11-نوفمبر-2024
تسريبات مفخخة

جانب من الدمار الذي خلفته غارات الاحتلال على شرق لبنان (رويترز)

شنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية استهدفت للمرة الأولى بلدة القصر في الهرمل شرقي لبنان، في الوقت الذي تصدَّى فيه حزب الله لمحاولات تسلُّل جنود الاحتلال إلى بلدات خلف الشريط الحدودي في جنوب لبنان. وتأتي هذه المحاولات وسط تسريبات إسرائيلية تتحدث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، وصفت شروطها بأنها "مفخخة"، وتهدف إلى تحميل لبنان مسؤولية فشل الاتفاق.

رافق هذه التطورات إعلان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى، أمس الأحد، مسؤولية تل أبيب عن تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي استهدفت حامليها في جميع الأراضي اللبنانية في أيلول/سبتمبر الماضي، مشيرًا إلى أنه "قبل عملية البيجر أخبروني أن الولايات المتحدة ستعارض، لكني لم أنصت لهم"، وكان المقصود في حديثه وزير الأمن الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت.

ارتفع عدد الشهداء جراء غارات جيش الاحتلال التي استهدفت محافظة بعلبك الهرمل شرقي لبنان، أمس الأحد، إلى 18 شهيدًا، بحسب ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام. وأضافت أن مقاتلات الاحتلال شنت أكثر من 1150 غارة جوية على المحافظة منذ توسيع جيش الاحتلال عملياته العسكرية لتشمل جميع الأراضي اللبنانية في 23 أيلول/سبتمبر الماضي.

وصف محللون شروط اتفاق وقف إطلاق النار الإسرائيلية التي سربتها صحف عبرية بأنها "مفخخة"، الهدف منها تحميل لبنان مسؤولية فشلها

وأفادت الوكالة الوطنية بأن جيش الاحتلال شن غارات جوية استهدفت بلدات في قضاءي صور وبنت جبيل، بالتزامن مع تحليق طائرات مسيّرة استطلاعية وإطلاق قنابل ضوئية فوق قرى القطاعين الغربي والأوسط، وصولًا إلى نهر الليطاني والساحل البحري، في الوقت الذي قصف فيه حزب الله تجمعات جيش الاحتلال في محاور رامية، والقوزح، وعيتا الشعب.

وقالت مراسلة "التلفزيون العربي"، هديل نماس، إن جيش الاحتلال استهدف للمرة الأولى بلدة القصر في الهرمل بغارة جوية، مشيرةً إلى أن جيش الاحتلال كثف من استهدافه لمدينة الهرمل التي استقبلت آلاف النازحين من مدينة بعلبك خلال الأيام الماضية.

من جهتها، قالت مراسلة "التلفزيون العربي"، جويس حاج خوري، إنه بعد أسابيع من الهدوء الذي ساد بلدة عيتا الشعب، قام جيش الاحتلال بتفجير أحد المباني داخل البلدة، مشيرة إلى أن جنود الاحتلال دخلوا إلى شوارع البلدة انطلاقًا من موقع الراهب الإسرائيلي.

وأضافت حاج خوري أن بلدة عيترون تشهد معارك بين حزب الله وجيش الاحتلال، وسط محاولات تسلل جيش الاحتلال إلى بلدتي عيناتا وحداثا، وهما من البلدات البعيدة عن الشريط الحدودي. وبحسب حاج خوري، فإن هذا التسلل يأتي في سياق محاولات الاحتلال الوصول إلى مدينة بنت جبيل، مضيفةً أن حزب الله تصدَّى، أمس الأحد، لمحاولة التسلل، وأجبر جنود الاحتلال على الانسحاب.

وتأتي محاولات تسلل جيش الاحتلال إلى بنت جبيل، التي تحظى برمزية شعبية وسياسية لدى حزب الله، بعد إعلان وسائل إعلام عبرية أن رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، صادق على "توسيع المناورة البرية (الغزو) إلى مناطق جديدة في جنوب لبنان يعمل فيها حزب الله"، وسط مزاعم إسرائيلية بأن الهدف من وراء هذه الخطوة هو "تعزيز الإنجازات العسكرية".

تسريبات لشروط اتفاق "مفخخة"

التقارير الأخيرة التي تتحدث عما يوصف بـ"توسيع المناورة البرية" جاءت بعد ساعات قليلة من تسريبات جديدة تناقلتها وسائل إعلام عبرية تزعم حدوث تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان، بالإضافة إلى إعلان نتنياهو أنه تحدَّث مع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، ثلاث مرات خلال الأيام القليلة الماضية، واصفًا المحادثات بأنها "مهمة للغاية".

وأوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت، في حديثه لـ"التلفزيون العربي"، أن تسريبات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار جاءت في صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية الناطقة بلسان نتنياهو، معيدًا التذكير بالشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، التي لخصها بـ"إعادة ما أسماهم سكان الشمال إلى منازلهم بأمان، وتطبيق القرار 1701، الذي يشمل انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، بالإضافة إلى الحفاظ على منطقة أمنية عازلة".

وأضاف شلحت أن هناك شرطًا إسرائيليًا جديدًا يُجرى الحديث عنه خلال الأيام الماضية، ويتمثل في "أنه في حال عدم تنفيذ الاتفاق، تكون لإسرائيل الحرية في أن تتدخل لفرض تنفيذ الاتفاق"، بالإضافة إلى "ضرورة أن يتدخل الجيش اللبناني بقوة أكبر من السابق في منطقة جنوب لبنان تنفيذًا للقرار 1701"، إلى جانب قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل".

وأوضح شلحت في حديثه أن "حتى الآن لم يتم التوصل إلى تفاهمات بين الطرفين الرئيسيين المعنيين بهذا الاتفاق"، رابطًا الأحاديث المتداولة حول الاتفاق بالمستجدات الأخيرة، ومن ضمنها وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وما يروج له من مزاعم متعلقة برسائل ضمنية وصلت من ترامب تُفيد بأنه "يتعين على إسرائيل أن توقف الحرب في لبنان وغزة"، فضلًا عن مخاوف إسرائيلية من ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد تحررها من ضغوط انتخابات الرئاسة.

من جانبه، اعتبر مسؤول القسم السياسي في صحيفة "المدن"، منير الربيع، في حديثه لـ"التلفزيون العربي"، أنه "حتى الآن لم تتكبد إسرائيل الخسائر اللازمة التي تدفعها إلى الألم والتراجع عن قيامها بالعملية العسكرية في لبنان"، مضيفًا أن "قد تكون هناك نقاشات داخل إسرائيل حول عدم القيام بتوسيع العملية البرية لعدم تكبد خسائر كبيرة، وعدم تكرار تجربة حرب تموز عام 2006، لكن هذا الأمر لا يعني وقف الحرب أو العمليات الجوية العسكرية وعمليات الاغتيال".

وأوضح الربيع أن "هذه ليست المرة الأولى التي تعمد فيها إسرائيل إلى تسريب مثل هذه الأجواء"، مشيرًا إلى أن "النقاط المسربة في الاتفاق مفخخة وتدمج ما بين اتفاقين: اتفاق أميركي مع لبنان، واتفاق آخر جانبي بين الولايات المتحدة وإسرائيل يتعلق بحرية الحركة الإسرائيلية في لبنان، ما يعني تحويل لبنان إلى ضفة غربية"، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي ينفذها جيش الاحتلال في مدن الضفة الغربية المحتلة، مؤكدًا أن حزب الله ولبنان لن يوافقا على مثل هذه الشروط.

ولفت الربيع إلى أن "حزب الله يعتبر أن موازين القوى لا تسمح للإسرائيليين بفرض شروطهم بمثل هذا الشكل"، مضيفًا أن تسريب الاتفاق ليس إلا "محاولة لرمي الكرة في ملعب اللبنانيين وتحميلهم مسؤولية الرفض، لأنه لا يمكن للبنان أن يوافق على كل هذه الشروط". واستبعد الربيع أن يوقف نتنياهو الحرب قبل أو بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض، إذ يرى أن نتنياهو "سيحتاج إلى شهر أو شهرين لمواصلة العمليات كي يهدي لترامب هذا الوقف لإطلاق النار".