في مقابلة أجراها الصحفي دان دي لوس مع وزير الدفاع الأمريكي السابق، تشاك هاجل، كشفت مجلة "فورين بوليسي" على لسان هاجل الكثير عن كواليس إدارة البيت الأبيض للصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وخارجه، خلال الفترة التي قضاها في منصبه بين فبراير 2013 وفبراير 2015، والتي اعتبر الوزير السابق أنها انتهت بطعن البيت الأبيض له في ظهره ليخرج من البنتاجون مُقالًا بعد أن تكاثرت الأقاويل حول سوء إدارته لمنصبه وللصراعات الخارجية التي تشارك فيها الولايات المتحدة.
حتى في حال عدم ارتكاب هاجل لإخفاقات كبيرة، فإنه لم يحقق إنجازات ضخمة أيضًا
قبل سنوات قليلة، بينما يجلس هاجل مع زوجته بمطعم إيطالي راقٍ بشمال ولاية فرجينيا، رن هاتفه. كان الاتصال من البيت الأبيض، يريد الرئيس باراك أوباما أن يتحدث معه.
حدث ذلك في يوم 30 آب/أغسطس 2013، بينما كان الجيش الأمريكي يستعد للحرب. فقد حذر أوباما المستبد السوري بشار الأسد من أن نظامه سيواجه عواقب وخيمة إن تجاوز "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما قبل خطوات ضئيلة من استخدام بشار للأسلحة الكيميائية ضد شعبه. إلا أن الأسد أقدم على تلك الخطوات بالفعل وتجاوز الخط المزعوم، فقضى هاجل ذلك اليوم في الموافقة على الخطط النهائية للضربات الصاروخية الموجهة ضد دمشق. واستعدت المدمرات البحرية الأمريكية في البحر المتوسط لتلقي الأوامر في أي لحظة بالانقضاض على دمشق.
إلا أن أوباما أصدر أوامره للوزير المشدوه، هاجل، بالانسحاب. لقد أودى هجوم الأسد الكيميائي يوم 21 آب/أغسطس في ضاحية دمشقية بأرواح مئات المدنيين، ولكن الرئيس الأمريكي أعلن عدم اعتزامه تنفيذ أي أعمال عسكرية ضد الحكومة السورية، رغم تجاوزها للخط الأحمر الذي وضعه أوباما نفسه، ورغم تسديد ذلك التراجع لضربة موجعة للمصداقية الأمريكية.
يقول هاجل في حديثه الأول بعد إقالته من منصبه بشأن معاملة البيت الأبيض له إن البنتاجون قد تعرض للتحجيم والتقليل من شأنه عن طريق، ضمن وسائل أخرى، الوساطات – ما يعد تكرارًا لنفس انتقادات سابقيه على رأس وزارة الدفاع، روبيرت جيتس وليون بانيتا.
يتناول جزء كبير من حديث هاجل الصراعات التي دارت داخل الإدارة، والموجهة ضده تحديدًا، والتي وصفها بـ"سعي بعض مسؤولي الإدارة إلى تدميره على الصعيد الشخصي في آخر أيامه بالإدارة"، حيث وجهوا إليه الانتقادات في حوارات صحفية دون الكشف عن هوياتهم، حتى بعد تقديمه لاستقالته. ورغم عدم ذكر أسماء هوية هؤلاء المسؤولين إلا أنه يبدو واضحًا للغاية أنه يقصد مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، وبعض الموظفين التابعين لها. فقد تكررت الأقاويل حول تناطح هاجل مع رايس بصدد السياسية الأمريكية في سوريا والسجن العسكري الأمريكي في جوانتانامو.
جدير بالذكر أن البيت الأبيض قد رفض التعليق على ما ورد في هذا المقال من تعليقات من جانب هاجل بشأن تراجع أوباما عن قصف دمشق، وغياب الاستراتيجية الواضحة بشأن سوريا، ومعاملة الوزير السابق المنفرة من جانب الإدارة.
إلا أن مسؤول بارز بالإدارة قد علق، مع رفضه الإفصاح عن هويته، بأن الرئيس لم يكن مستعدًا للمضي قدمًا بصدد العملية العسكرية عام 2013 دون استشارة الكونغرس، والذي أيد قراره بالتراجع. فمهد قرار أوباما الأخير الطريق أمام اتفاق دبلوماسي بوساطة روسية انتهى بتسليم نظام الأسد لمخزون أسلحته الكيميائية.
كما أصر المسؤول البارز على أن الرئيس لديه استراتيجية واضحة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، استنادًا على الضربات الجوية تحت قيادة أمريكا وتدريب القوات المحلية، مع الضغط من أجل التوصل لحل دبلوماسي لإنهاء الحرب في سوريا والتفاوض من أجل خروج الأسد.
تعلق المجلة بأنه حتى في حال عدم ارتكاب هاجل لإخفاقات كبيرة، فإنه لم يحقق إنجازات ضخمة أيضًا. ففي أوج انقضاض وزير الدفاع المصري، في حينها، عبد الفتاح السيسي على الإخوان المسلمين، وتفاخر مساعدي هاجل بالاتصالات المستمرة بين الوزيرين، واعتبار هاجل قناة الاتصال الرئيسية للإدارة مع القاهرة. اتضح في النهاية أن السيسي قد تجاهل بالفعل مناشدات هاجل واستمر في حملته الوحشية لقمع التنظيم.
سوريا والعراق
يذكر هاجل أنه بينما سعى البيت الأبيض إلى البقاء خارج الصراع السوري، جاء التقدم المفاجئ لداعش في شمالي العراق في يونيو 2014 -وانهيار الجيش العراقي- كـ"صدمة" للإدارة، حسبما عبّر هاجل. وبسؤاله في مؤتمر صحفي في أغسطس من ذات العام عن طبيعة التهديد الذي يمثله داعش، قال هاجل إنه "يتجاوز أي شئ شهدناه من قبل"، وذكر تفوق التنظيم بالموارد المالية والمهارات العسكرية والدعاية الرقمية البارعة.
هاجل: منذ مغادرتي لمنصبي لم أشهد تجسد استراتيجية شاملة بشأن سوريا، إذ لا تزال الإدارة تصارع بصدد الاستراتيجية السياسية
إلا أن بعض مسؤولي الإدارة لم يكونوا مسرورين بشأن وصف هاجل، حيث قال: "وجهت لي بعض الانتقادات من داخل البيت الأبيض"، واتهمه البعض بمحاولة تضخيم الخطر، ولكن في النهاية، أثبتت الأحداث صحة وصفه.
ضمن القضايا التي اعتبرها هاجل محل جدل بين الإدارة والكونجرس أثناء عهده هي حدود دعم الولايات المتحدة للمقاتلين السوريين "المعتدلين"، فقد سأله السيناتور جون ماكين، وهو منتقد بارز لاستراتيجية البيت الأبيض لمحاربة داعش، حول إن كانت الإدارة تعتزم أن تهب لمساعدة المتمردين المدعومين من أمريكا في حال هاجمهم نظام الأسد، إلا أن الإدارة كانت قد تناقشت حول ذلك السؤال لأسابيع دون الوصول إلى حل نهائي، ما أجبر هاجل على الارتجال.
فقال في جلسة الاستماع بعد أن ضغط عليه ماكين: "في حال حدوث أي هجوم على من دربناهم ويدعموننا، سنساعدهم". إلا أن ذلك السؤال ظل مُغفلًا عنه على نحو صارخ في سياسة الإدارة لإدارة الصراع.
قال هاجل أنه منذ مغادرته لمنصبه لم يشهد حتى الآن تجسد استراتيجية شاملة بشأن سوريا. وأضاف: "لا تزال الإدارة تصارع بصدد الاستراتيجية السياسية، ولكن الوزير كيري يحرز بعض التقدم نحو الاستراتيجية الصحيحة"، مشيرًا إلى المحادثات الأخيرة مع روسيا، إيران، والعديد من الحكومات العربية.
سجن جوانتانامو
إلى جانب صراعات هاجل مع البيت الأبيض حول الملف السوري، احتل سجن جوانتانامو العسكري الأمريكي بكوبا حيزًا كبيرًا من مساحة الخلاف بينهما. فوفق قانونٍ اعتمده الكونجرس، تمتع هاجل، بصفته وزير الدفاع، المسؤولية الكاملة على الموافقة على نقل السجناء إلى دول أخرى. ما يعني أنه يتحمل كامل اللوم في حال حمل أحد المطلق سراحهم السلاح ضد الولايات المتحدة لاحقًا.
ومن جانب البيت الأبيض، الذي يحاول تحقيق وعد أوباما بإغلاق المنشأة التي أدينت من قبل منظمات حقوق الإنسان بوصفها ثغرة قانونية سوداء، فقد ضغط على هاجل حتى يوافق على نقل المزيد من السجناء إلى دول أخرى. إلا أنه كثيرًا ما رفض أو أخر توقيع قرارات النقل لعشرات السجناء عندما فكر بشأن المخاطرة الأمنية المرتفعة، وفق الاستشارات الواردة من داخل وزارة الدفاع. ما أشعر البيت الأبيض بالإحباط الشديد تجاه هاجل.
رغم دعم الوزير السابق لقرار إغلاق المنشأة، إلا أنه أصر على عدم التعجل بالموافقة على قرارات النقل. وبالفعل، ذكرت الخلافات حول محتجزي جوانتانامو من قبل مسؤولي البيت الأبيض بوصفها القشة الأخيرة التي أدت للإطاحة بهاجل. وللمفارقة فإنه خلال مدة العامين التي قضاها هاجل في منصبه، وافق على نقل أربعة وأربعين محتجزًا. بينما أعطى خليفته، أشتون كارتر، الضوء الأخضر لنقل خمسة عشر محتجزًا فقط حتى تاريخ 16 ديسمبر. وإن استمر كارتر على معدله الحالي فلن يتجاوز العدد الذي وافق عليه هاجل مع انتهاء الفترة الرئاسية الثانية لأوباما.
رغم جميع تلك الخلافات والصراعات، والطريقة التي خرج بها هاجل من منصبه، يقول الوزير السابق أنه لا يزال "يكن الكثير من الاحترام" للرئيس أوباما.
المصدر: Hagel: The White House Tried to ‘Destroy’ Me
___
اقرأ/ي أيضًا: