قالت صحيفة "الأوبزرفر"، الأحد، إن العقوبات الأميركية ضد المستوطنين المتطرفين المتهمين بارتكاب أعمال عنف في الضفة الغربية المحتلة لم تعد مجرد "توبيخ سياسي"، إذ بات يُنظر لها من قِبل البعض داخل "إسرائيل" على أنها تهديد محتمل للسلامة المالية لجميع المستوطنات والشركات الإسرائيلية في الضفة المحتلة.
وأشارت الصحيفة، في تقرير، إلى أن العقوبات الأميركية الأخيرة بحق بعض المستوطنين والمنظمات المرتبطة بالهجمات على الفلسطينيين بالضفة، أُعلن عنها أول مرة في شباط/فبراير ثم توسعت في آذار/مارس ونيسان/أبريل، تُعتبر بمثابة تحول سياسي كبير، في العلاقة بين الإدارة الأميركية و"إسرائيل".
وقال خبراء للصحيفة إن: "القائمة الصغيرة نسبيًا لأهداف العقوبات في مستوطنات الضفة الغربية قد تدفع المؤسسات المالية إلى التراجع عن تقديم الخدمات لأي أشخاص أو شركات مقرها هناك، بسبب المخاوف من أنها قد تسهل عن طريق الخطأ المعاملات غير القانونية".
لم تعد العقوبات الأميركية على المستوطنين مجرد "توبيخ سياسي" بل أصبحت بمثابة تحوّل كبير في علاقة الإدارة الأميركية بالحكومة الإسرائيلية
وعلى عكس العقوبات السابقة المقتصرة على الأشخاص والجماعات الصغيرة، فإنه من المحتمل أن يستهدف الأمر التنفيذي الأخير الصادر عن إدارة جو بايدن أي شخص أو كيان: "مسؤول أو متواطئ في تهديد السلام أو الأمن أو الاستقرار" في الضفة الغربية المحتلة.
وبحسب التقرير، فإن ما سبق يشمل أيضًا السياسيين الذي يدعمون هؤلاء الأفراد ويمكّنونهم. كما تشمل الإجراءات الخاضعة للعقوبات: "توجيه السياسات أو سنها أو تنفيذها أو إنفاذها أو الفشل في إنفاذها"، الأمر الذي ترى الصحيفة البريطانية أنه صياغة يمكن: "استخدامها لاستهداف الأشخاص في قلب الحكومة الإسرائيلية".
وكان وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، قد قال في هذا السياق: "يجب على إسرائيل أن تفعل المزيد لوقف العنف ضد المدنيين في الضفة الغربية ومحاسبة المسؤولين عنه"، مؤكدًا كذلك أن الولايات المتحدة ستواصل: "اتخاذ إجراءات لتعزيز أهداف سياستها الخارجية بما في ذلك جدوى حل الدولتين".
ولفت شوكي فريدمان، باحث القانون ومستشار العقوبات العالمية والرئيس السابق لبرنامج العقوبات الإسرائيلي على إيران، إلى أن العديد من البنوك الإسرائيلية تُعيد تقييم تعاملاتها مع المستوطنين والمنظمات/الشركات الإسرائيلية بالضفة بعد صدور تحذير من شبكة مكافحة الجرائم المالية التابعة للحكومة الأميركية.
وقال فريدمان: "على الرغم من أن الأمر [التنفيذي الأمريكي] يفرض عقوبات على عدد قليل فقط من الأفراد، فإنه في الواقع يلقي بظلاله على جميع الأنشطة التي تأتي عبر الضفة الغربية".
وأضاف: "إنها تنزع الشرعية عنهم بطريقة تجعلك حذرًا بشأنها إذا كنت مؤسسة مالية، أو شركة تأمين، أو مستثمرًا مؤسسيًا، أو صندوق تحوط، أو أي شيء له علاقة بهذه الأنشطة. أنت تأخذ خطوة إلى الوراء. هذا هو المعنى الحقيقي لهذا الأمر".
في المقابل، اعتبر مايكل سفارد، وهو محام في محال حقوق الإنسان في دولة الاحتلال، العقوبات على أنها بمثابة "رسالة سياسية" من إدارة بايدن في محاولة للاستجابة لضغوط الناخبين بشأن دعمها لـ"إسرائيل". كما رأى أنه من الممكن أن تكون العقوبات التحول الأكثر أهمية في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه "إسرائيل" لسنوات عديدة، وهو تحول قد يؤدي إلى وقف ضم الضفة الغربية المحتلة.
ولفت سفارد إلى أنه: "يمكن لنظام العقوبات أن يعيد رسم الخط الأخضر"، وذلك في إشارة إلى حدود "إسرائيل" المعترف بها دوليًا منذ نكبة عام 1948.
بدوره، أشار "مجلس يشع"، وهو هيئة غير حكومية هدفها الاستيطان في الضفة وغزة، وتمارس ضغوطًا على الحكومة نيابةً عن المستوطنين، إلى أن العقوبات تعكس تحولًا واضحًا في السياسة الأميركية من شأنه أن: "يهدد مستقبلهم"، وذلك رغم ادعاءاتهم سابقًا بعدم وجود أي تأثير حقيقي لها للعقوبات.
وقالت متحدثة باسم المجلس: "الأمر لا يتعلق حقًا بعدد قليل من الأفراد"، وإنما: "بفرض عقوبات وربما فرض عقوبات على أي إسرائيلي لا يشاركها [الإدارة الأميركية] رؤيتها لما يسمى بـ(حل الدولتين)".
وفي حال توسعة الولايات المتحدة لقائمة الأشخاص والكيانات التي تستهدفهم العقوبات، فإنه سيصبح: "من المستحيل على البنوك الإسرائيلية الاستمرار في خدمة الشركات والمجتمعات في الضفة الغربية"، وفق ما جاء في تقرير الصحيفة البريطانية الذي أشار أيضًا إلى أن البنوك الإسرائيلية مضطرة للامتثال إلى الأوامر الأميركية للبقاء ضمن النظام المالي الدولي.
وعلى عكس دول مثل روسيا وإيران التي وجدت بديلًا للنظام المالي الدولي عقب العقوبات الأميركية، فإن "إسرائيل" لا تملك أي بدائل حقيقية بحسب سفارد، الذي قال: "من الممكن أن تجبر هذه العقوبات الإسرائيليين على الاختيار بين دعم المتطرفين المستوطنين والحفاظ على الاتصال بالنظام المالي الدولي".
وأضاف: "إذا كان عليهم الاختيار بين قضاء عطلة نهاية الأسبوع في روما أو التسوق في شارع أكسفورد ودعم المستوطنين، فأنا أعرف ما الذي سيختاره الكثيرون".
وبينما رحّب العديد من ناشطي حقوق الإنسان الإسرائيليين بهذه العقوبات، إلا أنهم أكدوا في الوقت نفسه بأنه على أميركا استهداف تمويل الأشخاص والمنظمات بشكل مباشر إذا كانت تريد وقف العنف.
ومن بين هؤلاء يهودا شاؤول، الذي قال: "لا ينبغي للمرء أن يلاحق الأفراد العنيفين فقط"، ذلك أن المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة لا يديرون "المشروع السياسي الأوسع"، في إشارة إلى الجهات التي تقوم بتمويلهم.
في المقابل، ادعى يهودا شافير، نائب المدعي العام السابق ورئيس وحدة الاستخبارات المالية الإسرائيلية، أنه لن تكون للعقوبات سوى القليل من التداعيات، واصفًا إياها بأنها "تصريحات كلامية" من دون ضغوط أميركية جادة. ولكن، رغم ذلك، تُعتبر العقوبات مهينة لأنها تضع "إسرائيل" في قائمة دول تعرضت للعقوبات الأميركية مثل كوريا الشمالية.
وقال شافير: "إنه أمر محرج ومخيب للآمال إلى حد ما (العقوبات الأميركية)"، وأضاف موضحًا: "تشير العقوبات بطريقة أو بأخرى إلى أن سيادة القانون الإسرائيلي لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية".