منذ بدء التحالف الدولي هجماته ضد التنظيم المتشدد في أيلول/سبتمبر 2014.
إحباط بسبب تجاهل النظام السوري القرارات الأممية
منذ ثبوت استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، أصدر مجلس الأمن الدولي ثلاثة قرارات أممية، كان أولها القرار 2118 في 27 أيلول/سبتمبر 2013، والذي أدان الهجوم الكيميائي على ريف دمشق، ثم القرار 2209 في السادس من آذار/مارس 2015 حول منع استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأخيرًا القرار 2235 في السابع من آب/أغسطس 2015.
إلا أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، تجاهل كافة القرارات الأممية الصادرة في هذا الصدد، ودون أن يتعرض لأي ملاحقة أممية، ما أنمى شعورًا بالإحباط لدى أعضاء اللجنة. والشهر الماضي، كشفت عضو لجنة التحقيق الأممية، كارلا ديل بونتي، عن أنها ستقوم بتقديم استقالتها منها لأن اللجنة "لا تحظى بدعم أي إرادة سياسية. نحن بلا سلطة، ولا توجد عدالة من أجل سوريا"، كما قالت.
تجاهل النظام السوري كافة القرارات الأممية حول منع استخدام السلاح الكيميائي، ما دفع لجنة التحقيق الدولية إلى الشعور بالإحباط
ومنذ إصدار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريرها نهاية حزيران/يونيو الفائت المرتبط بشن النظام السوري الهجوم الكيميائي على خان شيخون، ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، شن النظام السوري خمسة هجمات كيميائية استهدفت حي جوبر الدمشقي ومدن الريف المحاذية للحي، حيث تشهد محاولات اقتحام يومية رغم إدراجها ضمن مذكرة مناطق "تخفيف التوتر".
اقرأ/ي أيضًا: الضربة الأمريكية.. وخيارات تقسيم سوريا
هل يقوم النظام السوري بتطوير أسلحة كيميائية؟
بعد يوم واحد من صدور التقرير الأممي، استهدفت هجمات صاروخية إسرائيلية مستودعًا للصواريخ، ومركزًا للبحوث العلمية شمال شرق مدينة مصياف بريف حماة. وأفادت تقارير للصحافة الغربية، أن المركز المستهدف صباح اليوم الخميس، يستخدمه النظام السوري في برنامج تطوير الأسلحة الكيميائية.
وغداة شن الهجوم الكيميائي على خان شيخون في نيسان/أبريل الماضي، أدرجت الولايات المتحدة 271 موظفًا من مؤسسات تابعة للنظام السوري على القائمة السوداء. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، إن الأسماء المدرجة ضمن القائمة، متحصلة على "تعليم عالٍ" سمح لها بالمساهمة في تطوير الأسلحة الكيميائية.
وفي آب/أغسطس الماضي كشف تقرير سري للأمم المتحدة عن اعتراض شحنتين من كوريا الشمالية إلى سوريا خلال الأشهر الستة الماضية، مُؤكدًا وجود "تعاون محظور في مجال الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية" بين النظام السوري وكوريا الشمالية، وهو ما يدل على مضي النظام السوري بتطوير أسلحة كيميائية رغم قرار الأمم المتحدة الذي طالب بتسليم كافة الأسلحة الكيميائية التي يملكها.
روسيا في ظهر النظام السوري
تصطدم الجهود الأممية لإدانة النظام السوري بحاجز الفيتو الذي استخدمته روسيا ضد ثمانية قرارات أممية على الأقل، صوتت عليها الدول الأعضاء خلال السنوات الست الماضية، الأمر الذي يعيق أي تحرك أممي مباشر وفعال بشأن سوريا. وكانت الخارجية الروسية قد وصفت تحميل الولايات المتحدة مسؤولية هجوم خان شيخون للنظام السوري، بـ"النفاق المثير للاستياء"، معتبرةً إياه تدخلًا في الشأن السوري!
من غير المرجح أن يؤثر تقرير لجنة التحقيق الدولية الأخير على عملية المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة، بسبب الضغوط الروسية
ويأتي التقرير الأخير مزامنًا لتصريحات مسؤولين غربين خلال الفترة الأخيرة، حول دور بشار الأسد في عملية الانتقال السياسي للسلطة، ومطالبتها المعارضة السورية بتخيلها عن مطلب تنحي الأسد عن السلطة خلال عملية المفاوضات القادمة، ما يُعقّد من إمكانية تقديم قيادات عسكرية بالنظام السوري للمحاكمة على خلفية ضلوعهم في ارتكاب جرائم ضد المدنيين. هذا ومن المتوقع أن تؤثر التصريحات الأخيرة سلبًا على دور اللجنة الأممية في عمليات التحقيق.
اقرأ/ي أيضًا: روسيا تقتل القتيل وتمشي في جنازته
ويُعتقد أن فحوى التقرير الذي حمل اتهامات مباشرة للنظام السوري، لن تؤثر على سير عملية المفاوضات بين النظام والمعارضة السورية نتيجة الضغوط التي تمارسها روسيا على المعارضة السياسية عبر منصة موسكو، لكنه في المقابل قد يساعد اللجان الحقوقية مستقبلًا، في حال تبنت الدول الغربية قرارًا يلزم بمحاسبة جميع الأطراف التي ارتكبت جرائم حرب في سوريا، ويأتي في مقدمتها ضباط برتب عالية تقود عمليات قوات الأسد العسكرية على الأرض إلى جانب الميليشيات الأجنبية والقوات الروسية معًا.
اقرأ/ي أيضًا:
وزارة دفاع للمعارضة السورية.. اصطدام بعناد روسيا وتشدّد "هتش"؟