26-يوليو-2024
منشآت تخزين صينية

(Getty) منشآت صينية لتخزين السلع الأساسية

سلّطت مجلة "إيكونوميست" البريطانية الضوء على جانبٍ غير تقليديٍ من سباق القوى العظمى، لا على السلاح هذه المرة، وإنما على تخزين السلع الغذائية والمعدنية والطاقوية.

وكشفت المجلة عن مراكمة الصين لمخزونات سرية من الغذاء والطاقة بكمياتٍ كبيرة في خطوة احتياطية لمواجهة التحديات الجيوسياسية الجديدة، التي قد تلقي بظلالها الثقيلة على ثاني اقتصاد عالمي، على غرار حصارٍ طويل الأمد لتايوان مثلًا، أو صراعٍ مع إحدى الدول، أو في أحسن الاحتمالات تفاديًا لما قد تقود إليه نتيجة الانتخابات الأميركية من صعود لترامب الذي سبق أن فرض تعريفاتٍ جمركية عالية على واردات بلاده من الصين، ما أجبر الأخيرة على الرد بفرض رسوم على فول الصويا الأميركي الحيوي بالنسبة لمكون غذائي أساسي في الصين، خاصةً أن دوائر القرار الصينية تتوقع أن ترامب، حال فوزه، سيسعى إلى خنق طرق الإمداد الحيوية إلى الصين.

تعتقد "إيكونوميست" أن الصين تُعدُّ نفسها لمواجهة بيئة أكثر عدائيةً من خلال زيادة مرافق بنياتها التحتية اللازمة لتخزين الإمدادات

استهلّت "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن التنين الصيني، وعلى مدى العقدين الماضيين، التهم كمياتٍ هائلة من المواد الخام، وأصبح سكان الصين أكبر عددًا وأكثر ثراءً وبحاجةٍ اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى المزيد من منتجات الألبان والحبوب واللحوم. كما أبدت صناعات الصين العملاقة نهمًا كبيرًا للطاقة والمعادن.

وبحسب المجلة البريطانية، يبدو المسؤولون الصينيون مصممون على التحول بعيدًا عن الصناعات كثيفة الاستهلاك للموارد، لأنّ المنطق يفرض على البلاد كبح شهيتها للسلع الأساسية، لكنّ الواقع عكس ذلك تمامًا.

واردات قياسية

في العام المنصرم، سجلت واردات الصين من الموارد الأساسية أرقامًا قياسيةً وارتفعت وارداتها من كافة أنواع السلع الأساسية بنسبة 16% من حيث الكم. ولا تزال هذه الواردات آخذةً في الارتفاع، إذ زادت بنسبة 6% في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2024.

والتفسير المنطقي لهذا النهم الصيني، وفق المجلة، هو أن الصين تخزن، على ما يبدو، السلع الأساسية باهظة الثمن، في وقتٍ يشعر صناع السياسات في بكين بالقلق إزاء التهديدات الجيوسياسية الجديدة، وليس أقلها أن رئيسًا أميركيًا جديدًا "متشددًا" قد يسعى إلى "خنق" طرق الإمداد الحيوية إلى الصين.

وترى "إيكونوميست" أن هذا المخاوف الصينية لها ما يبررها، ذلك أن الصين تعتمد على الموارد الأجنبية بكثرة. فعلى الرغم من أنّها تعدّ مركزًا لتكرير وتنقية العديد من المعادن في العالم، إلا أنها تستورد الكثير من المواد الخام، حيث تتراوح احتياجاتها من 70% من البوكسيت إلى 97% من الكوبالت. كما تعتمد على وارداتها من الطاقة. ومع أنها تمتلك كميات كبيرة من الفحم، فإن مخزوناتها من أنواع الوقود الأخرى يضطرها إلى استيراد 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي و70% من النفط الخام.

لكن الغذاء، وفق المجلة، يعد أشد الموارد إلحاحًا بالنسبة للصين، حيث تستورد اليوم 85% من 125 مليون طن سنويًا من فول الصويا الذي تستخدمه لإطعام 400 مليون خنزير، وتكاد تعتمد بشكل شبه كامل على المزارعين الأجانب في إنتاج القهوة وزيت النخيل وبعض منتجات الألبان.

وإدراكًا من الصين لهذه الحقيقة، شرعت في بناء مخزون "استراتيجي" من الحبوب والمعادن المرتبطة بالدفاع في نهاية الحرب الباردة، ثم أضافت إليه في ذروة ازدهارها الاقتصادي مخزونات من النفط والمعادن الصناعية.

