تبدو المعادلة التي وضعها الأمير السعودي المتهور، محمد بن سلمان، خلال سنواته الثلاث السابقة التي صعد فيها لحكم المملكة، واضحة وبسيطة: يمكنك توجيه الإهانة لنا لكن لا نقبل أن تتحدث عن الحريات والثورات وحقوق الإنسان في المملكة، أو الوطن العربي.
بينما يختلق ابن سلمان معاركه الخاسرة تحت عنوان "رفض التدخل الأجنبي"، فإنه يتحول إلى حمل وديع عندما يتعلق الأمر بإهانة مباشرة وصريحة ومتكررة من الرئيس الأمريكي
يحب ولي العهد السعودي دونالد ترامب، ويرفض باراك أوباما ويتصارع مع كندا ويصرخ في وجه ألمانيا، ويحاصر قطر ويتحالف لضرب اليمن ويتآمر ضد لبنان، ويختطف أمراء من العائلة المالكة، وأخيرًا صحفي معروف، وبينما يختلق معاركه الخاسرة تحت عنوان "رفض التدخل الأجنبي" ومصالح المملكة والأمن القومي، فإنه عندما يتعلق الأمر بإهانة مباشرة وصريحة ومتكررة من شخصية عامة ومعروفة وذات ثقل سياسي مثل الرئيس الأمريكي، يتحول لحمل وديع يخطٌب ود الرئيس ويتراجع للوراء، كما حدث مساء الجمعة، أمام الأسئلة التي طرحت عليه من جانب وكالة بلومبيرغ الأمريكية، خلال حواره الثاني مع الوكالة منذ ظهوره كلاعب أساسي في المملكة، بعد أن كان الأول في عام 2016.
إهانة ترامب
لثلاثة مرات في أسبوع واحد، يصدر ترامب إهانات متكررة ضد السعودية وملكها. كانت الأولى في 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، خلال تجمع انتخابي بولاية ويست فرجينيا، تحدث ترامب فيها عن تفاصيل مكالمته الهاتفية مع العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وأكد على أهمية حماية واشنطن لكرسي الملك مقابل المال. ثم عاد في 2 تشرين الأول/أكتوبر ليكرر نفس المضمون تقريبًا أمام تجمع انتخابي في ولاية مسيسيبي، قائلًأ، إنه حذر سلمان من عدم قدرته على البقاء في السلطة "لأسبوعين"، دون دعم الجيش الأمريكي لبلاده. أما المرة الثالثة فكانت في الرابع من نفس شهر تشرين الثاني/أكتوبر الجاري، أمام حشد انتخابي في ولاية منيسوتا الأمريكية، وأكد على نفس التفاصيل السابقة مشيرًا إلي أن الجيش الأمريكي يحمي سلطة الملك سلمان مقابل المال.
اقرأ/ي أيضًا: وزيرة خارجية كندا: لن نتنازل عن التزامنا في الدفاع عن حقوق الإنسان
أظهر السؤال الأول في المقابلة حول تلك التصريحات المتكررة من ترامب، محمد بن سلمان، مهتزًا، وكشف عن قدر كبير من الازدواجية، وفي أنه قد يفهم من هدوئه أنه الرجل الدبلوماسي متحاشي الصدام، فإن سجل مغامراته المتهورة، يكشف عن كون هذا الهدوء ما هو إلا صمت التابع، وموافقته على التدخل الفج في شؤون المملكة، الذي لا يزعج هذه المرة "الأمير الطائش".
وبدا ابن سلمان متسامحًا مع تصريحات ترامب، قائلًا: "أنا أحب العمل معه. أنا حقاً أحب العمل معه ولقد حققنا الكثير في الشرق الأوسط خصوصًا ضد التطرف والأيدولوجيات المتطرفة"، ولم يسع ابن سلمان حتى لإبداء الانزعاج من إهانة ترامب، بقدر ما كان يسوق لنفسه وعمله وللحديث المستمر عن التحولات التي تحدث في المملكة منذ صعوده، وتذرع أنه "يمكن تقبل بعض الأصدقاء ولا يمكن أن يحظى شخص بأصدقاء يقولون أمورًا جيدة عنه بنسبة 100%"، وأضاف: "العلاقات جيدة، إذا نظرت إلى الصورة بشكل عام سيكون لديك 99% من الأمور الجيدة ومسألة سيئة واحدة فقط".
أما الهجوم الوحيد الذي شنه ابن سلمان ضد الولايات المتحدة، فقد كان ضد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في محاولة للتأكيد على رفض سياساته. وتابع: "الرئيس أوباما، خلال السنوات الـ8 التي قضاها، عمل ضد العديد من أجندتنا، ليس في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضًا في الشرق الأوسط"، معتبرًا بشكل مباشر أن صعود عبد الفتاح السيسي من خلال الانقلاب في مصر، مثل فشلًا لإدارته، بينما كان نجاحًا للإدارة السعودية".
لم يسع ابن سلمان حتى لإبداء الانزعاج من إهانة ترامب، بقدر ما كان يسوق لنفسه وعمله وللحديث المستمر عن التحولات التي تحدث في المملكة منذ صعوده
وأصبح من المعتاد صدور تصريحات من الولايات المتحدة حول حالة حقوق الإنسان في السعودية بشكل متقطع، ولكنها تشبه إلى حد كبير البيانات الدورية المعتادة، والتي تلحق ببيانات دول أخرى تنتقد المملكة دون إثارة ضجة، فيما يلزم البيت الأبيض بمساحة توافق مع النظام السعودي مبنية على الأموال التي تقتطع منهم فيما يشبه الضرائب غير المعلنة.
وتطرق الحوار بين ولي العهد وبلومبيرغ، إلى المعتقلين وأزمات حقوق الإنسان في السعودية. بدأه ولي العهد بالدفاع عن الاعتقالات، وبعرض سردية المؤامرة التقليدية، متهمًأ بعض من يقبض عليهم بالتخابر والتجسس مع دول أخرى. حيث اعتبر أن الناشطات النسويات المعتقلات مثلًا، "على علاقات مع وكالات لدول أخرى. ولديهن شبكة واتصالات مع أشخاص حكوميين، حيث يُسربنَ معلوماتٍ لمصلحة تلك الحكومات الأخرى.. نعم تجسس، مع دولتين هما بشكل رئيسي قطر وبعض الوكالات المرتبطة بإيران".
اقرأ/ي أيضًا: محفل بروباغندا ابن سلمان الغربي.. غراميات توماس فريدمان
وعلى صعيد أزمة فندق الريتز كارلتون التي اعتقل على أساسها العديد من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين، الذين كان من أبرزهم الوليد بن طلال ومتعب بن عبدالله، قال ولي العهد: "ما زال هناك نحو ثمانية أشخاص. هم الآن مع محامين خاصين بهم، ويواجهون القانون. حصلنا منهم نحو 35 مليار دولار وما تبقى سيتم تحصيله خلال العامين القادمين".
تاريخ من الإهانات
شغلت إهانات ترامب للملك السعودي العديد من المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة وأنها مكررة، بدءًا من حملته الانتخابية إلى توليه المنصب، كان آخرها، خلافًا للمرات الثلاثة التي حدثت خلال الأسبوع المنصرم، في آذار/مارس الماضي خلال اللقاء الأول للطرفين بعد تعيين ابن سلمان وليًا للعهد، عندما صنع من ولي العهد لوحة عرض يوضح فيها للرأي العام الأمريكي المبالغ التي سوف تدفعها السعودية لأمريكا، مقابل صفقات الأسلحة التي أبرمت بين الطرفين، قائلًا إن "الرياض تدفع جزءًا كبيرًا من فاتورة الدفاع للشرق الأوسط بأكمله".
وفي نيسان/ أبريل 2017، قال ترامب في لقاء مع رويترز: "بصراحة السعودية لم تعاملنا بعدالة، لأننا نخسر كمًا هائلًا من المال للدفاع عن السعودية". وفي آب/ أغسطس 2016، قال ترامب في خطاب جماهيري، إن "المملكة العربية السعودية لا تساهم بمبالغ كافية، مقارنة، بالحماية التي توفرها الولايات المتحدة لها". وفي نيسان/إبريل 2016 ، وخلال حملته الانتخابية قال ترامب أمام أنصاره، "إننا نرعى السعودية. الآن لا يستطيع أحد إزعاج السعودية لأننا نرعاها، وهم لا يدفعون لنا ثمنًا عادلًا. إننا نخسر كل شيء". أنا في أيار/مايو 2015 وصف ترامب، السعودية بـ"البقرة الحلوب"، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 غرد على موقع تويتر مهاجمًا السعودية، معتبرًا أنها "لا تملك سوى الألسنة والتخويف. إنهم جبناء يملكون المال، ولا يملكون الشجاعة". وهذا بخلاف تصريحات أخرى تتحدث عن دعم المملكة للإرهاب والأموال التي من المفترض أن تقدمها للولايات المتحدة.
اقرأ/ي أيضًا:
تشويشًا على النقد.. السعودية تستدعي إرهابها وتهدد كندا بشبح "غزوة مانهاتن"