وصل إلى الحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي الحكومة الأكثر تطرفًا أو يمينيةً في تاريخ الدولة، ومن بين ما تثيره هذه الحكومة على الصعيد الفلسطيني والدولي والعربي، إلّا تشير إلى صراعات أخرى داخلية، تتكثف كلها في معركة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو الأولى أمام المحكمة العليا بحسب مقال في صحيفة هآرتس. والمعركة الأولى، هي نتيجة اعتراضات على تعيين أرييه درعي بمنصب وهو مدان سابق بجرائم جنائية، بالإضافة إلى توجه الحكومة شرعنة بؤرة حوميش الاستيطانية.
وصل إلى الحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي الحكومة الأكثر تطرفًا أو يمينيةً في تاريخ الدولة
الهجوم على المحكمة العليا في إسرائيل، يتقاطع من تصورات الأحزاب اليمينية عن المحكمة العليا أو الدستورية، باعتبارها هيئةً غير منتخبة، وتمثل القواعد الليبرالية في الدولة، وتحت ادعاءات معاداة ممثلي الشعب تتعرض للهجوم باستمرار.
ومع عودة اليمين الصهيوني إلى الحكم بتنويعاته الفاشية، يعود التصويب على المحكمة العليا الإسرائيلية من جديد، وهو نقاش قديم نسبيًا، ارتفعت وتيرته في الأشهر الأخيرة، وبتشكيك أكبر في المحكمة العليا ودورها وفعاليتها.
ورغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية، وكما تقترح الكثير من الدراسات والتقارير الحقوقية، مساهمة في الاحتلال بشكلٍ كبير، وتعمل على شرعنته باستمرار، ومنحت الضوء الأخضر لبناء المستوطنات، وتجاهلت الظروف المعيشية للفلسطينيين، إلّا أنها لا ترضي اليمين الصهيوني والرغبة المحمومة بالتوسع والسيطرة على المزيد من الأرض.
ورغم الممارسات الإسرائيلية الاستعمارية على امتداد أرض فلسطين، والتي تتكثف فيها عمليات القتل اليومي والاستيطان، إلّا أن اليمين ما يزال يرى في المحكمة العليا خطرًا عليه، ويسعى إلى السيطرة/ تفكيك المؤسسات غير المنتخبة، التي يفترض أن تحافظ على سير النظام السياسي، ضمن محدداته الدستورية. يتكامل ذلك، مع الأجواء الشعبوية في "إسرائيل" والتي تم استنفارها بشكلٍ كبير خلال الانتخابات الأخيرة، والتي انعكست بالوصول إلى أعلى نسبة تصويت منذ عام 1999، وهو ما انصب في صالح اليمين، الذي يعتبر نفسه الممثل الأكبر لـ"شعب المستوطنين" وبالتالي يتصرف باسم "الشعب" ويمتلك كافة الصلاحية على أساس حصوله على تفويض "الشعب".
التغلب على المحكمة العليا
وحول المحكمة العليا في إسرائيل، تحدثت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، في تقرير لها، عن إمكانية قيام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة بنيامين نتنياهو بتقويض عمل المحكمة العليا.
وتصف المجلة، الحكومة الجديدة بأنها الأكثر تطرفًا، حيث قالت "للمرة السادسة في مسيرته السياسية، أدى بنيامين نتنياهو القسم كرئيس جديد لوزراء إسرائيل في 29 كانون الأول/ ديسمبر، ولكن الحكومة التي انضمت له في المقاعد الأمامية من الكنيست، ليست مثل الحكومات الإسرائيلية التي سبقتها".
وتابعت المجلة بأن من بين الوزراء الجدد الذي كانوا يهنئون بعضهم البعض أثناء تنصيب الحكومة، عضو سابق في منظمة تم إدانتها لتبنيها الإرهاب، وقد أصبح وزيرًا للأمن القومي، أيّ إيتمار بن غفير. كما أن وزير المالية يعتقد أن "إتباع أوامر الله هي المفتاح للسياسة الاقتصادية" وتقصد بتسلئيل سموتريتش، أمّا وزير العدل فيخطط لنزع السلطات من المحكمة العليا، التي اعتبرت دائمًا بحسب المجلة "ساحةً للعقول الليبرالية المستقلة".
وعيّن نتنياهو صديقه المقرب ياريف ليفين وزيرًا للعدل، ووفقًا للاتفاق الائتلافي، يلتزم جميع أعضاء التحالف بدعم كل إجراء يقدمه ليفين فيما يتعلق بالنظام القضائي، والمحكمة العليا، وتعيين القضاة.
وكان رئيس وزراء الاحتلال قد وافق خلال المفاوضات لتشكيل الائتلاف الحكومي على الالتزام بإصدار قانون من شأنه أن يسمح للحكومة بتجاوز أحكام المحكمة العليا، حيث يمكن لمثل هذا القانون أن يقوض بشكلٍ كبير استقلالية المحكمة العليا، وقدرتها على "منع القوانين أو القرارات الحكومية التي تعتبرها غير دستورية، أو تنتهك حقوق الإنسان".
وخلال الحملة الانتخابية، شدد أعضاء من حزب الليكود، وزعماء من أحزاب أخرى يمينية متطرفة على أن تكون الخطوة الأولى بعد الفوز في الانتخابات، هو تمرير قانون يسمح لأغلبية 61 نائبًا بتجاوز أحكام المحكمة العليا. وينهي هذا القانون بشكل كبير أهمية المحكمة العليا، ويزيل واحدة من أكبر الضوابط على سلطة الحكومة، التي ستصبح بالفعل تسيطر على كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وتعلق المجلة على الأمر، قائلةً: "قضى نتانياهو معظم وقته خلال الأسابيع الماضية وهو يحاول بطريقة بائسة إقناع الرأي العام، وكذا أنصار إسرائيل الأمريكيين بأنه لن يطلق العنان لحلفائه الجدد لكي يغيروا طبيعة الديمقراطية الإسرائيلية"، لكن هذا سيكون "صعبًا، نظرًا لأن نتنياهو لم يمنح شركاءه المتشددين السيطرة على مجالات واسعة في الحكومة فقط، بل لأنه التزم وكجزء من التحالف بقانون يمنح الكنيست السلطة لكي تلغي قرارات المحكمة العليا".
وبموجب ذلك سيتم "تغيير قوانين مكافحة التمييز، بطريقة تعطي الأفراد والشركات الحق في عدم تقديم الخدمات لأشخاص عقيدتهم أو أن هويتهم الجنسية لا تعجبهم".
وتشير المجلة إلى أن حكومات التي ترأسها نتنياهو سابقًا كانت "أكثر اعتدالًا"، فقد ضمت أحزابًا من الوسط، وأحيانًا يسارية منحت له مجالًا للمناورة، بما سمح له بتجاوز بعض المطالب الأكثر راديكالية لشركائه في اليمين المتطرف.
لكن هذه المرة أحزاب الوسط، التي كانت في قلب الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة يائير لبيد، رفضت من حيث المبدأ العمل تحت رئاسة رئيس الوزراء المتهم بالفساد والرشوة، ولا يزال قيد المحاكمة.
وتقول المجلة، في نفس الأسبوع الذي عاد فيه نتنياهو إلى منصب رئاسة الوزراء، اتخذ شهود الادعاء موقفًا للإدلاء بأدلة تتعلق بالمزايا التنظيمية التي يتهم نتنياهو في منحها لبعض مالكي وسائل الإعلام الإسرائيلية مقابل تغطية إيجابية لحملته الانتخابية.
ومن غير الواضح كيف ينوي نتنياهو التعامل مع مشاكله القانونية الشخصية، بحسب المجلة، فقد بدأ وكلائه بالفعل في المطالبة بإقالة المدعي العام، الذي هو موظف حكومي في دولة الاحتلال، إذ يعتقد حلفاء نتنياهو أن جلب شخص آخر أكثر مرونة يمكن أن يعيد النظر في التهم الموجهة إليه، وهناك احتمال آخر طرحه أصدقاء نتنياهو، وهو أن تهمة الاحتيال يمكن اعتبارها تهمة غير جنائية.
وحتى قبل تنصيبها، كانت حكومة الاحتلال الجديدة قد استخدمت بالفعل أغلبيتها في الكنيست لتعيين أعضاء كانوا ممنوعين من المشاركة في الحكومة، بسبب إدانات جنائية سابقة ضدهم.
وقبل أيام قليلة من أداء فريق نتنياهو الحكومي اليمين الدستورية، تم تمرير قانون للسماح لأرييه درعي زعيم حزب شاس، وهو ثاني أكبر الأحزاب في الائتلاف، بأداء اليمين وزيرًا للداخلية والصحة، على الرغم من إدانته في وقت سابق بتهمة الاحتيال الضريبي.
توضح الصحيفة، أن منتقدي نتنياهو يخشون من أن تؤدي خطة منح الكنيست سلطة إلغاء قرارات المحكمة العليا، إلى إسقاط تهم الفساد عن نتنياهو. حيث أن هذه التغيرات القضائية تشكل سابقة لرئيس الوزراء الجديد، في محاولته للتخلص من مشاكله في المحكمة، التي يُحاكم فيها بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
"ثورة في المحكمة العليا"
وفي شهر تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة "معاريف" العبرية تقريرًا بعنوان "فرصة اليمين الكُبرى: الطريق نحو الثورة في المحكمة العليا؟"، والتقرير يشير إلى فرصة أخرى أمام حكومة اليمين لتغيير وجه المحكمة العليا، حيث وبحسب صحيفة "معاريف" من المتوقع أن يتقاعد أربعة من كبار قضاة المحكمة العليا في السنوات المقبلة -ثلاثة منهم يعتبرون ليبراليين-. مشيرةً إلى أن الائتلاف الحكومي اليميني، وفي حال تمكن من تغيير تشكيل لجنة القضاة في المحكمة العليا، سيكون قادرًا على تعيين قضاة محافظين وتشكيل وجه المحكمة العليا لسنوات عديدة قادمة.
وتنبع أهمية المحكمة العليا الإسرائيلية، من امتلاكها صلاحية إلغاء أي قانون يشرعه الكنيست في حال ثبت لديها أنه يتعارض مع قوانين الأساس (بديلة الدستور في إسرائيل).
ما هو دور المحكمة العليا؟
والمحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في إسرائيل، وتشمل عددًا محدودًا من القضاة. ويمكثون في مناصبهم عادةً حتى جيل السبعين، وهو سن التقاعد للقضاة في المحكمة العليا التي تملك أربع صلاحيات أساسية وهي: أولًا، أن تعقد المحكمة بهيئة محكمة العدل العليا. ويتم انعقاد المحكمة على هذا النحو للبت في التماسات مقدمة من أي شخص ضد أيّ سلطة رسمية في "إسرائيل"؛ وفي بعض الأحيان من قبل جمعيات متخصصة باسم جمهور معين أو باسم مصلحة الجمهور بشكل عام، وفي حالات نادرة جدًا من سلطة رسمية ضد سلطة رسمية أخرى. ثانيًا، تتشكل كهيئة استئناف على قرارات الحكم الصادرة عن محكمة مركزية. وثالثًا، عقدها جلسة إعادة نظر في قرارات أصدرتها المحكمة العليا نفسها، ويتم ذلك في حالات نادرة، بوجود إشكالية قضائية معقدة أو جديدة نسبيًا، وضمن لجنة موسعة من القضاة. ورابعًا، طلب إعادة المحاكمة في قضية جزائية ويكون ذلك على أساس وجود أدلة جديدة في قضية معينة تتعارض مع أدلة قائمة أو في حالة إيجاد متهم آخر بارتكاب نفس التهمة، أو في حالات نادرة في قضايا معينة يمكن أن تقيم الشك حول مصداقية وعدالة إدانة المتهم فيها. وبحسب قانون الأساس المخصص للقضاء في القانون الإسرائيلي، فإن قرارات المحكمة العليا مُلزمة لكل هيئة قضائية دونها، بينما هي غير ملزمة للمحكمة العليا ذاتها.
وبحسب صحيفة معاريف "ستنال الحكومة اليمينية، وفي حال استمرت لمدة ولايتها كاملةً، فرصة تعيين أربعة قضاة في المحكمة العليا بدلاً من أربعة قضاة حاليين سيتقاعدون في السنوات الثلاث المقبلة -بينهم محافظ واحد فقط- وبالتالي تشكيل وجه المحكمة العليا للسنوات المقبلة، من خلال تعيين قضاة محافظين".
ووفقًا للصحيفة "من المتوقع أن تتقاعد خلال العام الحالي رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت وتنهي فترة ولايتها في 16 تشرين أول/ أكتوبر 2023، وبعد أربعة أيام من القاضية عنات بارون. وبعد عام أيّ في 6 تشرين أول/ أكتوبر 2024، سيتقاعد نائب رئيس المحكمة القاضي عوزي فوجلمان، وبعد عام آخر، أي في 20 أيلول/ سبتمبر 2025، يتقاعد القاضي يوسف إلرون."
ولفتت الصحيفة النظر إلى أن "الأحزاب اليمينية لديها العديد من الانتقادات الموجهة للمنظومة القضائية بشكلٍ عام، والمحكمة العليا بشكلٍ خاص، ويرغبون في تعيين قضاة محافظين يتدخلون بدرجةٍ أقل في أعمال الحكومة والكنيست. وقد يرغبون أيضًا في تقليص حق المثول أمام المحكمة العليا".
الأحزاب اليمينية لديها العديد من الانتقادات الموجهة للمنظومة القضائية بشكلٍ عام، والمحكمة العليا بشكلٍ خاص، ويرغبون في تعيين قضاة محافظين يتدخلون بدرجةٍ أقل في أعمال الحكومة والكنيست
يشار إلى أن حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بتغيير لجنة اختيار القضاة في المحكمة العليا، بحيث يكون للأحزاب السياسية أغلبية في اللجنة مقارنةً بالوضع الحالي، حيث يمتلك الساسة أربعة أعضاء من تسعة.
وفي الوقت، الذي سنشهد فيه حكومة دموية تجاه الفلسطينيين، سنشهد صراعات واسعة داخلية على الحقوق الليبرالية، في ظل تمكن أقصى اليمين من السيطرة على الائتلاف، في حكومة توصف مرارًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن "نتنياهو سيكون على يسار كافة الأحزاب فيها".