أحداث مفسّرة

أعادت "إيكونوميست" أسباب إقدام الصين على زيادة مخزوناتها من السلع والمعادن، إلى 3 أحداث أخيرة، إحداها أن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، كان قد فرض في عام 2018 رسومًا جمركية على واردات بلاده من الصين بقيمة 60 مليار دولار، وهذا ما أجبر بكين على الانتقام من خلال فرض رسوم على فول الصويا الأميركي.

والحدث الثاني تمثل في تفشي وباء كوفيد - 19، الذي أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد، ورفع تكلفة المواد. وأخيرًا، تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في تأجيج الأسعار، وأظهرت أميركا عزمها على استخدام سلاح الحظر حتى ضد أعدائها الكبار، وفقًا للتقرير.

وأشارت المجلة إلى احتمال عودة ترامب "الذي لا يخفي رغبته في عرقلة الصين"، إلى السلطة مجددًا، وهذا ما ينذر بتقييد صادرات بلاده الغذائية إليها، والتي كانت قد شهدت انتعاشًا بعد رحيله عن البيت الأبيض في عام 2020. ويأمل المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية في أن تحذو دول كبيرة منتجة للمواد الغذائية، مثل البرازيل والأرجنتين، حذو الولايات المتحدة.

الصين تعد نفسها لبيئة أكثر عدائية

تعتقد "إيكونوميست" أن الصين تُعدُّ نفسها لمواجهة بيئة أكثر عدائيةً من خلال زيادة مرافق بنياتها التحتية اللازمة لتخزين الإمدادات، ورفع قدراتها التخزينية من النفط الخام من 1.7 مليار برميل في عام 2020، إلى ملياري برميل.

وتوخيًا لمزيد من الحذر، توقف خبراء الإحصاءات الصينيون، حسب "إيكونوميست"، عن نشر بيانات حول مخزونات العديد من السلع الأساسية، على أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة، برأي المجلة، يكمن في الجهود التي تبذلها الصين لإخفاء المعادن والوقود.

وفي هذا الصدد، نقلت "إيكونوميست" عن توم برايس من بنك "بانروم ليبروم" الاستثماري البريطاني أنه اكتشف - من خلال تقديراته لمخزونات الصين من النحاس والنيكل والعديد من المعادن الأخرى التي كان من الممكن أن تستهلكها بشكل موثوق ومقارنتها بإجمالي العرض - أن تراكم تلك المخزونات منذ عام 2018 كان كافيًا لتغطية ما بين 35% إلى 133%، على الأقل، من احتياجاتها السنوية، حسب السلعة.

إيكونوميست: تخزين الصين للموارد الأساسية يوحي بأنه إجراء دفاعي

وفي الوقت نفسه، ارتفعت مخزونات النفط الخام لدى الصين بمتوسط 900 ألف برميل يوميًا منذ بداية العام، وذلك وفقًا لتقديرات شركة "رابيدان إنرجي" لاستشارات الطاقة، وبمعدلات ملء تقدر بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم في حزيران/يونيو المنصرم، وهي تعد الأسرع خلال العام. وأوشكت الصين على الاقتراب من تخزين 1.3 مليار برميل، وهو ما يكفي لتغطية احتياجاتها من وارداتها النفطية لمدة 115 يومًا (بالمقارنة مع 800 مليون برميل تحتفظ بها أميركا).

وتختتم إيكونوميست تقريرها بالقول إن الإمدادات التي تسعى الصين للحصول عليها هي بالضبط تلك التي تحتاجها للصمود في صراعٍ طويل الأمد، ربما أثناء حصارها لتايوان.

وتنسب إيكونوميست إلى المحلل السابق في وزارة الدفاع الأميركية، غابرييل كولينز، القول: "بإضافة هذا إلى الحشد العسكري الصيني، فإن ذلك يثير قلقًا بالغًا".

وتقول المجلة إن الرأي الأرجح هو أن لجوء الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تخزين تلك الموارد يوحي بأنه "إجراء دفاعي"، طالما أنه لم يرق حتى الآن إلى المستوى الذي يجعله في مأمنٍ إذا نشب صراعٌ عنيف بين الصين وإحدى دول المنطقة، أو الولايات المتحدة الأميركية.