تستمر عملية "درع الفرات"، محقّقةً نجاحاتٍ عسكريةٍ واضحةٍ للجيش الحرّ وتركيا على حساب تنظيم "داعش"، فاتحةً الباب أمام العديد من التّكهنات، خاصّة بعد الإستدارة الجزئية لتركيا ما بعد الإنقلاب، فلقاء الرّئيس التّركي أردوغان بأمين عام الحلف الأطلسي، ثبّت قاعدةً واضحة، أنّ تركيا مهما ذهبت في تحالفاتها الجديدة، لن تغيّر جذريًا من تحالفاتها.
تركيا لا يمكنها ترك النّاتو والإستدارة بشكلٍ كامل، فتركيا تريد من العلاقة مع روسيا بناء تحالف وعلاقات، دون قطع حبل الوصل مع الأميركيين
تركيا بحكم العمق الجغرافي والموقع، لا يمكنها ترك النّاتو والإستدارة بشكلٍ كامل، فتركيا تريد من العلاقة مع روسيا بناء تحالف وعلاقات، دون قطع حبل الوصل مع الأميركيين، لذلك لم تصل العلاقة بين الرّوس والأتراك لمستوى الحلف الاستراتيجي، وتجلّى ذلك برفض تركيا استخدام روسيا لقاعدة أنجرليك، فذهبت روسيا نحو "همدان" الإيرانية"، ولو أن الصّور من قمّة العشرين في الصّين، أظهرت ودًّا بين بوتين وأردوغان.
اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد
على أبواب معركة الرّقة المنتظرة، يزداد التّعقيد وضبابية المشهد، والالتباس حول الدّور التّركي والموقف الدّولي لا سيما الأميركي منه في المعركة، فمن سيحكم الرّقة ما بعد "داعش"؟ الأكراد عبر قوات سوريا الدّيمقراطية أم النّظام السّوري أم التّحالف الدولي؟ وفي حال دخول تركيا إلى الرّقة سيعني ذلك أنها قد تحوّلت إلى لاعبٍ خطير في الميدان السّوري، تملك من رقعة جغرافية وسكانيةٍ ما يوزي سيطرة الروس، ويسمح لها بمقارعتهم في المعركة الميدانية والسّياسية.
تذبذب الموقف الأميركي يجعل المراقب أمام استنتاجات عديدة، هل تؤيد أميركا تركيا أم الأكراد؟ هل تريد التّعاون مع الرّوس أم إغراقهم؟ فهي تستخدم الأكراد للضغط على تركيا، ثم تدعم تركيا وتهمّش الأكراد، وتعتبرهم ورقة تفاوضٍ أيضًا، وتعتبر الإدارة الأميركية نفسها الرّابح الأكبر مما يجري في سوريا، الأطراف جميعها متورّطة إلا الأميركان، ولن تفرط بالورقة الكردية بسهولة، فالأكراد أثبتوا أنفسهم حليفًا قويًا، وبذات الوقت، يمثلون ورقة ضغط على العراق، سوريا وإيران وتركيا حتّى.
اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر
لذلك، لم يكن ليحصل التّقدّم التّركي في جرابلس، والتّدخل العسكري في سوريا لولا معرفة مسبقةٍ لروسيا واميركا، في نوعٍ من أنواع التّنسيق بين جميع الأطراف، بهدفٍ أساسي تنشده تركيا، هو طرد داعش والأكراد من حدودها أولًا، وثانيا منطقة آمنة على حدودها، تتوسّع فيها تحديدًا من غرب نهر الفرات نزولًا إلى عفرين ووصولًا إلى مشارف حلب وضواحيها الشّمالية، قد تصل مساحتها لأربعة آلاف كلم، تُدخل إليها اللاجئين وتجعلها منطقة آمنة محمية.
ما يدفع الأتراك للتنسيق والتّعاون هو الهاجس الكردي، مع أن أميركا وروسيا يرفضان لليوم منطقة آمنة، إلّا أن تركيا ماضٍية في مشروعه بشكل عملي، مع أن المنطقة الآمنة في حال إنشائها، يعني أنّها ستكون عرضةً للهجمات الكردية من جهة، ولهجمات داعش من جهةٍ أخرى، ناهيك عن ضربات النّظام السّوري الذي لن يوافق على استحداث منطقة آمنة بغطاء جوي هجين بالنّسبة إليه، أي أن التّعقيدات جدّ كبيرة بين جميع الأطراف، خصوصًا بين تركيا ورسيا.
ما يجري في جرابلس اليوم، هو محاولة إظهار نموذج جديد لإحتضان اللاجئين، تتعاطى تركيا مع الملف كأساسٍ في تدعيم فكرتها من المنطقة الآمنة، لكن إذا لم يتفق على حلّ سياسي دوليًا تكون تركيا جزءًا أساسيًّا منه، من الصّعب الحديث عن نماذج لاحتضان اللاجئين أو حلّ الأزمة، لأنه ولليوم، لم يقدم أحد أي خطّط واضحة، بالرّغم من التّشجيع الأوروبي لإيجاد حلول للاجئين بعيدًا عن أوروبا وحدودها، وفي حال تطور المعركة، قد يتحوّل الأكراد إلى لاجئين، بذلك أثبتت الحلول العسكرية أنّها حلول فاشلة، ولا حلّ إلّا بالسّياسة، وهذا ما يبدو معقدًا في الوقت الحالي.
اقرأ/ي أيضًا: