كثُرت جرائم القتل والعنف على أشكاله في لبنان خلال العام 2022، فيما يراه كثيرون انعكاسًا لانهيار الوضعين المعيشي والاقتصادي، وترهّل مؤسسات الدولة وعجزها عن ضبط الأمن. فقد تنوعت في لبنان مسببات العنف وأهدافها، بين السرقة والثأر ومحاولة فرض السيطرة على بعض المناطق والشوارع في ظل غياب الدولة، فيما استمرت جرائم العنف ضد النساء، في بلد تحكمه قوانين تنحاز للرجل، ويرفض المشرعون فيه وضع قانون يجرّم العنف الأسري ويحمي النساء والأطفال.
الجريمة الأكبر والأكثر بشاعة خلال هذا العام، كانت جريمة أنصار، حيث أقدم مواطن لبناني بمعاونة آخر من جنسية عربية أخرى، باستدراج أم وبناتها الثلاثة إلى مغارة في أطراف قرية أنصار الجنوبية، وأطلق عليهن النار وأرداهن قتيلات
لعلّ الجريمة الأكبر والأكثر بشاعة خلال هذا العام، كانت جريمة أنصار، حيث أقدم مواطن لبناني بمعاونة آخر من جنسية عربية أخرى، باستدراج أم وبناتها الثلاثة إلى مغارة في أطراف قرية أنصار الجنوبية، وأطلق عليهن النار وأرداهن قتيلات. الجريمة هزّت الرأي العام اللبناني، وشكلت صدمة للمواطنين وخاصة الفتيات، حيث شعروا أن حياة اللبناني باتت رخيصة، مع غياب القوانين وتفلّت السلاح وانتشاره.
القوى الأمنية ألقت القبض على منفذي الجريمة، وأصدرت حكم الإعدام بحق حسين فياض الذي كان على علاقة مع إحدى الفتيات المغدورات، وقد تضاربت المعلومات حول الدوافع والأسباب، في وقت سرت أحاديث عن تدخلات من جهات حزبية حاولت في البداية طمس الجريمة وإنقاذ القاتل.
على ذكر الجرائم ضد النساء، أجرت جمعية أبعاد المختصة بحماية النساء من العنف، إحصاءً كشف عن تعرض ست من أصل كل عشر فتيات في لبنان للاعتداءات الجنسية، وأن غالبيتهن لا يقمن بالتبليغ عن الجريمة بسبب خوفهن من ردة فعل المجتمع الذي يلوم الضحية ويشكك بعرضها وشرفها بحسب أبعاد.
وفيما يخص العنف ضد الأطفال، حذّرت منظمة اليونيسيف خلال العام 2021، من تنامي ظاهرة العنف ضدهم، في ظل الأوضاع الصعبة على كافة الصعد، وعاد المنظمة ونشرت تقريرًا خلال شهر تموز/يونيو من العام الحالي، تقريرًا أشارت فيه إلى أن حالات العنف ضد الأطفال تتزايد، ودعت إلى حماية الأطفال وحماية حقوقهم.
العنف ضد الأطفال تعدّد في هذا العام، من اعتداءات جنسية لم يسلم منها النازحون السوريون، وعمليات خطف بهدف الحصول على فدية، وحالات تعذيب واحتجاز مارسها الأهل ضدهم، وحالات تحرش في المدارس، فيما دفعت إحدى الطالبات في مدرسة في طرابلس، حياتها لنوع آخر من العنف، حيث انهار سقف الصف على رأسها خلال حصة دراسية، لتلقى حتفها ضحيةً للإهمال والاستهتار بحياة التلامذة، بالرغم من أن الأهالي كانوا قد طالبوا أكثر من مرة بترميم مبنى المدرسة المتداعي بما يهدّد حياة الطلاب، مع الإشارة إلى أن عدد كبير من مدارس لبنان لا تحظى بمعايير السلامة وخاصةً في الشمال، وبالتالي فإن التهديد ضد الطلاب مستمر، مع عدم قيام السلطات المختصّة بواجباتها.
في لبنان.. الموت بالجملة
في لبنان يمكن أن يدفع المواطن حياته ثمنًا لأتفه الأسباب، مع انتشار السلاح بكثرة بين أيدي المواطنين، ومعرفة المجرمين سلفًا بعجز الدولة وقدرتهم على الإفلات من العقاب.
