اعتقد مايكل كوهين ذات مرة أنه سيقود حملة دونالد ترامب الرئاسية. عندما لم يتحقق ذلك، أخبر أصدقاءه بأنه ربما يكون رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض. لم يحدث هذا أيضًا، ولكن مع ذلك أقسم أنه كان ليفتدي ترامب برصاصة في صدره. في النهاية، وقف المحامي الشخصي للرئيس لفترة طويلة أمام قاضٍ اتحادي في محكمة مدينة نيويورك في 21 آب/ أغسطس وأقسم على شيء آخر تمامًا: أنه قد تورط في جريمة نسقها الرجل الذي يجلس الآن في المكتب البيضاوي.
اعترف كوهين بأنه مذنب في ثماني تهم جنائية، بما في ذلك ترتيب دفع أموال خلال الحملة الانتخابية للرئيس عام 2016، لقمع امرأتين تورط معهما ترامب "خارج نطاق الزواج"
ثور ترامب الذي لم يعد مخلصًا!
حتى في فترة رئاسة تتخللتها لحظات عجائبية، كان المشهد مذهلًا. اعترف كوهين بأنه مذنب في ثماني تهم جنائية، بما في ذلك ترتيب دفع أموال خلال الحملة الانتخابية للرئيس عام 2016، لقمع امرأتين تورط معهما ترامب "خارج نطاق الزواج". وقد أقر كوهين بذلك قائلا: "بتوجيه وتنسيق مع ترامب نفسه، قمت بذلك". مع هذا التصريح الاستثنائي، تورط رئيس الولايات المتحدة في جريمة اتحادية - بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية - وكان "الهدف الرئيسي"، حسب كوهين نفسه، هو التأثير على الانتخابات التي فاز بها ترامب، حسب ما نشرته صحيفة التايم، مرفقًا بقصة مفصلة لعلاقة كوهين بترامب.
دمجت كل تلك الدراما في قاعة المحكمة جميع المشاكل القانونية والسياسية التي يواجهها ترامب في انفجار عظيم واحد، وسلطت الضوء على تاريخ ترامب الدنيء مع النساء، بالإضافة إلى استعداده لطمس الحدود بين كونه رجل أعمل ورجل سياسة، وأدت إلى تزايد تداعيات التحقيق بقيادة المستشار الخاص روبرت مولر، الذي أحال قضية كوهين إلى المدعين الفيدراليين. والأسوأ من ذلك أن الانفجار وقع بعد دقائق من إدانة بول مانافورت رئيس حملة ترامب في ثماني تهم تتعلق بالتهرب من الضرائب والاحتيال المصرفي، خلال قضية رفعها نواب مولر. وتلا ذلك الكشف عن أن مستشار البيت الأبيض دون ماكغان تعاون على نطاق واسع مع فريق لتحقيق التابع لمولر، حيث جلس معه لأكثر من 30 ساعة في مقابلات تفصيلية وصريحة.
سارع رودي جولياني، المحامي الشخصي الحالي للرئيس إلى الرد بسرعة، وأصدر بيانًا إلى الإعلام، قائلًا"من الواضح أنه، كما أشار المدعي العام، إجراءات السيد كوهين تعكس نمطًا من الكذب والتضليل على مدى فترة طويلة من الزمن". لكن التفاصيل التي كشفتها التحقيقات مع كوهين مثيرة للاهتمام، و تدل حسب مراقبين أن هذا الرجل، كان صندوقًا أسود لأسرار ترامب وفضائحه.
اقرأ/ي أيضًا: هل بدأ المسلسل الفعليّ نحو عزل دونالد ترامب؟
تعود العلاقة بين الرجلين إلى منتصف عام 2000، بعد أن اتخذ كوهين، الذي كان يمتلك وحدات سكنية في عدة مبان تابعة لترامب في نيويورك، جانب الرئيس في نزاع قانوني مع المجلس المحلي بخصوص برج ترامب، الذي يقع عل الجانب الشرقي من منهاتن، وفي النهاية، ذهب كوهين للعمل في مؤسسة ترامب، حيث شغل فيها مناصب نائب الرئيس التنفيذي والمستشار الخاص للشركة.
قال ترامب عن كوهين في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك بوست عام 2007: "لدى مايكل كوهين نظرة ثاقبة على سوق العقارات. لقد استثمر في المباني لأنه يحب كسب المال، وهو يفعل"، ولأكثر من عقد من الزمان، كان ولاء كوهين لترامب غير قابل للجدال، حيث اكتسب سمعة بأنه "ثور" لترامب.
أما كوهين نفسه فقد قال ذات مرة في مقابلة أجريت معه عام 2011 مع إيه بي سي نيوز: "إذا قام شخص بشيء لا يعجب السيد ترامب، فإنني أفعل كل ما في وسعي لحل هذه المشكلة لصالح السيد ترامب".
تختلف المقاضاة عن الإقالة، حيث كان هناك اثنان من الرؤساء الأمريكيين الذين تمت مقاضاتهم في الماضي ولم يتم إقصاؤهم من المنصب
وفي عام 2010، كان كوهين من بين مبدعي موقع الويب ShouldTrumpRun.org، الذي سعى إلى تشجيع نجم العقارات في نيويورك ونجم تلفزيون الواقع على متابعة تحدي الرئيس باراك أوباما في انتخابات 2012. كما غطت تعاملات كوهين في شركة ترامب العائلية حملة واسعة من إمبراطوريتها العالمية، بما في ذلك العديد من المشاريع التي لفتت انتباه المحققين الفيدراليين، حيث لعب كوهين دورًا أساسيًا في المناقشات المبكرة حول بناء "برج ترامب" محتمل في موسكو.
المسؤل عن دفن جثث ترامب!
في كانون الثاني/يناير، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" لأول مرة عن دور كوهين في التفاوض على اتفاقية سرية مع الممثلة الإباحية الأمريكية ستيفاني كليفورد، والمعروفة باسم "ستورمي دانيالز"، حيث دفع كوهين لدانيلز في هذه الصفقة التي تم إبرامها قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الرئاسية، 130 ألف دولار مقابل صمتها عن العلاقة التي كانت تجمعهما. وبعد الكشف عن صفقة دانيالز، أصر كوهين على أنه تصرف بمفرده في صفقة دانيالز وأنه لم يتم تسديد المبلغ من قبل أموال الحملة.
و قبل أربعة أيام من مداهمة السلطات لممتلكات كوهين في نيويورك، قال الرئيس ترامب للصحفيين إنه لا يعرف لماذا دفع كوهين لدانيالز. واعترف الرئيس في وقت لاحق، في نموذج الإفصاح المالي الذي تم تقديمه الشهر الماضي مع مكتب الأخلاقيات الحكومية، بأنه سدد لكوهين، ما دفعه لدانيالز.
ثم هناك كارين مكدوغال، التي وقعت في آب/أغسطس عام 2016، صفقة بقيمة 150 ألف دولار مع مع شركة أمريكية، كقيمة لحقوق نشر قصتها حول علاقة رومانسية مزعومة مع ترامب في عام 2006، لكن المجلة لم تنشر القصة. وزعمت مكدوجال في دعوى قضائية رفعتها في وقت سابق من هذا العام أن كوهين قد تآمر مع محاميها السابق لدفن القصة. أما ترامب فقد نفى من خلال ممثليه مزاعم مكدوغال ودانيالز.
ترامب.. أنا أو الفوضى!
مستعيرًا الفكرة من حلفائه الديكتاتوريين الذين يدعمهم بمال المعونة تارة وبالابتزاز السياسي تارات أخرى، صرح ترامب لقناة فوكس الأمريكية، أن عزله قد يؤدي إلى "تهاوي أسواق المال، وأن الجميع سيفلسون". بينما كانت ردود أفعال أسواق المال على تصريحه مخيبة لآمال ساكن البيت الأبيض، حيث تأثر مؤشر داو جونز قليلًا، لكن نشاط أسواق المال كان عاديًا للغاية.
