22-أغسطس-2017

مجسم لترامب في شارلوتسفيل كتب عليه "فاشي" (سكوت أولسون/ Getty)

مع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 والممتدة للآن، تحوّلت اتجاهات أعدادٍ كبيرة من الجماهير، الغربية تحديدًا، إلى أحزاب وجماعات أقصى اليمين وأقصى اليسار، نتيجة لانعدام الثقة فيما تقدمه أحزاب الوسط، معلنين اضمحلال ما كان تُسمى بنظرية "الناخب الوسطي"، والتي تدعو إلى التركيز في عمليات الاقتراع والانتخاب على الناخب الوسطي واستقطابه.

ولتركيز الأموال غالبًا في أيدي مجموعات اليمين، تنامت قوته وشعبيته القاعدية في عدد من الدول الغربية، وبدأت أحزاب وجماعات اليمين تجني الثمار بشكل واضح منذ 2015، إذ وصل عدد لا بأس به من اليمينيين للقيادة في عالم السياسة.

دفعت الأزمة الاقتصادية العالمية بأحزاب وجماعات اليمين المتطرف للصعود بقوة على الساحة السياسية الغربية

هكذا كان الحال أيضًا مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي عرفت صعودًا قويًا لليمين المتشدد على يد دونالد ترامب، الرئيس المفاجأة، الذي ساهم نجاحه في الانتخابات ووصوله للبيت الأبيض، في صعود بعض جماعات اليمين المتطرف وتحركها دون رادع حقيقي، في ظل أجواء من الإقصاء والتمييز يقودها ترامب بالخُطب أحيانًا، وعلى أرض الواقع أحيانًا أُخرى كقراره بمنع دخول مواطني سبع دول للولايات المتحدة.

أحداث شارلوتسيفل.. ترامب يؤيد المتطرفين

قبل أيامٍ قليلة، خرجت جماعات يمينية متطرفة وسط مدينة بوسطن الأمريكية في تظاهرات دُعي إليها سابقًا، احتجاجًا على مطالبات بإزالة تمثال لجنرال كان قد حارب في صفوف المؤيدين لاستمرار العبودية في الحرب الأهلية الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة

تلك التظاهرة التي لم تجذب سوى أعدادٍ قليلة، تأتي في أعقاب أحداث وصفت بالعنيفة، شهدتها مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا، الأسبوع الماضي، بين يمينيين متطرفين ومناوئين لهم، تسببت في مقتل متظاهرة من المعارضين لليمين المتطرف، بعد أن دهسه شاب يميني بسيارته.

صور من الحساب الشخصي للشاب الذي قتل متظاهرة مناهضة لليمين (بازفيد)
صور من الحساب الشخصي للشاب الذي قتل متظاهرة مناهضة لليمين (بازفيد)

أمّا من جهة ترامب، فقد جاء تعليقه على أحداث شارلوتسفيل مخيبًا لآمال المناوئين لليمين المتطرف، إذ قال في تغريدة له على موقع تويتر، إنّه "من المحزن أن نرى تاريخ وثقافة بلدنا العظيم تنتهك بإزالة تماثيلنا ومعالمنا الجميلة"، وما زاد من الاستهجان ضد ترامب، أنّه دافع عن تظاهرة القوميين البيض، التي قتل أحد متظاهريها امرأة من الطرف الآخر، رغم أنّ مُستشار ترامب ستيف بانون، الذي كان يُوصف بـ"ثاني أقوى رجل في العالم" لنفوذه القوي داخل البيت الأبيض؛ وصف المتظاهرين القوميين البيض بـ"المهرجين". بعدها بيومين اُقيل بانون من منصبه مساعدًا للرئيس الأمريكي.

بالتأكيد لإقالة بانون أبعاد أُخرى، لكن كانت مفارقة أن يُقال بعد أحداث شارلوتسفيل وتعليقه عليها، ليقصى بذلك تمامًا من الإدارة الأمريكية، بعد أن اُقيل من مجلس الأمن القومي من نيسان/أبريل الماضي. وعلى كل حال، يبدو أنّ الرئيس الأمريكي ماضٍ في طريقه الصريح بدعم وتأييد كل ما يتعلق باليمين، وبطريقة متطرفة تكشف عن رغبة الرجل في إخضاع مؤسسات الحكم الأمريكية لصوت الرجل الواحد، ولعل إبعاده لعدد من أبرز مستشاريه ورجال إدارته كبانون أخيرًا ومن قبله مايكل فيلن، دليلٌ على ذلك، بالإضافة إلى ما إصراره على قرار منع دخول مواطني سبع دول للولايات المتحدة، وعناده مرة واثنتان تجاه قانون أوباما للرعاية الصحية (أوباما كير)، رغم رفض أغلبية مجلس الشيوخ باستبدال القانون.

وأخيرًا، يُصرّح رئيس جمهورية أقوى دولة في العالم بتأييد القوميين البيض، أكثر المجموعات اليمينية تطرفًا، فيما يبدو محاولة منهم للاستناد عليهم في مواجهة خصومه المتزايدين باستمرار.

تنامي اليمين المتطرف بعد مجيء ترامب

يُرجع البعض انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إلى أنّه كان عاملًا رئيسيًا تنامي تواجد اليمين المتطرف على حساب المحافظين واليساريين في البلاد، فوفقًا للمركز القانوني الجنوبي للفقر، وهو مؤسسة أمريكية تدافع عن الحقوق المدنية؛ فإنّ "هناك تناميًا كبير بين صفوف اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بعد مجيء ترامب للحكم"، مُشيرًا إلى أنّه يُراقب الآن "جماعات متطرفة ناشطة في الولايات المتحدة بمعدل ازدياد كبير".

شهد اليمين المتطرف تناميًا كبيرًا في الولايات المتحدة بعد وصول ترامب للبيت الأبيض

واليمين المتطرف، أو ما يُطلق عليه "اليمين البديل"، بدأ في الظهور بشكل كبير منذ 2008، قبل أن يتنامى وجوده في الولايات المتحدة مع وصول ترامب للحكم. وهم مجموعات كارهة للتجانس ومعارضة للمواءمة السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: هل صممت المنظومة الأمريكية لتحمّل رئيس مثل ترامب؟

ويساندون الآن ترامب في سياساته الاقتصادية، خاصة المنادية بتقليل الضرائب على الأغنياء، فكثير منهم يُصنّف ضمن الشرائح الأكثر ثراءً في الولايات المتحدة. وفي حين ترديدهم لمبادئ الدفاع عن "القومية البيضاء" وما يُسمونها بـ"الحضارة الغربية التقليدية"، يراهم المناوئون لهم أصحاب توجهات عنصرية معادية للحقوق المدنية.

متظاهر من اليمين المتطرف خلال مظاهرة مؤيدية لترامب (ويكبيديا)
متظاهر من اليمين المتطرف خلال مظاهرة مؤيدية لترامب (ويكبيديا)

ويملك اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية، عديدًا من المنصات الإعلامية عالية الصوت، والتي كان لها دورٌ كبير في الترويج والدعاية لترامب، إلى جانب التصريح بمواقفها العنصرية والمعادية بشكل فج للآخر من نساء ومسلمين وذوي الأصول الإفريقية والمثليين، وغيرهم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مترجم: "أمريكا ترامب تذكّر بألمانيا هتلر قبل الحرب العالمية الثانية"

عنصرية ضد اللاجئين في أوروبا.. من المهاجرين أيضًا!