من بين هذه الجرائم، وقع إشكال في منطقة طريق المطار في الضاحية الجنوبية على خلفية خلاف على ركن سيارة، فأطلق أحد المسلحين النار على حارس أمن يعمل في المحلة، لتنضم هذه الجريمة إلى العشرات منها، والتي تشهدها المناطق والشوارع في عدة مناطق من بينها الضاحية الجنوبية، حيث يسود منطق الأمن الذاتي وينتشر السلاح والصراعات على السيطرة على المفاصل التي تدر الأموال كاشتراكات الكهرباء والستالايت، والحصول على الخوّات بالقوة من المواطنين وأصحاب المحال التجارية.
الجرائم على خلفيات السرقة ظهرت بدورها في العام 2022، أبرزها كان مقتل شاب في العقد الثالث من العمر، كان في زيارة قصيرة إلى أهله في لبنان قادمًا من إيطاليا التي يدرس الطب فيها، حيث تعرّض له مسلحون قرب مرفأ بيروت وأردوه قتيلًا وسرقوا الأموال التي كانت بحوزته، كذلك أقدمت عصابة على قتل مواطن يعمل في تجارة السيارات، في الوادي بين قريتي الزرارية وأنصار، وسلبوا منه مبلغ 33 ألف دولار. مع الإشارة إلى أن اللبنانيون الذين عزفوا عن وضع أموالهم في المصارف بعدما فقدوا ثقتهم بها على قيامها باحتجاز ودائعهم صيف العام 2019، وإعلانها عدم قدرتها عن إعادتها لهم، باتوا يدّخرون أموالهم في منازلهم، وصاروا يحملون مبالغ كبيرة معهم لإتمام تجاراتهم في ظل توقف التعامل بالشيكات بنسبة كبيرة، ما زاد من حالات السرقة، وبات التجار عرضة لعمليات السرقة على يد العصابات التي تستفيد من غياب سلطة الدولة.
في واحدة من أبشع الجرائم خلال هذا العام، أقدم مجهول على اقتحام صيدلية وذبح الموظفة فيها عن طريق الخنق، في قرية المروج في جبل لبنان
وفي واحدة من الجرائم البشعة الأخرى خلال هذا العام، أقدم مجهول على اقتحام صيدلية وذبح الموظفة فيها عن طريق الخنق، في قرية المروج في جبل لبنان، وقد تمكنت شعبة المعلومات لاحقًا من كشف ملابسات الجريمة التي تبيّن أنها كانت بدافع السرقة، مع العلم أن المؤسسات التي تتوفر فيها مبالغ كبيرة مثل الصيدليات، محال بيع الهواتف وتحويل الأموال، ومحال الذهب والمجوهرات، باتت عرضة أكثر من غيرها وبشكل متزايد لعمليات سرقة خلال هذا العام.
قتلى بسبب رعي المواشي
لم تغب النزاعات والصراعات العشائرية والعائلية كما هي العادة في لبنان، وأدّت إلى جرائم قتل وخطف في أكثر من منطقة في البقاع، الشمال وضواحي بيروت، أبرزها كان في منطقة مشغرة في البقاع الغربي، حيث تجدّد الخلاف أكثر من مرة بين عائلتي شرف والعمار، على خلفية نزاع بسبب أفضلية رعي المواشي، فأسفرت الجولة الأولى من القتال عن مصرع ثلاثة شبان وإصابة آخرين بجروح، وكان ذلك في منتصف شهر أيلول \ سبتمبر، قبل أن تتجدد المواجهات بين العائلتين على خلفية ثأرية، بعدها بشهر تقريبًا، وتؤدي إلى سقوط قتيل.
عاصمة الشمال طرابلس التي ترزح تحت فقر مدقع وتعاني من التهميش، لم تسلم هي الأخرى من الجرائم
عاصمة الشمال طرابلس التي ترزح تحت فقر مدقع وتعاني من التهميش، لم تسلم هي الأخرى من الجرائم. أكثرها عبثية وإيلامًا كانت إقدام شخص يستقل دراجة نارية، بإطلاق النار على سائق سيارة ليرديه قتيلًا في منطقة الزاهرية بطرابلس، وقد تداول الناشطون اللبنانيون مقطع الفيديو الذي يظهر عملية القتل، وعبّروا من خلالها عن غضبهم وخوفهم من الحال المزرية التي وصلت إليها الأمور.