وبعيدًا عن فوضى السياسة والتصريحات، فقد تحدثت صحف ووسائل إعلام عالمية خلال الفترة الماضية، بجدية غير مسبوقة، عن مستقبل ترامب في مؤسسة الرئاسة. وفصلت صحيفة التليغراف البريطانية بخصوص الاحتمالات المفتوحة أمام الرئيس، وحقيقة ما سيحدث وكيف يمكن حدوثه، أي باختصار عن كيف تجري الأمور فيما يخص الرئيس المثير للجدل. فالإقالة هي العملية التي بموجبها يضع الكونغرس بعض المسؤولين، أي الرئيس، أمام المحاكمة. حيث يخصص الدستور نطاقًا واسعًا من الجرائم التي يمكن أن تؤدي إلى مثل هذا الاتهام: "الخيانة، الرشوة، أو غيرها من الجرائم والجنح".
مستعيرًا الفكرة من حلفائه الديكتاتوريين، صرح ترامب لقناة فوكس الأمريكية، أن عزله قد يؤدي إلى تهاوي أسواق المال
هذا لا يعني أنه سيتم طرد الرئيس من منصبه. حيث إن هذه الإجراءت تسير مثل مشروع قانون يمر عبر الهيئة التشريعية. أولًا، يتعين على الأغلبية في مجلس النواب - 218 من أصل 435 عضوًا - الموافقة على مواد العزل.
وحيث إن التشكيلة الحالية من مجلس النواب تفضل ترامب، وحيث يحتفظ الجمهوريون بـ 238 مقعدًا بينما يمسك الديمقراطيون بـ 193، فإن 25 جمهوريًا، بالإضافة إلى كامل الأعضاء الديمقراطيين، سوف يحتاجون إلى التصويت على ترامب من أجل إقرار عزله، وهو ما يبدو أنه سيناريو غير محتمل. ثم يأتي دور مجلس الشيوخ، حيث هناك حاجة إلى أغلبية الثلثين لإدانة الرئيس وبالتالي إقالته من منصبه وهو أمر صعب بالنسبة لأي من الطرفين.
اقرأ/ي أيضًا: ترامب الفاضح للحلفاء.. المفيد للأعداء!
وتختلف المقاضاة عن الإقالة، حيث كان هناك اثنان من الرؤساء الأمريكيين الذين تمت مقاضاتهم في الماضي ولم يتم إقصاؤهم من المنصب. أحدهما أندرو جونسون عام 1868. وقد اتهم بخرق القانون بعد أن حاول استبدال وزير الحرب الأمريكي، إدوين ستانتون، دون إذن من الكونغرس. وفي ذلك الوقت، في أعقاب الحرب الأهلية، طُلب من الرئيس التشاور مع مجلس الشيوخ حول مثل هذه القرارات. وقد تم التصويت على عزله في مجلس الشيوخ، ونجا من العزل من خلال هامش صوت واحد.
كان الرئيس الآخر بيل كلينتون بسبب فضيحة مونيكا لوينسكي. حيث تم اتهامه بتهمة الحنث باليمين وعرقلة العدالة في عام 1998، لكنه بُرئ في محاكمة مجلس الشيوخ.
ما الذي يمكن أن يدين ترامب في ظل القانون الأمريكي؟
تبين التقارير أن مولر المحقق المسؤول الآن عن الانتهاكات المتعلقة بانتخابات 2016، يحقق في احتمال عرقلة تحقيق العدالة، الأمر الذي قد يكون أكثر صعوبة بالنسبة لترامب. كانت إعاقة العدالة واحدة من التهم الموجهة إلى كلينتون، فيما وجهت هذه الاتهامات نفسها ضد ترامب بمجرد أن أقال قائد مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، الذي كان يقود تحقيقًا في علاقات حملة ترامب مع روسيا. إن مذكرة كومي التي تدعي أن ترامب حثه على إنهاء التحقيق بخصوص فلين لم تؤد إلا إلى تغذية تلك الاتهامات.
وعلى أي حال، فإنه إذا تمت مساءلة الرئيس ترامب وإبعاده عن منصبه، وهو أمر غير مرجح في الوقت الحالي، فإن نائب الرئيس مايك بينس سيتولى مهامه.
اقرأ/ي أيضًا: